علي الرز: العربية
غريبٌ هذا الإصرار من مصر “الإخوان” على إعطاء إيران دوراً رئيسياً في الشؤون العربية والإقليمية من دون أن تصدر من طهران أيّ مبادرة أو إشارة حتى إلى تغيير سياساتها بما يكفل الاندماج في فضاءٍ أوسع بشكل طبيعي وتلقائي ومقبول.
ليس مطلوباً إيجاد قواعد اشتباك جديدة مع جارٍ إقليمي مثل إيران، إنما الواقعية السياسية تقتضي أن يزيل هذا الجار المتاريس والسواتر العالية التي وضعها أمام عبور المبادرات والاتفاقات والمصالحات.
المطلوب من الرئيس محمود أحمدي نجاد أن يعرف أن الشراكة تقتضي وجود أطراف أخرى ينبغي أن تؤخذ مواقفها وخياراتها ومصالحها ورؤاها في الاعتبار لا أن يقدّم لها فقط عرض “الحماية” من دولة شبه نووية.
والمطلوب أن يعرف أن التقارب الحقيقي لا يعني الجلوس فقط أمام طاولة واحدة لتوزيع الصور والابتسامات والحديث عن دور الشياطين الكبار والصغار في منع التقارب العربي – الإيراني.
والمطلوب أن يعرف ايضاً وايضاً ان التعاون المأمول اقليمياً لا تختصره مفردات العاطفة والمحبة، ولا بعض الآيات من القرآن الكريم، ولا اللعب على أوتار الطائفية والمذهبية.
بمعنى آخر، فإن أهل المنطقة ليسوا من السذاجة كي يفرحوا ويهلّلوا ويصفّقوا وقوفاً ولفترة طويلة لمجرّد سماع الرئيس المصري “الإخواني” محمد مرسي يمجّد الخلفاء الراشدين في قلب طهران، أو بعد سماع تحريم الرئيس الإيراني ومعه مرجعيّات دينيّة شيعيّة كبيرة التعرّض بالسوء لزوجات الرسول (صلى الله عليه وسلم) و لأصحابه الأخيار الصالحين.
هذا المستوى تحديداً من الضيق الفكري والإنساني هو ما تعمل على تكريسه تيارات “التوظيف الديني للسياسة” الشيعية والسنية بغية إلغاء العقول وزيادة الاستقطاب وأخذ المنطقة الى مكانٍ آخر يكون فيه لـ “المرشد” الكلمة العليا واليد الطولى.
عندما تريد إيران أن تمدّ يداً صادقة الى أهل المنطقة، فعليها أن تحترم خياراتهم لا أن تساهم في تدميرها خدمة للحاكم الموالي لها أو المؤتمِر بأمرها. والرئيس مرسي يعرف تماماً أن إيران تحكم في العراق كما تحكم في طهران مع بعض الفروق الشكلية مراعاةً للتركيبتين السكانية والسياسية.
وأن إيران تحكم في سورية أكثر مما تحكم في طهران وتمدّ “المحافظ” بشار الأسد بكل أنواع الأسلحة والعتاد لقتل عشرات الآلاف من شعبه لمجرّد أنهم طالبوا بحريّتهم من نظامٍ اعتقل البلد لمدة خمسين عاماً.
وإيران تتعاطى مع “حزب الله”، الحزب الحاكم في لبنان، كما تتعاطى مع لواء القدس، وكذلك الأمر بالنسبة الى “حماس” سابقاً و”الجهاد” راهناً. وإيران مدّت أذرعها الى دول الخليج في أكثر من موقعٍ موجّهة رسالةً مفادها أن أحداً ليس بمنأى عن نفوذها …
بعيداً عن اللغو اللفظي والتلاعب السطحي الممجوج بالغرائز الطائفية، يعرف الرئيس مرسي أن إيران لم تتراجع عن ايّ من سياساتها تجاه المنطقة ولن تتراجع، ومع ذلك يصرّ – مفتوناً بتجربة الحكم الإسلامي هناك أو مراهناً عليها – على وجودها في ايّ مبادرة، وآخرها اللجنة الرباعية لحلّ الأزمة السورية.
والغريب في الأمر أن الطرفين الناشطين في المبادرات الإقليمية يعيشان أسوأ الأوضاع الداخلية على الإطلاق، فالعملة الإيرانية تتسابق مع المصرية على الانهيار، والاحتياطي النقدي في الدولتين يعيش نزيفاً غير مسبوق، والأوضاع الاجتماعية من سيّء إلى أسوأ، والاحتجاجات الداخلية متشابهة مع فارق أن الساحة المصرية الشعبية غير ممسوكة بعد كما هو الحال في إيران… ومع ذلك يتباهى الرئيسان بقوّة بلادهما ودورهما المحوري الإقليمي.
في دول الخليج مثل شعبي هو “بياع الخبل عباته”. فعندما تكون الأجواء خادعة ويتوقّف البرد قليلاً، يسارع “الخبل” أي الغبي الى بيع عباءته ظناً منه أن موسم الحرّ بدأ، ليفاجأ في اليوم التالي بأن البرد عاد ويدخل في معاناة طويلة. ومَن يصدّق أن إيران تغيّرت اعتماداً على كلام قادتها العاطفي دون أن يرى ممارساتها على الأرض هو “الخبل” بعينه عربياً كان أم أميركياً… اللهمّ إلا إذا كان مرسي ونجاد يعتمدان على “خبول” لتصديقهما.
ماقل ودل … وأسهل حل ؟
عندما تشتد الخوازيق على أمرئ ما … معذور أن يلتجي إلى كل الحلول ، من ألأرض كان أو من السما وحتي ما حرما ؟