أذعنتُ للقطة التي تحتوي على عشرات الصور الذهنية لكنها مع ذلك تختزل في لحظة خاطفة ما أصبحت عليه الكنيسة من نحافة، دمية تجسد البابا ” تلقي من خلال سيارة مكشوفة تحية مجمدة علي حشودٍ تواجدها في المكان مرتب بالتأكيد قبل موعد الزيارة بوقت طويل..
للوهلة الأولي وكز حواسي شك أن هذه مؤامرة لإحراج “فرنسيس الأول” والتقليل من شأنه، واشتعل شكي عندما علمت أن موعد الزيارة واكبه تمامًا عرض دمية للبابا في متاجر الألعاب بـنيويورك!
ولقد ذكرني موكب الدمية بكتابٍ لم أقرأه إنما قرأت عنه في كتاب “قصة الحضارة” اسمه “موكب البابوات”، أو
“The Pageant of Popes”،
ليس سردًا لمواكب البابوات كما قد يتبادر إلي الأذهان، إنما كتاب جدلي شديد الضراوة كتبه في القرن الـ 16 إنجليزي مغمور يدعى “جون بيل” كان المصدر الوحيد لقصة عن البابا “ليو العاشر” إن ثبتت صحتها، فهي كفيلة بتحويل المسيحية إلي أطلال!
لقد اتهمه بأنه قال لـ “بمبو” يومًا:
– إن الأجيال جميعها لتعلم حق العلم كيف أفدنا من هذه الخرافة!
يقصد بالضبط، خرافة المسيح، لكن “ديورانت” نفسه شكك في صحة القصة، وأضاف:
– حتى “بايل” الذي لا يؤمن بدين و “رسكو” البروتستانتي يرفضان هذه القصة ويعتقدان أنها هي نفسها خرافة..
ولا أظن أن نفي “ديورانت” ولا “بايل” و “رسكو” القصة يكسر من بهائها، فهي تملك عتادًا أقوي بكثير من موضوعها لملاحقة المؤلف وتضمينه لـ “ليو العاشر” تحديدًا، فهو لم ينل أعلي منصب في العالم القديم لتقواه الخاصة ولا عن طريق ديمقراطية، إنما لعب المال السياسي في وصوله إلي الكرسي البابوي دورًا مفصليًا، إنه من “آل ميديتشي” أشهر العائلات الأوربية وأفحشها ثراءًا إلي الحد الذي يصبح معه تاريخ تلك العائلة ليس سوي صورة مصغرة لتاريخ أوروبا كلها، وكل من قرأ تاريخ أوروبا يعرف جيدًا أن النزعة الزمنية غير الدينية التي حررت عقل أوروبا وحواسها نشأت بسبب أعمال “آل ميديتشي”، كانوا ينصتون للغة المصارف أكثر من إنصاتهم لترانيم القداس، لا مانع عندهم من المواظبة علي أداء الطقوس المسيحية ما دامت فقط معبرًا لأهداف العائلة، ورواية عن “كاترين آل ميديتشي” ملكة فرنسا وحفيدة “ليو العاشر” تكفي لاختزال كل ما يربط عائلتها بالمسيحية، هذه، عندما بلغها نبأ كاذب عن انتصار البروتستانت علي الكاثوليك في “باريس” استقبلت الأمر بهدوء وقالت:
– حسناً إذن، سنصلي لله بالفرنسية!
من الجدير بالذكر أن شعار المرابين حتي الآن هو شعار عائلة “آل ميديتشي”..
مشهد آخر من موكب “فرنسيس” الحقيقي أثناء زيارته الولايات المتحدة أجدني لكثرة استهلاكه ولكثرة ما رآه الناس في غني عن القول بأنه مدبر من الصفر إلي اكتمال اللقطة، أقصد بالضبط تلك الطفلة التي تنجح دائمًا في الإفلات من مكان ما وسط الحشود في محاولةٍ للوصول إلي الموكب لتحقيق حلمها بمصافحة البابا، وبالطبع، عندما تتجاوز السياج الأمني بملليمترات، حسب السيناريو المعد سلفاً، يطاردها رجال الأمن بهدف الإمساك بها وكبح تقدمها، تلك اللحظة، لابد أن يتدخل البابا – شخصيًا – ويأمرهم بأن يسمحوا لها بالحصول علي هذا التكريم السماوي، وككل نهايات السينما الأبيض وأسود الجميلة تنتهي الحبكة علي الدوام بالبابا وهو يميِّع تعبيرات وجهه بأسلوب مسرحي ويقبل الطفلة ويمنحها البركة، يا رحيم!
لا أنفي أن هناك مؤمنين، لكنهم ليسوا أطفالاً، وعندما وقفت “سوزان بويل” علي المسرح لأول مرة وغنت
“I Dreamed a Dream”
فأصابت الدنيا بدوار الذهول، 12 مليون مشاهدة علي اليوتيوب في ساعات قليلة، صرحت عما قليل بأنها تحلم بالغناء أمام البابا، لكنها أولاً وأخيرًا وآخرًا فلاحة اسكتلندية بسيطة، وبغض النظر عن ضحالة حظها من التعليم، ماذا ينتظر الناس من امرأة لم تنتبه إلي جمال صوتها الذي تستعمله طوال عمرها إلا في عمر الـ 47؟
كان اللافت هو غلبة ملامح الآسيويين علي الحشود، الفلبينيون تحديدًا، ولأني أعرف أن هؤلاء غالبًا حديثو عهد بالهجرة إلي أمريكا بمساعدة المبشرين، كان انطباعي المبدئي هو أن الغرب تجاوزالخيال وتحرر من خرافات أسلافه، لم يعد الإنجيل مرجعًا معصومًا، والكنائس تدار في كل مكان، وفي “فنلندا” علي وجه الخصوص لا يجد صاحب مطعم أو حانة غضاضة في أن يخبر زبائنه أن مرحاض المطعم أو بهو الحانة يقوم علي أطلال مذبح قديم!
على هذه الخلفية، تذكرت أن المسيحية الكاثوليكية ليست المرجعية الروحية لمعظم الأمريكيين، بل البروتستانتية، هذا يفسر لماذا كل رؤساء الولايات المتحدة من البروتستانت باستثناء “جون كينيدي” ربما، يفسر أيضًا لماذا إن لم تكن القرارات السياسية الأمريكية تتماهي دائمًا مع الاختيارات البروتستانتية فلا أقل من أن لا ترتطم بها، غير أن أبجديات العلم التي هيَّجت فصلاً جديدًا من مجازفة الإنسان في الكون محت الفوراق بين المذهبين في الواقع، وجعلت المسيحيين من الجانبين يقفزون فوق إرث أسلافهم الذين سردوا بعيون بدائية ذلك الماضي الذي لم يكن رحيمًا بهم أبدًا، هذا التسامح تجاوز المسيحية حتي شمل اليهود، فلم يعد اليهودي ذلك الكائن المقزز الذي يجب أن يعاقب علي جريمة أسلافه في حق المسيح، إنما مسيحي أقدم عمرًا فحسب، والعبقرية هنا لليهود لأنهم هم الذين خططوا لانطفاء المعركة علي هذا النحو، كما نجحوا أيضًا في إيهام الجميع بأن المسلم هو العدو المشترك الذي لن يتحقق خلاص العالم قبل التخلص منه، وإن سحقاً..
مع ذلك، لست أدري بأي صفة يذهب البابا إلي أي مكان خارج بيت الآب، مجرد حارس لفرضية الكرمة التي لم يفلحها فلاح، شخص لا يري النموذج إلا في الماضي في زمن تحللت فيه كل الماورائيات إلي عناصرها الأولي إلي الحد الذي تختفي فيه الفروق الدقيقة بين الجزيئات، ما هي أهمية مثله للإنسانية؟
وعلي هذه الخلفية، تذكرت أن مدي تغلغل الفاتيكان في شئون العالم وإداراة صراعاته من خلال منظمات الكنيسة السرية والمعلنة يصعب تصديقه، من هذه الناحية، يمكن اعتبار البابا هو المحور الذي تدور حوله سياسة العالم الخلفية..
تذكرت أيضًا أن كاردينالاً شابًا كان سبب حزنه الوحيد هو أن البابا “ليو العاشر” لا يخلع حذائه لشهور متواصلة فهو يحرم الرعية من تقبيل قدميه، وذلك العاشق لا يشكو من رائحة القدمين إنما من حبسهما في الخباء لمدة طويلة، أشبه بشكوي شاعر حبسوا حبيبته في خدرها، علي ايقاع هذه الحكاية، سأترك لك أن تتسائل كيف يُقدم شخصٌ أياً كان سُمك حاسة الشم لديه علي تقبيل قدمين مقبورتين في حذاءٍ لعدة أشهر؟
من الجدير بالذكر أن الأمر يزداد سوءًا عند الحديث عن قدمي بابا بشكل خاص، فحتي عصر “ليو” وبعده بقليل كان المسيحيون يعتقدون أن النظافة إثم، وكان الكاثوليكي الأكثر إيماناً هو من يتجاهل الماء ويكتفي بحك جسده ودهنه بالزيت فقط، ولقد تأثر “مايكل أنجلو” بالرهبان لطول معايشته لهم في الأديرة والكنائس فاكتسب هذه العادة وأخلص لها حتي الموت فكان لا يستحم!
سأترك لك أيضًا أن تتخيل، علي ايقاع هذه الحكاية، كيف كانت قداسة البابا وكيف صارت..
محمد رفعت الدومي
خير الكلام … بعد التحية والسلام ؟
١: بداية أعذرك على خيالك الواسع المشبع بنظريات المؤامرة ، رغم أن الذي سردته ليس بخيال بل تمنيات رجل …؟
٢: كيف لايكون للرجل دوره وأتباعه يزيدون على المليار والنصف ومنتشرون في كافة أصقاع المعمورة وقد إعتذرو على مابدر منهم ومن أتباعهم من سوء بحق الآخرين ؟، والعتب الان على مشيخة الأزهر المليئة بأشباه الدواعش قولا وفكراً ولا يقوى على تكفيرهم رغم هول جرائمهم ؟
٣: نعم لقد كان لثالوث السلطة والنفوذ والمال دوراً في إختيار البابوات وحتى التأثير عليهم ، ولكن ذالك كان زما مضى وعبر خاصة بعد موجات التنوير التي إجتاحت الغرب وخاصة أوربا ؟
٤: تهكمك بتحول بعض الكنائس والمعابد الى ملاهي أو بارات أو متنزهات فمرده أن الحكومات لاتدعمها بقرش واحد كما يحدث عندنا حيث تصرف الملايين من الدولارات على المساجد والجوامع والتكيات والحسينيات ومنتسبيها ووزارات الأوقاف التي تسرق من قوت الغلابة والكفار ليتنهم بها أرهابي الدين ، ولو تنعم شرقنا بالحرية كما في دول الغرب وقطعت عنهم الاعانات والمعونات لحدث لهم نفس الشيء ، ويكفي إعتراف مسؤول مصري بوجود الآلاف من الجوامع والمساجد ومنتسبيها الفضائيين ؟
٥: وأخيراً ؟
مصيبة الكثيرين أنهم لا يدافعون عن الحق والحقيقة بل عن إخوانهم ظالمين أو مظلومين ، رغم المقولة أن الساكت عن الحق شيطان أخرس ، فكم من شيطان اليوم بيننا يتاجر بالدم والقيم والدين ، سلام ؟