أحلام اكرم
أيقنت بأن كتاباتي تثير أعصاب القارىء العربي.. فكمية التعليقات السلبية التي تتعرض لي ولشخصي تؤكد بأنني ألمس عصبا حساسا.. يدخل كالسهم إلى عقل الإنسان العربي ليوقظه من غفوته التي طالت.. أو يعيد قتله.. ولكن هذا السهم لا ينفذ إلى قلبه.. ويبدو من هذه التعليقت أن كتابتي لن تشفيه ولكنها تشقية لرفضه تدخلي ( كإمرأة ناقصة عقل ) في محاولة توعيته..
قبل أيام أصدر مرشد الإخوان المسلمون في مصر الدكتور محمد بديع عبد المجيد نداء.. ينادي فيه الشعب المصري بالإستعداد للدفاع، والإستشهاد دفاعا عن الدولة الإسلامية؟؟
كنت أتمنى ان يكون هذا النداء موجهها للشعب المصري.. ولشعوب المنطقة العربية كلها بأن يدافعوا عن حق الإنسان الآخر في المواطنة.كما في نداء الشيخ مظهر شاهين..
خلال زيارته مع أكثر من ألف شخص من جامعه إلى الكنيسة القبطية ليهنىء الأقباط بعيدهم.. كنت أتمنى ان يكون نداء المرشد للدفاع عن حق القبطي وحق المرأة والأقليات الأخرى في المساواة.. نداء لتحريم وتجريم آفة التحرش الجنسي.. لتجريم عمليات الإغتصاب المتزايدة في مصر وفي المنطقة العربية. وما يتبعها من قضايا شرف.. وقتل.. ووأد.. نداء لتجذير وإحترام السلطة القضائية..!!!! ولكن..
ولكن كيف للدكتور بديع ان يتفهّم بأن حاجة المجتمعات الإسلامية لصحوة ضمير أهم بكثير من أسلمتها.. لأن صحوة الضمير ترتبط بأنسنة الإنسان العربي وترتقي بالأخلاقيات.. بينما أسلمة المجتمع ترتبط بالتغييب العقلي للإنسان العربي ولن تحل أي من مشاكله.. وحاجاته التنموية. والإقتصادية…
كيف لي أن أنتظر بل وآمل من دكتور بديع.. وهو الصديق والخلف للدكتور المرشد مهدي عاكف الذي قال ” ” طز في مصر وأبو مصر واللي في مصر أنا أرضى بان يحكم مصر مسلم من ماليزيا ولا أن يحكمه قبطي مصري “.
محمد بديع الذي يحمل فكر أكثر تشددا من فكر حسن البنا مؤسس الإخوان..لأنه من تلاميذ سيد قطب.. والذي كفّر كل من لا يدين بالإسلام.. ودعا لأسلمة المجتمع و حين أصبح مرشدا للإخوان دعى إلى تسييس الإسلام.. وتحويل الدعوة إلى حزب سياسي ديني.. وهو صاحب فكرة الحاكمية في الإسلام. التي ومن الضروري لتحقيقها سيطرة حزب سياسي ذا توجه إسلامي…
بعد كل هذا،يتهمني المعلقون بأنني أتحامل على الإسلام.. وبالذات على الإخوان المسلمون.. تحاملي على الإسلام غير صحيح.. لأنني أعتقد بأن الإسلام دين شأنه في ذلك شأن كل الأديان الأخرى يستند على قصص و أساطير.. إستغله ووظفه فقهاء الدين.. وأغدقت عليه الوهابية من أموال النفط لتغلق عقل الإنسان العربي بالخوف.. حتى تشل تفكيره ولا يبحث عن ملجأ آخر لتحسين معيشته.. وأؤمن بأن المسلمين وحفاظا على إحترام روح الدين.. عليهم مسؤولية الفصل بين الدين والسياسة.. وهو الحل الوحيد لتنمية وتطور المجتمعات العربية..من خلال عملية ديمقراطية حقيقية لا تتخفى بتقية الإخوان.. وتضمن العدالة الإجتماعية..
وأن تبقى الأديان في إطار التوافق والمحبة وإحترام عقيدة الاخر.. كما في زيارة الشيخ شاهين..
أما الإسلام السياسي ووصوله لسدة الحكم ممثلا بالإخوان.. على شعار أن الإسلام هو الحل.. فلن أرحمه من قلمي.. وسأبين مطامعه وعيوبة. وعدم صلاحيته لحل المشاكل الحقيقية للمجتمعات العربية بكل ما إستطعت..
هذا لا يعني غض النظر عن السؤال الأهم.. وهو لماذا فشل التيار الآخر المكون من مجموعة الليبراليين والعلمانيين والمثقفين في الوصول إلى السلطة..
قبل سنتين.. وبعد زيارات عديدة للصين.. زرت مناطق ومدن خارج حدود المدن الكبرى.. و’ذهلت من مستواها العمراني. ولكن دهشتي كانت اكبر حين رأيت بأن معظم ميادين هذه المدن الصغيرة ما هي إلا مسارح ثقافية تدعمها الحكومة مفتوحه لتثقيف الجميع في الميادين.. بينما وفي زياراتي المتعددة للمنطقة العربية أرى التفاوت الهائل بين سكان المدن.. وسكان القرى.. وهذا التفاوت لا يقتصر على الشوارع. أو البنية التحتية.. وتدني مستوى الخدمات.. بل ويطال مدى تقدم وعي الإنسان خارج المدن الكبرى…
في الدول الغربية وكما شاهدت في بريطانيا.. مثلا.. فإن الحكومة تعمل سنويا بتخطيط بالغ الدقة والتفاصيل على عقد مؤتمرات أحزابها في مدن مختلفة فمرة في برايتون.وأخرى في بورتمسوث.. وثالثة في مانشستر.. وغيرها. ولمدة أسبوع أو أكثر تحظى المدينة المنتخبة لعقد المؤتمر السنوي فيها، بإنتعاش إقتصادي لكل جوانب الحياة.. من فنادق. وقاعات مؤتمر.. ومطاعم. وشبكة المواصلات.. بينما لم أسمع عن عقد مؤتمر واحد في أي من الدول العربية خارج المدن الكبرى في محاولة لإنعاش إقتصاد المدن الأصغر.. أو الفنادق الصغيرة.. فإضافة إلى التكلفة الأمنية في المؤتمرات العربية.. تعود الأموال لتصب في جيوب فئة واحدة من المجتمعات العربية في المدن الكبرى!!!!
نحن لانستطيع إنكار وجود تفاوت إجتماعي وإقتصادي وثقافي هائل بين طبقة الليبراليين والعلمانيين وبقية شرائح المجتمع من العمال والفلاحين.. وبالذات فقراء مصر المعدمين سواء في المدن الكبرى أم في القرى. وهي الشريحة التي تواصل التيار الإسلامي بكل أحزابة في الوصول اليهم والتواصل معهم.. مستعملا لغتهم المتديّنة البسيطة.. مستغلا منابر الجوامع للتواصل المستمر معهم.. إضافة إلى سد العجز الحكومي في الخدمات التي ومن المفروض تلقيها.. الصحية.. والتعليمية.. وحتى خدمات المياة والكهرباء.. فيما عمل البعض من طبقة المثقفين مع النظام السابق على تحضير المدن الكبرى.. وأهملت كليا المواطن الذي يعيش خلف حدود هذه المدن..
في كل المنطقة العربية.. والتي نرى فيها أشد حالات للتفاوت الإجتماعي والإقتصادي والثقافي لا يمكن إلترويج لمفهوم الديمقراطية الحقة بدون إستعمال لغة البسطاء.. والتواصل معهم وإعادة تأهيلهم الفكري والثقافي وإعادة صياغة القيم الدينية بما يتماشى مع بساطة تفهمهم للدين من منطلق إيجابيات الدين.. لخلق مجتمع واحد يكمل بعضه بعضا بين القرية والمدينة.. ويستند إلى العدالة الإجتماعية التي ’حرم منها الإنسان العربي خارج حدود المدينة.. لايمكن أن نرسى مفاهيم الديمقراطية التي تحتاج إليها المجتمعات العربية كلها.. بدون تواصل طبقة المثقفين والعلمانيين مع جميع شرائح المجتمع بخطط إقتصادية تنموية واضحة تضمن إستيعاب شريحة العاطلين من الشباب.. الذين هم فريسة سهله لخطاب المتأسلمين.. ثم للتطرف…
نداء المرشد العام للإخوان.. يقسم المجتمع إلى نصفين.. وتحرض قسمي المجتمع ضد بعضهما البعض، بما يدخل تحت تفسير تحريض تام على العنف والكراهية.. وهو ما شهدناه قبل سنوات ليست بالكثيرة في المجتمع الفلسطيني نفسه حين إنقسم أفراد العائلة الواحدة إلى قسمين. ما بين فتح وحماس.. وكلنا يعرف نتيجة الإقتتال الداخلي ما بين الأخ وأخيه!!!
إلا إذا كان نداءه بالإستعداد للدفاع، والإستشهاد دفاعا عن الدولة الإسلامية؟؟ في كل العالم.. وهو ما يقع في قلب طموحات الإخوان التي تعتبر نفسها دعوة عابرة للقارات وموجهه للعالم أجمع؟؟؟؟
بصيرة للحقوق الإنسانية