«(…) أحسن من الشيعي» هذا آخر ما سمعته من أحد العامة قبل أيام وهو يصور رأيه بمواطنيه الشيعة، ثم أعاد قصة عقيمة عن شيعي عمل عشرين عاما عند سني وحين ترك العمل أخبره أنه كان يسيء اليه خلسة.
كلها قصص خيالية يرويها البعض وهم قلة. ترى من كان له الدور الأكبر في حياكة تلك القصص؟ وما مصلحته الآن بعد أن ارتفعت حدة العداوة داخل البلد وفي المنطقة كلها؟ وكيف سيعالج الأمر بعد أن أصبح الحديث عن الوحدة الوطنية مجرد مخدر يهدئ من روعه وروعنا تجاه مضاعفات المذهبية والطائفية؟ وهل سيهرع الى الحلول أم سيتناسى المشاكل؟
بالتأكيد هناك معركة قائمة الا أن المواطنين يجهلونا أطرافها. يجهلون ان كانت المعركة ضد الشيعة أم ضد مطامع ايران. تائهون بين الأخوة الوطنية وبين سماعهم لخيانات أفراد وولاءاتهم للخارج. يبحثون عن فتوى تجيز علاقتهم بمواطنهم الشيعي أو تحرمها.
في ظل الدفاع عن حمى الوحدة الوطنية التي نحلم جميعنا بدوامها، يصر البعض، وهم قلة، على تحويل شيعة القطيف لخوارج لا ينتمون للمجتمع. وفي ظل الدفاع عن المبادئ أمام ما تفعله ايران والصراع المحتدم معها ومع مخالبها في المنطقة، أصبح الشيعي موضع اتهامات كثيرة. أمن أحد مرتاح لهذه التهم؟ أبهذه الطريقة نحمي البلد من ايران؟ هل تفتيت البلد هو سلاح يقينا من ايران أم يقدمنا لها على طبق من ذهب؟
يقول البعض ان ما حدث في دول اخرى من انقسامات قد يحدث الآن بين ابناء الطوائف الاسلامية. ويتشاءم البعض الآخر فيتخيل أننا قد نشهد تفجيراً أو عراكاً، هنا أو هناك بعد أن يرتفع حد التطرف الذي بدأت رائحته تفوح بنتانة لم يسبق لها مثيل.
لكن، ورغم الاسوداد، أشير لأحداث مضيئة تمت خلال الأيام الماضية:
الحدث الأول: تعيين سيدة شيعية قطيفية للمرة الأولى في تاريخ التعليم السعودي مديرة لمدرسة، وبالطبع كان التعيين حديث المواقع والصفحات الاجتماعية ولاقى ترحابا كبيرا بين المثقفين. هذا يعني أن الدولة بدأت تتحرك تجاه منح مواطني الشرقية الشيعة حقوقا يطالبون بها منذ زمن. الا أن هذا التحرك يجب أن يرافقه تحرك أقوى وأسرع يخص مشاعر الكراهية المغروسة بنفوس المواطنين تجاه اخوتهم الشيعة. أوقفوها، أوقفوا تداول كل الألقاب المخجلة. ووزعوا المواطنين على كل المناطق فلا يكون تصنيف منطقة بحسب مذهب أهلها. ثم شجعوا التزاوج بين السنة والشيعة واسمحوا بذوبان كافة المذاهب باطار الوطن أولاً وأخيراً.
من يدري فلعل حلم الملك عبدالعزيز الراحل يتحقق أخيراً. ألم يكن يحلم بالوحدة؟ ومن يدري فقد ينشأ جيل لا يعترف بالمذهبية.
أما الحدث الثاني فكان اقتراح خادم الحرمين تأسيس مركز للحوار بين المذاهب الاسلامية يكون مقره الرياض. برأيي فان أي حوار منطقي عقلاني مستقل وحر بين مجموعة من الأفراد؛ وان لم يكونوا متبحرين في الشرع والدين؛ سينتج عنه أن المذهبية كانت صناعة سياسية لا دينية، وأن جموع العرب والمسلمين التي تعلمت ألا تفكر والا تقرأ لأن هناك من يفكر ويقرأ بدلا عنها، تلك الجموع انقادت وراء المذهبية بل واستمتعت بها بسبب فراغ العقل والوعي الذي تعيشه.
تذكروا أن المذهبية سياسية وليست دينية، فالدين يدعو للوحدة أما السياسة فتهمها الفرقة. من باستطاعته الآن تغليب مصالح وطنه والتصدي لمصالح القوى العالمية التي يهمها نشر الفتنة المذهبية بشرق أوسطنا العتيد. (أو الآيل للانهيار)؟نادين البدير – مفكر حر؟