تشهد مدينة جنيف في هذه الأيام أكبر حشد من شخصيات المعارضة السورية ومن ممثلي نظام الأسد في إطار مبادرة، يقوم المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا في ثاني جهد يقوم به في إطار مهمته السورية بعد مبادرته الفاشلة في وقف القتال بحلب. ويمثل المشاركون في جنيف أطيافًا سورية، لم يقيض لها أن اجتمعت من قبل، وبينهم قيادات في المعارضة السياسية، منهم أعضاء في الائتلاف الوطني وفي هيئة التنسيق الوطنية، وقيادات في تشكيلات مسلحة معارضة، وأعضاء في منظمات المجتمع المدني، ينتمون إلى منظمات حقوقية ونسائية، ورجال أعمال ومثقفون وشخصيات اجتماعية ودينية، تم اختيارهم من جانب المبعوث الدولي وفريقه على أساس شخصي.
الهدف الأساسي من لقاءات جنيف، وفق أجندة المبعوث الدولي، البحث في واقع القضية السورية وآفاق حلها من خلال استطلاع آراء المشاركين في اللقاءات حول الأوضاع القائمة في سوريا، بغية الخروج بخلاصات حولها، وإطلاقها في الإطار الدولي من أجل الوصول إلى استراتيجية، وربما خطوات عملية، تؤدي إلى معالجة القضية السورية.
ووفق أجندة المبعوث الدولي في مسار اللقاءات، فإن كل واحد من المشاركين سوف يقدم رؤيته للوضع السوري وآفاق حله، وهذه هي الحالة السائدة بالنسبة للشخصيات المستقلة، لكن من المؤكد أن مشاركين من قادة قوى في المعارضة السياسية والعسكرية، وفي التنظيمات المدنية، سوف يقدمون آراء جماعاتهم على نحو ما سيفعل رئيس الائتلاف الوطني، خالد خوجة، والمنسق العام لهيئة التنسيق، حسن عبد العظيم، التزامًا منهما بما قررته قيادتا الائتلاف الوطني وهيئة التنسيق، كما سيفعل ذلك قادة الأحزاب والجماعات السياسية والعسكرية بما فيهم قادة الأحزاب والقوى القريبة من النظام مثل جبهة التغيير والتحرير، التي يقودها قدري جميل المقرب من نظام الأسد.
وبصورة عامة، لن يكون هناك جديد فيما سيعرض على دي ميستورا من وجهات نظر في القضية السورية، وقد اطلع على أغلبها في جولات لقاءاته التي عقدها في إطار مبادرته السابقة حول وقف القتال في حلب في الأشهر الثلاثة الماضية، لكنه في هذه المرة، سيسمع آراء وتفاصيل أكثر من المرة السابقة وفي مكان واحد وفي وقت متقارب، وهذه هي المزية الرئيسية لاجتماع جنيف في علاقته مع دي ميستورا.
غير أنه وخارج إطار هدف دي ميستورا من لقاءات جنيف، فإن هذه اللقاءات، يمكن أن تكون ذات مردود كبير للمشاركين السوريين خارج إطار السياحة السياسية. مردود اللقاءات الكبير مستمد من فكرة اجتماعهم للمرة الأولى في مكان واحد بعددهم الكبير، وتنوع تخصصاتهم، وتعدد آرائهم واهتماماتهم، وأماكن إقاماتهم، وأشياء أخرى. وإذا كانت الفرصة تتيح لهذا العدد الكبير والمتنوع من السوريين أن يلتقوا، فهذا أمر مهم، ومهم أيضًا أن يتناقشوا، ويتحاوروا حول قضية بلدهم وشعبهم، ومن المهم أن يصلوا إلى تقاربات في الرؤى والمواقف حول ما جرى ويجري في سوريا، والأفق الذي تسير إليه الأحوال ومسارات الحل الممكن.
غير أن الوصول إلى ما سبق أو أغلبه من جانب المشاركين في جنيف، لن يكون أمرًا سهلاً وممكنًا، دون التحلي بروح المسؤولية الوطنية، وتوفير إرادة حقيقية وفاعلة للوصول إلى توافقات أو تقاربات سياسية وإجرائية، مما يتطلب الابتعاد عن الذاتية والمصلحة الشخصية والحزبية، وتجاوز التاريخ الصراعي بمعانيه غير الوطنية، والتركيز على المشتركات والقضايا، التي توحد أغلبية المشاركين، والتي تبدو في مجموعة نقاط، لعل الأبرز فيها، تأكيد موقفهم الموحد في مواجهة الإرهاب والتطرف سواء كان إرهاب النظام، أو إرهاب جماعات التطرف مقرونًا بفكرة تغيير النظام القائم، واستبدال نظام ديمقراطي جديد به، يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين، وأن يكون التغيير عبر حل سياسي، يوقف قتل السوريين ودمار ما تبقى من بلدهم، ويقوم على أساس الشرعية الدولية، كما رسمها بيان جنيف 1 لعام 2012، ووفق الأسس، التي انعقد على أساسها جنيف 2 في عام 2014، التي توفر انتقالاً آمنًا في فترة انتقالية من خلال هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات بما في ذلك سلطتها على المؤسستين العسكرية والأمنية، لتأخذ سوريا إلى نظام جديد.
ومما لا شك فيه، أن اشتغال السوريين الحاضرين في جنيف اليوم على النقاط السابقة، سوف يعزز العلاقات والتوافقات فيما بينهم، وسوف يظهرهم بوضع جديد أمام النظام أولاً، وأمام دي ميستورا والمجتمع الدولي الذي طالما حمل انقسامهم وخلافاتهم المسؤولية في استمرار الكارثة السورية وتداعياتها عليهم وعلى بلدهم والعالم من حولهم.
فرصة جنيف الحالية، قد لا تتكرر، وعلى السوريين أن يستغلوها إلى أبعد مدى، وربما هذا هو المبرر الوحيد لحضورهم لقاءات جنيف، التي قال دي ميستورا عنها: «إن مشاورات جنيف ليست مؤتمرًا، ولا هي جنيف ثلاثة». وأضاف: «لن تعقد طاولة مستديرة، ولا يتوقع مشاركة شخصيات كبيرة، كما أنها ليست محادثات سلام»؛ أي أنها لا تقدم شيئًا مباشرًا للسوريين، لكنهم يمكن أن يجعلوها شيئًا له قيمة كبرى، إذا أرادوا وعملوا.
نقلا عن الشرق الاوسط
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلامية
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :