الشرق الاوسط
فات نابليون وهو يحقق الانتصارات والتوسع في أوروبا، أن يقرأ كتابا صغيرا لمواطنه غرانميزون، صدر عام 1756، بعنوان «الحرب الصغيرة». يقول غرانميزون إن جيشا ضخما وجيد التسليح، يمكن أن يهزم على أيدي قوة محدودة في حرب العصابات، عندما يكون الجيش موزعا.التزم نابليون قواعد الحرب الكلاسيكية: جيش في مواجهة جيش آخر، في ساحة معركة معينة.
في الإمكان الانتصار على «العصابات» وأفخاخها ومفاجآتها، إذا استطعت أن تستعدي عليها الناس وتعبئهم إلى جانبك. عندها، بدل أن تسبح السمكة في الماء، ترى نفسها خارج المياه. استخدم هذا الأسلوب أحد كبار جنرالات نابليون، خلال حملته الشهيرة، في صعيد مصر عندما استطاع استمالة الفلاحين وتمكن من هزم القائد المملوكي حتى لقب «السلطان العادل».
تعلم الأمثولة، على ما أعتقد، فيتنامي لماع يدعى الجنرال جياب، عندما كان مدرسا للغة الفرنسية. لعله قرأ غرانميزون، الذي لم يقرأه الإمبراطور. ألحق جياب الهزيمة بالفرنسيين ثم بالأميركيين الذين جاءوا يرثونهم في «الهند الصينية». من بدأ «حرب العصابات»؟ لا أدري. ربما روبن هود. وفي لبنان حمل رجل يدعى فؤاد علامة، لقب روبن هود. يجب أن تعرف كيف تكسب الناس لكي يؤّمنوا لك الحركة والنقل والمأوى وسبل التخفي من الجيش. الانتصارات التي حققها «الجيش الحر» على «الجيش العربي السوري» كان سببها الأول مشاعر ومواقف وتعاطف الناس. لا يستطيع المدني أن يؤيد جيشا يطلق النار على حقله ومنزله ومدرسته ومستشفاه وكرامته وأمله. لكن ثمة ما طرأ على الثورة في سوريا: تحول المحررين أنفسهم إلى شبيحة وغلظاء وقساة وجزمات تدوس القوانين أمام أعين الأهالي.
لا ينطبق هذا على جميع الثورة لكنه يجب ألا ينطبق على أحد. ممنوع استبدال الفظاعة بالفظاعة ولا شيء يبرر الفظاعات على الرغم من المثل الفرنسي (ما دمنا بدأنا هناك) بأن الحرب هي الحرب.
حدث في الدول التي دخلتها الثورة، أمر مؤسف جدا، هو أنها لم تحمل معها القانون. كل أمل الناس بالخلاص من الاستبداد، كان بلوغ القانون. في ليبيا يظهر القانون مشلعا في طريقة معاملة العتاة والظالمين والسارقين. اتركوا العقاب له. هناك ما يكفي من الإثباتات لإنزال أقصى الأحكام بمن زرعوا في ليبيا كل هذا العذاب وكل هذا القهر، فلماذا تصرون أن يبدو عبد الله السنوسي وكأنه مظلوم، أو كأن سجانيه اليوم أشبه بسجاني الأمس؟ عذبوه العذاب الأشد. علموه كيف تعامل الدول البشر.