مُعجزة كولومبيا /هل يُمكن للصلاة أن تُغيّر العالم ؟ ج 8 / من تلخيص كتاب الخرافة في عصر العِلم
مقدمة :
قبل الحديث عن الصلوات وتأثيرها النفسي أو الفعلي أو الوهمي على البشر ,علينا أولاً تجاوز فكرة (صلاتي أفضل من صلاتك !) كون جميع البشر يعتقدون أنّ صلواتهم هي الأصحّ وإلاّ ما كانوا ليمارسونها أصلاً !
في هذا الجزء (الثامن) من تلخيص كتاب الخرافة في عصر العِلم ,لعالم الفيزياء الأمريكي (روبرت لي پارك) سوف أنقل لكم تصدّي طبيب أحبّ الحقيقة إسمه (د. بروس فلام) لدراسة مَنشورة على أنّها (علميّة) ,بينما تبيّن لاحقاً ,أنّها مُخادعة زائفة مُرتبة لخدمة أغراض دينية على حساب الوقائع من أرض الواقع .وسوف تلاحظون من ذلك غيرة العلماء الحقيقيين على إيصال المعلومة والفكرة الصحيحة للشخص العادي !
***
ص 68 / قنّاصوا الكرز !
عام 1982 قام (د. راندولف بيرد) ,وهو طبيب قلب في سان فرانسيسكو بتسجيل 393 مريض قلب في مُستشفى سان فرانسيسكو العام في دراسة عشوائية مزدوجة العَمى (يعني عشوائية مرتين) لتحديد إن كان لصلاة الشفاعة الموّجهة للإله (اليهوـ مسيحي) أيّ تأثير على حالتهم الطبيّة !
وضعَ المرضى عشوائيّاً إمّا في مجموعة صلاة شفاعة ,أو في مجموعة ضابطة لم تتلقَ أيّ صلوات خاصة .
لا المرضى و لا الأطبّاء كانوا يعرفون في أيّ مجموهة هم !
كان المتطوعون للصلاة جميعاً مسيحيين (مولودين ـ ثانية) وفعّالين في الكنائس المحليّة .
عُُيّن عدد منهم لكل مريض وسئلوا أن يصلّوا يوميّاً لشفاءٍ سريع للمريض دون مضاعفات أو موت !
لم تتم أيّ مُحاولة لضبطِ صلوات الشفاعة الإضافيّة التي تقدّمها العائلة أو الأصدقاء ( يعني هذه زايد خير كما يُقال! )
صُنّفَت النتائج في 26 مجموعة تتضمّن عداوى بكتيريّة ,فشل قلب تضخمي ,ذات الرئة ,أو الحاجة للمُدرّات .
في ورقة تصف نتائجه منشورة عام 1988 ,حدّد (بيرد) ست مجموعات تحسّنت فيها المجموعة المُصلّى لأجلها بشكلٍ هامشي !
وَصَفت الصحافة هذه المجموعات كدليل على قوّة الصلاة .لكن بالتأكيد هذا يترك لنا 20 مجموعة لم يتحسّن فيها المرضى ,وربّما إنتكسوا !
يُسمّي الإحصائيّون الإشارة فقط للبيانات التي تدعم فرضيتك
ب ((إلتقاط الكرز)) ,وفي العِلم إلتقاط الكرز يُعّد خطيئة !
***
ص 69 / إعتناق الإفكار !
لماذا يعتنق معظم الناس معتقدات والديهم في الماوراء ؟
كم من ذلك يتّم تناقلهِ في الجينات ؟
أم أنّ دماغ الطفل وهو مربوط بلطف (كي يتعلّم اللغة) ,تسهل برمجتهِ ؟
***
ص 71 / طبيب أحبّ الحقيقة !
(د.بروس فلام) اُستاذ في طبّ النساء والتوليد السريري في جامعة إرفاين ـ كاليفورنيا .كانت أمريكا مازالت في حالة حِداد على ضحايا هجوم 11 سبتمبر 2001 , عندما وقعت عيناه على مقالة:
(هل تؤثر الصلاة على نجاح نقل أجنّة الأنابيب المُخصّبة ؟)
إندفعت غُددهِ الصُمّ للعمل ..[قرأتها وكدتُ أسقط من مقعدي] كما يتذكر !
كانت (جدّة) بروس تُصلّي يوميّاً لمدة 75 عام دون نجاح يُذكر .
غير مستعدة لمواجهة الواقع المؤلم بأنّ الله لا يستجيب لصلواتها !
إنتقلت القناعة بالتأكيد الى حفيدها (أنّ الصلاة يمكنها تغيير هذا العالم) !
حين كان صبيّاً صلّى (بروس) بحماسة ,لكن للأسف مرّت صلواته كصلوات جدّتهِ دون إجابة !
من جهة اُخرى إكتشف (بروس) في المدرسة أنّ العِلم دائماً يعمل !
قرّر بروس أن يحّب العِلم ويرفض الصلاة كخرافة محضة !
واجهته دراسة الصلاة في كولومبيا في مجلة (الطبّ التناسلي) ,بالإكتشاف المُزعِج أنّ مجلة طبيّة مُهمّة في مجاله قد نشرت للتو ورقة كانت بالتأكيد هراءً خرافياً !
أفادت الرسالة [..أنّ عمليّات التخصيب بالأنابيب كانت أقرب بضعفين للنجاح حين كان يُصلّى للنساء من قبل مجموعة من الغرباء يبعدون نصف العالم ] ..المعنى المُتضمن هو أنّ معجزة كهذة يمكن تدبيرها !
بإسلوبها (الضعيف) وَصَفت النيويورك تايمز النتائج ب “المُفاجئة” !
لكن إنْ كانت صحيحة حقّاً فهي أكثر من مفاجئة ..إنّها معجزة !
إنّ تدبير المُعجِزات (كما لكَ أن تتخيّل) يأتيكَ بمالٍ جيّد .
مع ذلك في العِلم هناك مفاجئات كثيرة ,إنّما لا معجزات !
لأنّ العِلم يعتمد على مبدأ يقول :هناك سبب مادي لكلّ شيء يحدث !
كطبيب نسائيّة وتوليد بخبرة 23 عام كان (د.فلام ) منزعجاً جداً من أنّ إدعاءً مُستحيلاً كهذا يمكن أن يمّر بإجراء مراجعة النُظراء في مجلة محترمة في مجاله هو .فهذه الورقة (كما شكّ فلام) لم تكن خطأً بالكامل لكنّها تلفيق مُتعمّد !
كان يُقصد بها فقط إستغلال الإيمان الديني للنساء اللاتي أردنَ بيأس أن يحصلنَ على طفل .الهدف الأساسي للمُلفقين هو صنع المال !
لكن كيف للمؤلفين التربّح ؟
أن تكون مُخطئاً ليس سوء سلوك علمي ,فقلّة من العُلماء يصنعون سيرتهم دون الوقوع في أخطاء .نجاح العلم ونزاهته يعتمد على ثقافة من الإنفتاح بها تنكشف أخطاء كهذه وتُصحّح .
***
ص 73 / كيف إتفق هؤلاء ؟ كيف تتورط جامعة كولومبيا معهم ؟
لدى العُلماء إلتزام بالتنبيه الى البحث المُثير للشك !
حين بدأ (د.بروس فلام) بالحفر أعمق ,إستطاع كشف شبكة متراكبة من المُغالطات والخداع !
كان المؤّلف الرئيس هو (د. روجيريو لوبو) رئيس قسم النساء والولادة في مركز جامعة كولومبيا الطبّي .
لن يتوقع أحداً أنّ شخصاً في مكانة كهذهِ في جامعة مرموقة مثل كولومبيا قد يتوّرط في الخداع .
مع ذلك كان مؤّلف آخر هو (د. كوانغ تشا) اُستاذ مُساعد زائر في القسم ومالكاً ثريّاً لعيادات خصوبة ومستشفيات في كاليفورنيا وكوريا ,ممّا يطرح أسئلة جادة عن تضارب المصالح !
لكن كان هناك مؤّلف ثالث رفعَ ضغط (د.فلام) هو (دانيال پ. ويرث)
ماجستير حقوق .واضح أنّه لم يكن على علاقة بكولومبيا أو المجال الطبّي
فقد كان مُحاميّاً وپاراسايكولوجيّاً (مايكفي لجعل أيّ عالِم حذراً منه) !
كان لدى ويرث تأريخ طويل من الإدعاءات الطبيّة القائمة على الإيمان عديمة الأدلة !
فما الذي كان يفعلهُ مع طبيبَين مُصدّقين في دراسة “علمية” في إحدى أقدم وأوثق الكليّات الطبيّة في أمريكا ؟
كانت “دراسة مُعجزة كولومبيا” كما أصبحت تُعرَف قد نُقلَت بشكلٍ واسع في الإعلام الشعبي ,بما في ذلك النيويورك تايمز الجليلة وبرنامج
ABC
“صباح الخير أمريكا” !
وصفت قصة في التايمز بأنّ النتائج تُظهر أنّ “الشفاء الإيماني” يعمل في الواقع .ثم بدأت تظهر نُسَخ من القصة في غرف الإنتظار في عيادات الخصوبة حول العالم .يمكن النظر إليها كدعايات خصوبة .
د. كوانغ تشا ,قد يكون في عيادتك أطبّاء جيّدون ,لكن هل تُقدّم مساعدة ماورائية مُؤكدة ؟
أوّل خطوة كان يجب فعلها على مجلة الطبّ التناسلي هو سحب الورقة (دراسة معجزة في كولومبيا) مباشرةً في إنتظار التحقيق .وعلى جامعة كولومبيا أن تُنكر العمل بالكامل .لكن شيئاً من هذا لم يحصل !
فلا المجلة ولا الجامعة أشارت حتى لرسائل (د. فلام) المتعلّقة بما عرفه !
وبعد رفضها نشر رسائل تنتقد دراسة الصلاة في كولومبيا ,قامت (مجلة الطبّ التناسلي) بخطوة غير إعتيادية زادت الطين بلّه !
الخطوة هي نشر دفاع مطوّل عن الدراسة بقلم (د. تشا) .
كانت المجلة تمّد (تشا) بأرضية للدفاع عن رسالته ضدّ تُهَم رفضَت المجلة بصلابة حتى الإشارة إليها .
في رسالته يُشير (د.تشا) الى أنّهُ لم يُصمّم الإجراء الغريب المُستخدَم في الدراسة (يعني تملّص) .
وقال أنّ المُصمّم هو (دانيال ويرث) الباراسايكولوجي والمحامي ,هو الذي رتّبَ وقامَ بالدراسة فعليّاً .فأيّ سؤال يجب إذن أن يوّجه الى (ويرث) ؟
لكنّ (دانيال ويرث) لم يكن حاضراً .فقد اُعتبِرَ مُذنباً في تُهَم إحتيال غير متعلّقة بالقضية ,وُصِفَتْ في حُكم إدانة فيدرالي من 46 صفحة إشتمل على فترة 20 عام !
كان (ويرث) في تلك اللحظة في طريقه الى السجن الفيدرالي ليقضي مدّة 5 سنوات ,تتبعها مدّة 3 سنوات اُخرى من إطلاق السراح المُراقَب !
كيف لمؤسسة مُعتبرة كجامعة كولومبيا أن تتوّرط مع أشخاص كهؤلاء ؟
هذا يبقى أمراً غامضاً !
***
ص 74 / دعاوى غير عاديّة !
مجلة الطب التناسلي هي مجلة طبيّة يُراجعها نُظراء !
هذا يعني أنّ الأوراق يجب أن يراجعها خُبراء مجهولون قبل أن تُقبل للنشر .هوّيات الخبراء تبقى مَحميّة بشدّة ,ولا يُكافئون على وقتهم .
فمراجعة النُظراء تُعتبر مسؤولية مقدّسة للعلماء !
بالإضافة الى البحث عن الأخطاء الظاهرة ,يوّضح المراجعون رأيهم فيما إذا كان العمل أصيلاً .وأنّ تقديراً معقولاً قد اُعطيّ للأعمال السابقة .وأنّ النتائج مهمة بما يكفي لإجازةِ نشرها .و يُتوقع من المُراجعين معاملة المادة بسرّية وعدم الإنتفاع بمعلوماتها حتى يتّم نشرها !
من جهة ثانية فإنّ مراجعة نُظراء لورقة بحث لا يعني بالضرورة أنّها صحيحة .فالمراجعون لايملكون سببا لمعرفة إن كانت الأجهزة العلميّة تعمل جيّداً أو أنّ الباحثين نقلوا النتائج بأمانة .
هذا يترك إحتمالية مفتوحة لأن تضّم (ورقة راجعها نُظراء) تلفيقاً مُتعمَداً !
و رغم أنّ الخداع قد يحصل ,إلاّ أنّه نادر جداً !
لأنّ كلّ كشف علمي يجب تأكيدهِ مُستقلاً قبل تقبّله كمعرفة جديدة .
وكي لا نُخدَع بإحتبارات خاطئة ,على العُلماء أن يُجروا إختباراتهم بإنفتاحٍ
مُشاركين نتائجهم مع العلماء الآخرين .وهؤلاء بدورهم أحرار في إعادة كلّ تجربة وتأكيد كلّ إدعّاء .
القصد :إنْ كان العمل إحتيالاً ,فالإنكشاف النهائي شبه مؤّكد !
ولأنّ العِلم شأن مفتوح ومشروط ,فالأخطاء ستكون ذاتية التصحيح .
لا يُمكن للإختلافات بين العُلماء أن تُحَلْ إلاّ بتجارب أفضل ,والطبيعة ستكون هي الحَكَم الوحيد !
في عالمٍ مُدمن على الحُروب ,لاتقوم حروب على مُجادلات علميّة .
فحسب تعبير (كارل ساغان) فإنّ :
[الإدعاءات غير العادية ,تتطلّب أدّلة غير عادية] !
وحيثُ أنّ أمريكا كانت مازالت تحت تأثير صدمة هجوم 11 سبتمبر على مركز التجارة العالمي ,فقد تعامل العديد في الوسائط
Media
مع دراسة (الصلاة في كولومبيا) كأخبار جيّدة !
فهي قد وفّرت لهم أدلّة على أنّ الله مازال مُسيطراً في مناخ كهذا !
هل كان المُراجعون مُراعينَ بإفراط للدين ؟
في الواقع كان مُعظم العُلماء مصدومين بأنّ مجلة حسنة السُمعة قد إختارت نشرها !
***
الخلاصة :
في هذا الجُزء لاحظنا إندفاع الطبيب أو العالم الغيور على الحقيقة العلميّة لكشف كلّ تلاعب وإستغلال للمعلومات لتضليل الجمهور بنتائج زائفة !
كما لاحظنا مُجدّداً طريقة عمل العلماء الواضحة العلنية ونتائجهم المكشوفة والمنشورة للمختصين والعامة لغرض النقاش والإعتراض !
يعني لا داعي للقول :(لا تسألوا عن أشياء إنْ تُبدَ لكم تسؤكم) !
هذا هو الفارق الكبير المُهم بين عمل العُلماء الحقيقيين والأدعياء !
الأدعياء يقولون لك :لا تسأل لا ترفض لا تُجادِل لا تُجاهر بالكُفر !
فهل لكم أحبتي على ذلك صبرا ؟
أم مازلتم توّدون العبور الى الضفة الأخرى؟
يُنبهنا في هذا الخصوص (فريدريك نيتشه) لما يلي :
[ خطيرٌ هو العبور الى الضفةِ الاُخرى ,خطير مسلك الطريق ,خطير النظر الى الوراء ,خطير هو الإرتعاش ,والتوّقف خطير ! ]
تحياتي لكم
رعد الحافظ
2 مارس 2015