الجهود منصبّة على تشكيل وفد معارض يقبل بتقاسم السلطة
الرأي الكويتية
| دمشق – من جانبلات شكاي |
قالت مصادر ديبلوماسية في دمشق إن الجهود الروسية المبذولة حاليا لإحياء مسار الحل السياسي للأزمة السورية تركز على تشكيل وفد واسع للمعارضة بمشاركة ممثلين من الداخل والخارج وربما ممثلين عن المجتمع المدني، يمكن له في مرحلة لاحقة الجلوس على طاولة التفاوض مع وفد الحكومة السورية للبحث في السبل السياسية الكفيلة بالخروج من الأزمة.
وبعد أسبوع حافل باللقاءات مع المعارضة السورية في بيروت واسطنبول، وضع المبعوث الخاص للرئيس الروسي نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف الأربعاء الرئيس السوري بشار الأسد في محصلة أعماله.
وأوضحت المصادر لـ «الراي» إن الإدارة الأميركية وافقت على أن تسعى موسكو لإعادة إحياء المسار السياسي المجمد منذ بداية العام الجاري بعد النمو المفاجئ والسريع لتنظيم «داعش» الإرهابي وامتداده على مساحات واسعة في كل من العراق وسورية ومن ثم إعلانه «دولة الخلافة» التي تتالت بيانات المبايعة لها من اندونيسيا إلى نيجيريا.
وقالت المصادر إن هذا التطور على الأرض كان له الدور الأساس في تبدل مواقف الإدارة الأميركية والدول الغربية عموما التي شعرت بأن معظم مصالحها في المنطقة باتت في مهب الريح، وأن الإرهاب الذي كان ينمو في أحشاء كل من العراق وسورية بات قاب قوسين أو أدنى ليرتد عليهم ويبدأ بالضرب داخل دولهم أو على الأقل داخل حلفائهم في المنطقة.
المصادر المقربة من مراكز المعلومات في موسكو أكدت أيضا أنه، وإضافة إلى ما سبق، فإن الجيش النظامي استطاع في الأشهر الأخيرة في معظم مناطق الصراع الرئيسية قلب الموازين العسكرية لصالحه، فبعد سلسلة التراجعات لنفوذ النظام على مستوى مساحة البلاد خلال العامين 2012 و 2013، تغيرت المعادلة واستطاع الجيش اعادة السيطرة على معظم المدن الرئيسية ذات الثقل الديموغرافي والاقتصادي، ابتداء من محيط العاصمة ثم حمص وصولا إلى حلب التي يكاد يطبق حصارا على مسلحيها بعد أن أعاد السيطرة على معظم ريفها القريب، مقابل سيطرة التنظيمات الإرهابية السلفية على باقي المناطق على حساب الجيش الحر الذي اختفى عمليا.
وترى المصادر أن «المتغيرات السابقة دفعت بواشنطن، ولو على مضض، الى ايكال مهمة إعادة إحياء المسار السياسي بدلا من العسكري لروسيا، ويمكن اعتبار السياسية الأميركية في هذه المرحلة من باب تقطيع الوقت إلى حين إعادة تحقيق انجازات على الأرض قد تعيد الأمور إلى النقطة الأولى المتمثلة بالمطالبة بإسقاط النظام كأولوية لأي حل لمستقبل سورية، وهو ما يظهر حاليا من خلال السعي الحثيث لتدريب المعارضة في تركيا أو الأردن أو السعودية بهدف إعادة إشعال الجبهات داخل البلاد خلال الفترة المقبلة».
وتؤكد المصادر أن التحرك الروسي للدفع باتجاه تحقيق انجاز على مستوى الحل السياسي، لا يمكن له أن يأتي بأي انجازات على الارض دون التنسيق المسبق مع طهران، الحليف الاستراتيجي لدمشق، وأن هذا التحرك ينطلق من باب محاولة اقناع القيادة السورية باستغلال ظروف «الانتصارات» الحالية للتوصل إلى حل مع قوى وتيارات معارضة قد تقبل الانخراط في مثل هكذا مشروع، مع تقديم تنازلات مقبولة للمعارضة، لا تنسف في ذات الوقت بنية النظام والدولة من قبيل ابقاء الجيش والقوى الأمنية بيد رئيس الجمهورية،وتشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات واسعة تمهيدا لوضع دستور توافقي جديد وإجراء انتخابات نيابية على أساسه، ومن ثم انتخابات رئاسية يكون فيها الباب مفتوحا أمام الرئيس الحالي بشار الأسد للترشح إليها مع غيره من المنافسين.
وترى المصادر أن «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والتغيير» لا يستطيع قبول الانخراط في مثل هكذا مشروع لتاريخ مواقفه السياسية من جهة ولمواقف الدول الداعمة له من جهة ثانية، لكن الفلسفة الروسية قائمة في المقابل على عدم الموافقة على دخول هذا الجسم ككتلة واحدة ضمن وفد المعارضة المتوقع له أن يتفاوض مع الحكومة السورية على مستقبل البلاد السياسي.
وتؤكد المصادر أن موسكو تعمل على استقطاب رموز ذات سمعة ضمن هذا الائتلاف، وفي مقدمهم الرئيس الأسبق للائتلاف الشيخ أحمد معاذ الخطيب ومن يدور في فلكه، مثل الداعية محمد حبش والطبيب وليد البني وغيرهم من الذين باتوا مقتنعين أن الحل العسكري لا يمكن أن ينتهي بانتصار طرف على آخر، وإنما سيؤدي إلى مزيد من التدمير والخراب والدماء.
وتعتقد المصادر الديبلوماسية إن السياسة الروسية نجحت إلى حد ما في مسعاها وتقوم خطتها على عقد مؤتمر أولي للمعارضة قد تستضيفه موسكو مع بداية العام الجديد، يتمخض عنه تشكيل وفد معارض سيجلس مقابل وفد الحكومة السورية في مؤتمر «جنيف 3»، وسيؤسس هذا المؤتمر لوضع وثيقة من قبل المشاركين فيه على ما يمكن التفاوض عليه مع الحكومة، وبالتأكيد فإن وفد المعارضة سيضم إضافة إلى معاذ الخطيب وشركائه وغيرهم من شخصيات الائتلاف، ممثلين عن معارضة الداخل وخصوصا «هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي» وضمنها «الاتحاد الديموقراطي» أقوى الأحزاب الكردية الذي يقود حربا ضروسا ضد تنظيم «داعش» في كوباني وفي محافظة الحسكة، وكل من يقبل بالحل التفاوضي السياسي لإنهاء الحرب.
وتقول المصادر إن موسكو في لقاءاتها مع المعارضين السوريين تعلن أن وثيقة توافقات جنيف التي تم التوصل إليها في يونيو 2012 لا تزال صالحة وخاصة ما يخص البندين المتلازمين وهما مكافحة الإرهاب والعملية السياسية في سورية التي يجب البدء بها دون وضع أي شروط مسبقة من قبل الأفرقاء السوريين.
وتختم المصادر بان هذا التحرك الروسي المدعوم على الأغلب من قبل طهران، يأتي لتحقيق انجاز على الأرض قد يقطع الطريق على المساعي الأميركية الهادفة إلى تغيير النظام في النهاية، الأمر الذي إن تم، سيوجه ضربة قوية لمصالح موسكو وطهران في كامل مساحة الشرق الأوسط، وقد أعلنها صراحة اول من أمس رئيس هيئة الأركان الروسية الجنرال فاليري غيراسيموف حين قال: إن «واشنطن وحلفاءها زادوا من دعمهم المقدم لفصائل المعارضة السورية المسلحة وذلك لتغيير نظام الحكم في سورية».