مقدمة :
طريقان رئيسان في هذه الحياة متوازيان تقريباً ,هما الدين والعِلم !
لا أجرؤ أن أجزم في هذه اللحظة أنّ جميع سالكي الطريق الأوّل مَحض أشرار ,بينما سالكي الطريق الثاني هم من الأخيّار !
في تفاصيل حياتنا اليوميّة وتصرفاتنا كأفراد وجماعات قد يتداخل العمل والسلوك في هذين الطريقين .بحيث تتداخل النتائج بين الخير والشرّ !
سأوضّح قصدي بمثال :
شاب مُتديّن يدرس الطبّ ويتخرج طبيباً ناجحاً لأجلِ خدمة البشرية وعلاجها من أدوائها .تراه يدرس طيلة سنوات عديدة كلّ شيء بيولوجي معتمداً على نظرية التطوّر والإنتقاء الطبيعي لداروين ,التي هي عكس نظرية التصميم أو الخلق الذكي للكون .مع ذلك تتطوّر أحداث حياته لاحقاً فيصبح ذلك الشاب ,هو نفسه زعيم القاعدة / د.أيمن الظواهري !
معناها تحوّل من الطريقة العِلميّة ,الى نقيضها الدوغمائية أو التشدّد والتزمّت لفكرة معينة ,آمن بها بتأثير أقوال وأحداث لاتمّت للعِلم بصلة !
حتى في الطريق الآخر (العِلم) , قد نجد أشخاصاً مارسوا أغلب حياتهم البحث العلمي لخدمة البشرية والعالم ,لكنّهم أنتجوا في النهاية سلاحاً فتّاكاً حتى وإن لم يقصدوا ذلك بالضبط .
الأمور متداخلة إذن على أرض الواقع ,وليست واضحة تماماً كما في عنوان الطريقين !
مع ذلك هناك صفات عامة تبدو مُشتركة لسالكي هذين الطريقين .
فلو تحدثنا عن النفاق والرياء والغش والخديعة والكذب والمُداراة والتلاعب بالكلمات .فسوف تعلمون مباشرةً عمّن نتحدّث ,أليس كذلك ؟
***
الآن مع تكملة تلخيص كتاب الخرافة في عصر العِلم لعالم الفيزياء الأمريكي / روبرت لي پارك !
الحديث سيكون مكمّل (لدراسة مُعجزة كولومبيا) التي تحدثنا عنها في الجزء السابق الثامن .
كانت تلك الدراسة محاولة غير شريفة وغير علميّة البتّه لإعلان نتائج لا تمّت للحقيقة بصلة عن تأثير الصلاة على حمل السيّدات العاقرات .
قام بها ثلاثة رجال (ستتضح أهدافهم الدينية والمادية لاحقاً) هم كلاً من :
1/ د. روجيريو لوبو /رئيس قسم النساء والولادة في مركز جامعة كولومبيا الطبّي .
2/ د.كوانغ تشا /اُستاذ مُساعد زائر في نفس القسم ومالكاً ثريّاً لعيادات خصوبة ومستشفيات في كاليفورنيا وكوريا الجنوبية .
3/ دانيال پ. ويرث / ماجستير حقوق كان يعمل مُحاميّاً وپاراسايكولوجيّاً
(هذا لا علاقة له بالطبّ والعِلم وسُجن لاحقاً بتهم اُخرى لها علاقة بالسرقات والإبتزاز) !
ربّما ستُعجبون بالذي فضحهم (د. بروس فلام) ,حتى وإن دفعَ ثمناً لذلك !
***
ص 75 / تساؤلات !
بأيّ آليّة ماديّة ؟ تسائل العلماء ,يُمكن لصلاة بعيدة أن تؤّثر على إختراق حيوان منوي لجدار بويضة ؟
كان ذلك بالتأكيد إدعّاء غير عادي ,لكن الدليل لم يكن غير عادي أبداً !
سألني صحفي :
(لكن ألا تقدر الصلاة على الأداء من خلال قوّة ما لا يعرفها العلماء بعد ؟)
فأجأبته بما يلي :
هناك أشياء كثيرة لا يعرفها العِلم بعد ,لكن إن كان شخصاً راكعاً في مكانٍ ما يستطيع تجاوز قانون طبيعي من خلال صلاتهِ ,فلن يكون هناك عِلم !
***
في اليوم الذي تحدّثتْ فيه النيويورك تايمزعن دراسة الصلاة في كولومبيا
تأكدتُ من أنّي سألاقي (شون مكارتي و ديفيد أوكونر) ,القسيّن الكاثوليكيّن (اللذان شهدا حادث سقوط الشجرة عليّ) في نزهتهما اليوميّة .
توّقعتُ أنّ ديفيد وشون سيجدان (تجربة تمتحنُ الربّ) مُهينة !
لكن رغم إحترامهما الدائم للعِلم ,لم يجدا خطئاً في القيام بتجارب كهذهِ .
لكنّهما وجدا النتيجة مُفاجئة ! (طُرق الله ليست طُرقنا) قال شون !
ولانستطيع دوماً معرفة أسبابه .كلاهما تراجعا الى هذا السطر من قبل .
وبعبارة اُخرى أظنّه يعني أنّ الواقع لايتسق دوماً مع ربٍّ مُحّبٍ حكيم !
***
في نفس الوقت وعلى الجانب الآخر من القارة إتخذ (د. بروس فلام) في كاليفورنيا نظرة أظلم الى الدراسة .
تمّت الدراسة في الواقع في كوريا الجنوبيّة وتضمّنت 200 سيّدة في مدينة (سول) مُصابات بعقمٍ شديد ,وقد مَررنَ بتخصيبٍ أنبوبي
IVF
في إحدى عيادات (د.كوانغ تشا) .
(IVF
هو أكثر أشكال علاج العُقم تقدّماً المتوفرة اليوم ) !
كانت نصف النساء مُختارات بعشوائية صلّى لأجلهنّ متطوعون مسيحيّون في الولايات المتحدة ,كندا ,إستراليا .
أمّا النصف الآخر ,فقد تلقيّنَ نفس العلاج
IVF ..
لكن بدون صلوات !
تمّت الصلاة على صور للمريضات اُرسلت بالفاكس الى مجموعات الصلاة .ربّما يستطيع الربّ معرفة مَنْ الذي كان يُصلّى لأجله !
(أكاد أسمع إسلامي يقول :تلك كانت صلاة مسيحية فمَنْ أدراك أنّ صلاة إسلاميّة ستأتي بنفس النتائج ؟
جوابي هو فلتحاول القيام بتجربة مماثلة وتنشر نتائجك للجمهور لتخضع للنقاش ,وبعدها سنرى إن كانت الصلوات تختلف في تأثيرها /كاتب السطور) !
تمّ تقسيم النساء المُصلّى لهنّ الى مجموعات رئيسة ثمّ تتفرع الى مجاميع أصغر فأصغر .وفي محاولة لتعظيم تأثير الصلاة كانت هناك مجموعة ثانية تُصلّي لأجل سماع الله لصلوات المجموعة الأولى .
لِمَ لا توجد مجموعة ثالثة تُصلّي لأجل الثانية ؟ (هذه سخرية بالطبع! )
***
ص 76 / مُغالطات مقصودة !
بدا كلّ ذلك مُعّقد للغاية .والإجراءات المُعّقدة في الدراسات الإحصائية كالتي اُستخدمَت في دراسة الصلاة في كولومبيا هي علامات تحذير .
تقسيم الجماعات الرئيسة الى (دون ـ مجموعات) أصغر كما فعلوا
يزيد من فرص وجود تأثير إيجابي في (دون ـ مجموعة) واحدة على الأقلّ فقط بسبب لايقين إحصائي !
لتجنّب مُغالطة إلتقاط الكرز يجب تحديد عدد ال (دون ـ مجموعات) .
ولتجنّب مُغالطة قناص تكساس يجب أن تُقرَّر ال (دون ـ مجموعات) قبل الدراسة .
هل يقوم إله الكون بنفسه بحساب عدد الصلوات كي يُقرّر أيّها يستحق الإجابة ؟
قد تظّن أنّ ربّاً مُحبّاً حكيماً قد يكون لديهِ مُحدِّدات لتقرير مَن اللاتي يُمنحنّ حملاً خلافَ حجم مجموعة الدعم !
لكن الحقيقة هي أنْ لا أحد يعرف كيف يصنع الله قراراتهِ .فطُرق الربّ ليست طُرقنا كما يقول شون !
كانت لدى (د. فلام ) أسئلة اُخرى .لم يكُن (دانيال ويرث) عالماً أو طبيباً .
كان إنتسابهِ مُحدّداً كمكتب قانوني !
كتبَ فلام عدّة رسائل الى مجلة (الطبّ التناسلي) يطرح فيها أسئلة عن الدِراسات وحول دور السيّد ويرث .
كانت ردود المجلة مُتهرّبة .وحين أصرّ فلام ,أوقفت المجلة الردّ على رسائلهِ .لكنّ فلام لم يكن ليّناً (شوفوا الإصرار بيعمل إيه) ,فقد نشر مقالات في مجلات علميّة اُخرى مُقدّما فيها كلّ الحقائق ,إتصل بصحفيين إحتجّ لدى خريجين مؤثرين من كولومبيا ,أدرج زملاء علميين في حملة كتابة الرسائل .وبعد ثلاث سنوات من جهوده المتصلة بدأ الخداع يتفكك !
***
ص 77 / الجريمة والعقاب !
بدأ أشخاص من خارج المجتمع العلمي بعد سماعهم عن فضيحة كولومبيا والدكتور فلام بالإتصال به وتزويده بمعلومات أكثر عن (دانيال ويرث) .
كان ويرث قد نشر مقالات عديدة من قبل عن الشفاء الماورائي في مجلات الباراسايكولوجي .والباراسايكولوجي لا يُعّد موثوقاً لدى العُلماء !
في عام 2004 أيّ بعد ثلاث أعوام من نشر دراسة معجزة كولومبيا ,اُدين ويرث وشريكه (جوزيف هورفاث) في المحكمة الفيدراليّة للتخطيط لإرتكاب إحتيال بريدي وبنكي يتضمّن أكثر من مليون دولار !
حُكِمَ عليهما بخمسِ سنوات في السجنِ الفيدرالي ,حيث إنتحر هورفاث !
يبدو الآن أنّ ويرث كان القوّة المُحرّكة خلف دراسة الصلاة في كولومبيا !
قام المؤلف الرئيس (د.روجيريو لوبو) اُستاذ قسم النساء والولادة في كولومبيا بسحبِ إسمهِ من الورقة ,ثمّ إستقال لاحقاً من منصبه !
وخلال تحقيق لقسم الصحة والخدمات البشرية الأمريكي في جامعة كولومبيا ,أقرّ رغم أنّه كان المؤلف الرئيس للورقة إلاّ أنّه لم يعرف عن وجود الدراسة إلاّ بعد سنة تقريباً حين إكتملت .
كان يُعتَقَد بشكلٍ واسع أنّ (د.لوبو) قد اُجبِرَ على الإستقالة بسبب الفضيحة التي تحيط بدراسة الصلاة !
مع ذلك اُعيد تعينهِ كمدير برنامج الزمالات في مركز النساء التناسلي في كولومبيا .ربّما كانت هذهِ ترقية !
المؤّلف الثالث ( د. كوانغ تشا) ترك كولومبيا وعاد الى إدارة عيادات خصوبته في كاليفورنيا و سول .
في فبراير 2007 اُتّهِمَ (تشا) من مُحرّر مجلة اُخرى (العُقم والخصوبة) بسرقة عمل طالب كوري في بحثٍ آخر .(يعني هذه خدعة اُخرى) !
لا تزال الدراسة الشائنة للصلاة في كولومبيا يمكن العثور عليها على موقع مجلة الطبّ التناسلي .وبقيت هذه الدراسة تُعّد برهان على قوّة الصلاة في منشورات مسيحيّة اُصولية حتى في إستراليا البعيدة !
لكن الأسوء كان في طريقه !
في الذكرى السادسة لنشر الدراسة قُدّم إستدعاء للدكتور فلام الذي فضحهم .كانت الدعوى من (د. كوانغ تشا) , “للتشهير الكيدي” !
قام تشا بحساب انّ حملة (د.فلام) الشديدة ,قد كلّفته الملايين .
طلبَ مُحاكمة بمحلفين .مُعتقداً بلا شكّ أنّ مُحلفين في جنوب كاليفورنيا سيرون إصرار فلام كهجوم من عالِم كافر على الصلاة !
هدّدت الدعوى بمسح مبلغ التقاعد الذي جمعهُ (آل فلام) ببطيء .
حتى التكاليف القانونية لدفعِ هذه الدعوى ستَدفع بمواردهما للحضيض .
في تلك الليلة ,الزوجة (جانيس فلام) الخائفة أصلاً من أنّ (دانيال ويرث) سوف يطاردهم بعد خروجه من السجن بعد سنة … بكت حتى النوم !
***
ص 78
في طريق هذا الكتاب الى النشر ,يعيش آل فلام تحت ظلّ دعوى تشهير بالدكتور كوانغ تشا .بالتأكيد أنّ الدعوى ليست لمجرّد التشهير ,بل لإسكات النقد ضدّ دراسة الصلاة في كولومبيا .تلك الدراسة المُخادعة التي نُشِرَت في مجلة الطبّ التناسلي .وشارك في تأليفها مُخادع خبيث مازال حبيس السجن الفيدرالي .
واُستاذ في جامعة كولومبيا يقول اليوم أنّه لم تكن له علاقة بالرسالة !
خَسَر (د.كوانغ تشا) الجولة الأولى ,لكنّهُ إستأنفَ الدعوى .
ويبدو أن الدعوى ستذهب الى محكمة المُحلفين كما أراد هو !
مهما كانت النتيجة النهائية ,سيدفع (د.بروس فلام وعائلته) ثمناً كبيراً لقرارهِ كمواطن مسؤول أن يفضح رسالة مُخادعة تتنكر بزيّ العِلم !
سألتهُ إنْ كان سيفعلها من جديد ؟
كانت وقفة طويلة قبل أنْ يُجيب : كنتُ لأفعلها ! قالها برّقة !
***
الخلاصة :
مُغالطة إلتقاط الكرز :
[أن يختار المرء نتائجَ محدّدة بالذات من دراسة عامة ليدعم بها فكرته] !
مغالطة قناص تكساس :
[يُصوّب القناص رصاصته على حائط حَظيرة ,ثمّ يمشي الى هناك ويرسم
دائرة حمراء حول ثقب الرصاصة] !
رجال الدين ومن يسير في فلكهم ,يستخدمون مثل تلك المُغالطات لإثبات وجهة نظرهم !
عندهم الغاية تبرّر الوسيلة .أو (الضرورات تبيح المحظورات) لو شئتم !
لكن هل رأيتم بالمقابل إصرار وتضحية (الدكتور بروس فلام) على كشف الخديعة ؟
يقول مؤلف الكتاب في نهاية الفصل الذي لخصته توّاً ما يلي :
وأنا أكتب هذا الكتاب تقرأ ساعة تعداد نفوس العالم ما يقرب من سبعة مليارات إنسان .يُصلّي مُعظمهم لأجلِ صحتهم وصحة أبنائهم !
وأكثر من مليار منهم يصلّون 5 مرّات في اليوم (يقصد المسلمين بالطبع)
ويضيف : إنّها لإعجوبة أنْ ما زال الناس يمرضون !
ولا زلنا مع السؤال الذي بدأنا به : هل الصلاة تشفي ؟
تحياتي لكم
رعد الحافظ
10 مارس 2015