موقف الشيعة من مبدأ السيادة الوطنية؟

علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي

كلنا يتذكر الضجة التي أثارها النواب أحمد العلواني وحيدر الملا حول التدخلات الايرانية في الشأن العراقي والتي إثارت حمية حكومة الإحتلال وأدت الى مطالبات برلمانية وحكومية بنزع الحصانىة عن النائبين واحالتهما الى القضاء، وشكلت لجنة برئاسة ـ الباكستاني الجنسية الايراني الهوى ـ رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري، ولو كان النواب قد تعرضوا الى شرفه لم احتد بهذه القوة كأنتفاضة خروف مذبوح، وكان مصير العلواني كارثي على المستويات الشخصي والعائلي والقبلي.
كان ومازال تعليق صور الخميني والخامنئي في الشوارع والساحات العامة في العراق أمر يثير سخط الكثير من العراقيين من لهم غيرة وطنية وشرف الإنتماء الى العراق.
بغض النظر عن الإنتماء المذهبي، فان الزعيمين الإيرانيين لهم مواقف مخزية إتجاه العراقيين بشكل عام، فالأول يتحمل وزر دماء الملايين من العراقيين والإيرانيين خلال الحرب العراقية الإيرانية، بسبب رفضة وقف الحرب رغم موافقة العراق على ايقافها منذ الإسبوع الأول من إندلاعها وكان العراق في وضع المنتصر. والخامنئي كان متواطئا مع قوات الإستكبار العالمي في إحتلال العراق عام 2003 حسب تصريحات أركان نظام الملالي نفسه، علاوة على ما تبع الغزو الغاشم من مذابح وحرب أهلية على ايدي المليشيات التابعة له كجيش المهدي وقوات بدر وعصائب أهل الحق وجيش المختار وغيرها.
عندما طالب النائب الملا بإحترام مشاعر العراقيين ورفع الصور المعيبة والمستفزة لذوي شهداء الحرب، ثارت مشاعر النواب الشيعة وأزبدت أفواهم النتنة، وأقاموا القيامة لأن هذه الرموز برأيهم أممية وربما كونية! ويجب احترامها حتف أنف الجميع رضوا او مانعوا! يعني المسألة لا تتعلق بالرموز، بقدر تعلقها بإستفزاز أهل السنة والشيعة الوطنيين. لو ـ على سبيل المثال ـ رفع أهل السنة صور للشيخ القرضاوي او شيخ الأزهر او غيرها من مشايخ العرب وليس العراقيين! كيف سيكون موقف نفس الأمعات من البرلمانيين والمسؤولين الشيعة؟ حسنا لنترك العرب جنبا! لو رفع أهل السنة صور الشيخ العلامة عبد الملك عبد الرحمن السعدي أدام الله ظله الوافر، او سماحة مفتي الديار العراقية الشيخ رافع الرفاعي، أو فضيلة الدكتور طه الدليمي او حارث الضاري حفظهم الله جميعا، كيف سيكون موقف الشيعة؟
ليس ببعيد عن محطة الذاكرة حادثة الرسام الكاريكاتير أحمد الربيعي وهو من أتباع أهل البيت وليس من الجيران! الذي رسم صورة بورتريه في جريدة الصباح ـ وهي بالمناسبة من صحف أتباع آل البيت وليس الوهابية ـ لشخصية المرشد الايراني خامنئي بمناسبة ذكرى الثورة الاسلامية الايرانية. ودفع حياته ثمنا لتلك الصورة المشؤومة. فقد فجر أوغاد الولي الكريه مقر الصحيفة، وخرج الشيعة في تظاهرات إستنكار في ساحة الفردوس وسط بغداد، ورفعوا لافتات وشعارات ضد من يتطاول على ربٌهم البشري خامنئي، مؤكدين بأن المرجعيات خط احمر لا يمكن المساس به حسب قولهم. وخرجت مرجعية النجف عن صمتها المعهود، وعوى ذئبها الإيراني المسعور صدر الدين القبانجي ممثل السيستاني في النجف صائحا” التطاول على الثورة الاسلامية في ايران غير مسموح به من اي صحيفة او قلم عراقي، ويجب ان تحاسب تلك الصحيفة”. لاحظ أي صحيفة وقلم عراقي! وهُدد الصحفي بالموت، وقامت قيامة السفير الايراني في العراق رغم تذلل رئيس الصحيفة ونزوله عند حذاء السفير مقبلا كعبه، مطالبا بالعفو والمغفرة والسماح له بالعودة الى العراق حيث ولى أدباره حينها الى عمان. وهرب الصحفي المسكين خ الى شمال العراق خوفا، بعد الفتوى غير المباشره بتصفيته، حيث ودع الحياة بوجه مرعوب، ورأس أشيب رغم انه من مواليد 1968.
عندما ذكر الرئيس المصري السابق حسني مبارك بأن ولاء الشيعة لإيران وليس لأوطانهم، وهذه حقيقة لم تعد خافية على أحد ـ نحن نتحدث عن الأكثرية العاوية وليس عن الأقلية الصامتة ـ بدأ الفوران الجمعي يتصاعد، وفاض بتظاهرات عارمة ضد التصريح، وطالب اعضاء من البرلمان العراقي من أصول ايرانية أو ممن يحملون جنسيات إيرانية بقطع العلاقات مع مصر، وثارت الديدان في مؤخرة المرجع الأعلى مسببة حكة صفوية حادة، فأرسل رسالة إستنكار للرئيس المصري، منوها بالعكس من ذلك، أي ولاء الشيعة لأوطانهم وليس لإيران! ربما يقصد نفسه وشدة ولائه لبلده ايران على الأحوط!
من البديهي لو حصل ذلك الإستنكار في دولة غير العراق أو دويلات حسن نقمة الله، وحوثي اليمن وجزار دمشق، لكان في الأمر وجهة نظر، اما أن تتبجح هذه الدويلات الخامنئية بالولاء للوطن فهذا لا يصدقه الا نجم البحر( ينفرد عن بقية الحيوانات بأنه لا يمتلك عقل)، سيما ان زعمائها يتشدقون بكل وقاحة أمام شعوبهم بأنهم من أقزام الولي الكريه، لذا من أفواههم الكريهة يُدانون. إنهم اشبه بمنظومة اغطية البالوعات، تغطي نفس المحتويات.
سوف لا نلكأ جراح الماضي وهي كثيرة ومثيرة للحساسية بشكل مفرط، سيما إنها تتعلق ببعض الزعماء المحسوبين على العراق ممن ودعهم الشرف والضمير الوداع الأخير على رصيف محطة الزمن. وسنتحدث عن تصريحات إيرانية جديدة حول العراق وبعض الأقطار العربية الشقيقة التي إستبدلها العراق بنظام الملالي. إنها تصريحات وقحة يفترض أن تثير نخوة أي عراقي له ذرة من الوطنية والشرف والكرامة! ويمكن من خلالها أن نستشف فيما إن كان ولاء شيعة العراق لوطنهم أو لإيران؟ وذلك من ردة الأفعال إتجاهها عبر وسائل الشجب المعروفة كالخروج بتظاهرات أسوة بالتظاهرات المؤيدة لإبقاء صور الخميني والخامنئي في ساحات وشوارع العراق. أو ظهور بعض تنابلة البرلمان والحكومة بتصريحات منددة، أو على الأقل تحسس ورفض الشيعة عموما لتلك التصريحات الفضائحية، وذلك أضعف الإيمان.
فقد صرح الجنرال يحيى رحيم صفوي، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي للشؤون العسكرية، والقائد السابق للحرس الثوري الإيراني الجنرال بتأريخ 3/5 /2014 في مدينة أصفهان بمناسبة الذكرى السنوية لاسترجاع القوات الإيرانية منطقة الشلامجة ومدينة المحمرة من سيطرة الجيش العراقي عام 1983. بأن ” منطقة الشلامجة الحدودية مع العراق لا تمثل الحدود الدفاعية لإيران فحسب، إنما حدودنا الدفاعية هي جنوب لبنان، ويشكل البحر الأبيض المتوسط بالقرب من إسرائيل، العمق الإستراتيجي لإيران، نلاحظ اليوم امتداد النفوذ الإيراني إلى البحر الأبيض المتوسط للمرة الثالثة في الإمبراطورية الإيرانية، التي يعود تاريخها إلى 2500 عام. وتكتسب سوريا أهمية بالغة بالنسبة إلى إيران، لأنها تمثل جسرا يربط آسيا بشمال أفريقيا”. أي منذ 2500 عام لهم نفس الأحلام الإستيطانية، سبحان الله!
من جهة أخرى صرح العميد آبنوش قائد فيلق الحرس الثوري لمحافظة قزوين في كلمة ألقاها بمناسبة اسبوع العقائدية في يوم 22 نيسان2014 ” أن فيلق الحرس الثوري يتم تأسيسه في دول أخرى، وسيلعب دورا مهما في هذه البلدان، منها فيلق الحرس في العراق حيث يؤدي دورا مهما في العراق”. فيلق حرس ثوري عراقي! كأنما لا يكفيهم فيلق بدر والعصائب وجيش المهدي وجيش المختار وغيرها!
وذكر الرئيس الشبح جلال طالباني “الإجراءات كانت ستنتهي بسحب الثقة عن المالكي لكنني فوجئت بأتصال من قاسم سليماني، إذ قال لي إننا نريد بقاء نوري المالكي رئيساً للوزراء”. زويتحدثون عن السيادة الوطنية! ويجادل الزعماء الشيعة بصفاقة ورعونية بأنه لا يوجد تدخل إيراني في شؤون العراق.
وقبلها تناقلت وكالات الأنباء الخبر الصاعقة الذي بثته وكالة إيسنا شبه الرسمية لقائد فيلق القدس الايراني الفريق قاسم سليماني خلال ندوة تحت شعار الشباب والوعي الاسلامي، وقد جاء فيه ” ان ايران حاضرة في لبنان والعراق، وهما يخضعان بشكل أو آخر لإرادة طهران وأفكارها. وبإمكان إيران تشكيل حكومات إسلامية في هذين البلدين، وكذلك تحريك الأوضاع في الأردن”. لاحظ! إيران تشكل حكومات في العراق ولبنان! فعلا العراق بلد بسيادة كاملة.
وهناك العشرات من التصريحات التي خرجت من قم قم التقية، لتسفر عن وجه المطامع التوسعية لإيران في العراق وسوريا والبحرين والكويت والاردن ولبنان والسعودية وفلسطين، والخارطة مفتوحة لإنضمام المزيد من الدول. منها على سبيل المثال، تصريح آية الله العظمى حسن روحاني، عندما كان يشغل السكرتير السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي الأيراني ” إن البحرين جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية وهي تشكل الإقليم(14) لإيران بموجب الدستور الجديد”. كذلك بشارة المرجع آية الله محمد باقر خزاري للشيعة بـ” قيام دولة إيران الكبرى التي تمتد من إفغانستان إلى فلسطين”. وتصريح الرافسنجاني بأن” أمن الخليج هي مسئولية دول الخليج فقط ولا يحق لمصر وسوريا ان تحشرا أنفيهما في هذا الموضوع”. وهناك تصريحات مماثلة أخرى يمكن الرجوع إليها، تصب في نفس القالب الإستيطاني والتوسعي.
سنترك الأنظمة جانبا لأننا على ثقة تامة من ضعفها، وعدم قدرتها على مواجهة نظام الملالي ولو بالتصريحات فقط، ففي حديث للدكتور عبد الله النفيسي ذكر” إن بغداد ودمشق وبيروت سقطت في يد إيران، وإن صنعاء في طريقها للحاق بهم، متسائلًا: “متى تتحرك السلاحف؟ الجواب: أنها ليست سلاحف، بل فئران مذعورة أمام إيران، واسود تزأر أمام شعوبها يا دكتور.
فحديثنا عن ولاء المواطنين الشيعة وليس ولاء الأنظمة. طالما ان أكبر مرجع شيعي يدعي بأن ولاء الشيعة لأوطانهم! فأين شيعة العراق وسوريا والاردن ومصر والبحرين ولبنان والكويت والسعودية من هذه التصريحات التي تمس سيادة أوطانهم؟
لماذا لم تخرج تظاهرة واحدة فقط تندد بهذه التصريحات الصلفة؟
لماذا تخشى وسائل الإعلام العربية غير الرسمية نشر التعليقات على هذه التصريحات المسيئة والتي تمس السيادة والكرامة الوطنية؟ هل هناك توجيهات رسمية تمنعهم؟ حسنا الا يوجد نواب شيعة مستقلون؟ الا توجد أحزاب وطنية شيعية مستقلة؟ ألا توجد نقابات ومؤسسات مجتمع مدني حرة مستقلة؟ الا توجد اقلام شيعية حرة؟ ألا توجد مراجع دينية شيعية وطنية؟ ألا يوجد جواب شيعي يشفي الغليل ويداوي العليل؟

علي الكاش

About علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي . لدي مؤلفات سابقة وتراجم ونشرت ما يقارب 500 مقال ودراسة. لدي شهادة جامعية في العلوم السياسية واخرى في العلاقات الدولية شاركت في العديد من المؤتمرات الدولية لدي خبرة واسعة جدا في الكتب القديمة والمخطوطات
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.