الشرق الاوسط
يوقع المؤلفون أنفسهم في مشكلة عندما تكون إطلالتهم الأولى في عمل روائي أو شعري مثيرة. فالناس سوف تنظر إلى كل عمل تالٍ بعين المقارنة والقياس. ولا أعرف إن كانت المقارنة عادلة أو نتائجها صحيحة أو أن الانبهار الأول يزرع الشك مسبقا.
عندما أصدر علاء الأسواني روايته الثانية «شيكاغو» وجدتها بعيدة جدا عن «عمارة يعقوبيان». والآن أقرأ في روايته الجديدة «نادي السيارات» و«عمارة يعقوبيان» مائلة مسبقا. الحقيقة أن الأسواني يكرر البناء الروائي نفسه، يفرد أبطاله ثم يجمعهم في النهايات، لكنه يستغرق ويستطرد في الحوارات النقاشية والدفاعية مما يحوِّل الرواية إلى محاولات بحثية مطولة تطغى على العمل الأدبي المؤلف مما يزيد على 600 صفحة.
تدور أحداث الرواية في عصر الملك فاروق. والكثير منها يستند إلى ما تم تداوله عبر السنين عن حكايات الرجل وطباعه والمباذل التي نُسبت إليه. ولن يجد العارفون جديدا في الصورة التي يكرر الأسواني تقديمها لفاروق والحاشية.
يرافق ذلك حوارات حول المصريين والبريطانيين، الوطنية والاستعمار. وكما جعل أبطاله الأوائل في عمارة واحدة، يضعهم هنا في نادٍ واحد: السادة والكادحون. الباشاوات والبوابون وأهل القاهرة القديمة: إنجليز ومهاجرون لبنانيون وإيطاليون وفرنسيون، وفي الموضوع الرئيسي فاروق.
غير أن الصناعة الروائية لا تغيب. كلما استطرد المؤلف في الحوار استدرك وعاد يضفي على حياة أشخاصه ملاحات أو مفاجآت تبعد الرتابة، وكما في «يعقوبيان» و«شيكاغو» يخلط الأسواني العنصر الأجنبي بالعنصر المحلي. فطالما كانت مصر مجتمعا متعددا من بورسعيد إلى الإسكندرية، وطالما كانت القاهرة ملتقى السياسات والباشاوات والريفيين القادمين إليها بحثا عن عمل أو أمل.
يملأ الأسواني روايته بالحوادث البشرية الحميمية وبلغة تقارب الإباحة، من أجل أن يضفي عليها «واقعيته». ويختمها بذهاب «البطل» الأول إلى السجن الوطني، إذ تبدأ ثورة 23 يوليو ويلوح غياب فاروق. وفي الخلاصة هذا ليس عرضا عادلا لرواية الأسواني الجديدة. فأنا متحيز لعمله الأول، كما أنني أعتقد أنه كان عليه أن يتكرس للعمل الروائي بدل هدر الوقت في أشياء أخرى.