الشرق الاوسط
يقول بعضهم: إن موقفا أميركيا – روسيا مشتركا هو الذي أنجب التوافق على ما سموه «جنيف 2»، وإن ما نراه من تطابق بين تصريحات ومواقف الجانبين صحيح. ويلاحظون أن بوتين حذر نتنياهو من الهجوم على سوريا بحجة تسخر من أي عقل، هي أن الهجوم «سيهز استقرارها». بينما أعلن الأميركيون أنه إذا لم ينجح جنيف، فإنهم سيزيدون مساعدتهم للمعارضة، في رسالة صريحة إلى روسيا والنظام تؤكد أن أوباما يقبل اجتياز الأسد لخطوطه الحمر، وأن كلامه عن حتمية امتناع حاكم الشام عن تجاوز هذه الخطوط لم يكن غير «جعجعة بلا طحن».
يصدر تحذير بوتين إلى نتنياهو وتتعهد أميركا بعدم تغيير مواقفها تجاه النظام، بينما يشن هذا هجوما ضاريا في كل مكان من سوريا، بعد أن أعاد الإيرانيون والروس هيكلة جيشه وزودوه بأسلحة وذخائر تكفي لحرب عالمية، ووضعوا خبراءهم تحت تصرفه وكلفوهم قيادة هجماته ضد معاقل الثورة، في حين يتفرج العالم مكتوف اليدين على مذابح مرعبة يرتكبها شبيحة أتراك جندهم النظام ضد شعبه كان آخرها مذبحة بانياس والبيضة، بينما يرتكب مرتزقة أفغان وأوزبيك وإيرانيون وعراقيون ولبنانيون مجازر مروعة في كل مكان، من دون أن يتوقف أحد عند جرائمهم، أو يقلع عن تضخيم الآثار الخطيرة على أمن وسلامة العالم، الناجمة عن دخول مئات قليلة من الليبيين إلى سوريا.
هل ينتظر العالم نجاح جيش الأسد في القضاء على الثورة السورية؟ يبدو أنه ينتظر، والدلالة: حديث الروس والأميركيين عن مصالحهما المشتركة في سوريا، والتلويح بأنهما قد يتفقان على ترتيب لا يلبي مطالب شعب سوريا، الذي سيدفع ثمنه بدل أن يدفعه نظام مارق، أوغل في القتل والإبادة واستعان بمرتزقة موصوفين، دون أن تحرك المأساة أي رد فعل غير كلامي لدى أميركا أو تقلص دعم النظام خلال تنفيذ جرائمه، أو تؤجل إمداده بأنواع متطورة من الأسلحة والذخائر، وتجنيد مرتزقة شيشان وأوزبيك وأفغان لصالحه، وتمويل مرتزقة أتراك يقاتلون إلى جانب مرتزقة لبنان والعراق وإيران، ممن يحاربون شعبا مسالما لم يسبق له أن اعتدى عليهم، احتضن أقاربهم وأهلهم أكثر من مرة ولفترات طويلة، ولم يغلق أبواب وطنه يوما واحدا في وجه منكوب أو محتاج، منهم أو من غيرهم.
ماذا يمكن أن ينجم عن مؤتمر جنيف 2، إن كان هناك حقا تفاهم أميركي – روسي على حل يخدم مصالحهما ويضمن ديمومة نظام يتنكر لحقوق السوريين؟ أعتقد أن النتيجة لن تكون غير سفك المزيد من الدم في سوريا اليوم وغدا وفي المنطقة وربما العالم، وأن النظام لن يوقف آلة القتل قبل تقليص عدد الشعب السوري إلى ملايين قليلة. بالمقابل، لن يقبل مواطنو سوريا، الذين لم يشاركوا طيلة ثلاثين عاما من الصراع بين الأصولية والعالم بأي دور، ولم ينخرط أحد منهم في مجرياته، عودتهم إلى بيت طاعة نظام دمرهم، وخرب حياتهم، وهدم بيوتهم على رؤوسهم، وقتل أطفالهم، واغتصب نساءهم، بآلة حرب فتاكة زودته بها جمهورية إيران، ودربت مرتزقته على تشغيلها، فلا أقل من أن لا يحترم السوريون أمن وحياة من لم يحترموا أمنهم وحياتهم، وأن يرفضوا سلاما يحرمهم من أي سلام وطني وشخصي، ويواصلوا مقاومة مرتزقة يبيدونهم منذ عامين ونيف، ويرفضوا الرضوخ لنظام من أشرس نظم القتل في التاريخ، ويهدموا الهيكل على رؤوس من سكتوا عن هدم وطنهم على رؤوسهم، ويثبتوا للعالم أن معركتهم مع «القاعدة» كانت مزاحا بالمقارنة مع معركتهم القادمة حتما معه!
هل يغامر الأميركيون بموقف هذه نتائجه؟ وهل يقبلون حلا يبدو أقرب إلى الاستسلام أمام خصمهم الروسي – الإيراني، الذي سيخرج منتصرا عليهم في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية بالنسبة لمصالحهم الدولية، وسيحمي نظاما مارقا يحتل دولة من أكثر دول العالم العربي أهمية لأمن وسلام العالم، كما أكدت أحداث العامين المنصرمين؟ وهل ستقامر واشنطن بعلاقاتها مع العرب وتتخلى عنهم وتجعلهم لقمة سائغة في فم موسكو وطهران؟ وهل بلغ بها الاستهتار حد التخلي عن مصالحها وأمنها القومي، خشية مساندة معركة لا يطلب أحد إليها خوضها، سيحسمها شعب سوريا المقاوم؟