عندما رددت على حيدر حيدر مستنكرا عليه اقذاعه بشتيمة القرآن الكريم في روايته (وليمة لأعشاب البحر) ، فكان جوابه إنني مرتد إلى الأصولية الدينية الاسلامية الأكثرية …المشكلة أن اسفاف حيدر لا يسمح لنا أدبيا أو أخلاقيا أن نعيد ما خطه قلمه من وصف وضيع ورقيع وكريه للقرآن الكريم، ولذا سمحنا لأنفسنا أن نتساءل هل يمكنه أن يضع الصفة الكريهة المقرفة التي وصف بها القرآن ، فنقول عن الملاحم اليونانية أنها (خراء) مثلما قال، رغم معرفتنا بأن الملاحم تقدم نفسها كحكايات خرافية ، لكن البشرية تجمع على جماليات هذا النثر الخرافي الذي يعبر عن الرؤية الطفلية البريئة المفعمة بالدهشة نحو العالم ، ولذلك أجمعت الثقافة البشرية حول قيمتها الأدبية كتحفة خالدة ، وليس حول قيمتها الدينية الميثولوجية …
وكذلك توافقت القيم الانسانية على احترام حقوق الانسان بالتفكير الديني والدنيوي الذي يبلغ حد عدم إهانة حتى (مقدس الأبقار) ،ولهذا فإن علمانية حيدر حيدر ليست سوى أمشاج من ثقافة بيئته الطائفيىة الحسية البدائية الوثنية التي تتصور عليا (كرم الله وجهه ) بأنه إله يسكن القمر …في حين أن العلمانية كفكرة سياسية عن حياد الدولة نحو الدين كما هي التجربة (الأردوغانية ) في فهم علاقة الإسلام بالدولة، هي استمرار لمفهوم العلمانية الكونية معرفيا وعلميا بوصفها صنوا للعلمانية ، أي بمثابتها ثمرة اشتقاقات الكشوفات العلمية لفهم العالم والتاريخ والكون والطبية …
ولهذا فقد انضوت كمفهوم علمي في المنظومة الدستورية للدولة القانونية الحديثة، وليست محرد رفض فرداني تمردي ضد دين الأمة الأكثرية ، وإلا عندها ستكون علمانية (حاناتية شوارعية شتامية مسفة مبتذلة)، تعكس قيم العالم السفلي والعزلة التاريخية لمجتمات الجبال كما هي عليه الأسدية وطائفتها التي تعتبر (علمانيتها ) نوعا مما سميناه “عدمانية ” ، هي أشبه بالعدمانية الروسية المافيوية ، فروسيا بعد نهيار التجربة الاشتراكية فيها ارتدت من (العلمانية) إلى (االعدمانية ) القائمة على عدمية القيم ، حيث الانتقال من (الالحاد العقلي ) إلى (الالحاد الضميري )، في صورة العصابة البوتينية المافيوية تحت قبة الكنيسة الروسية الفاسدة قاتلة الشعب السوري ، بالتعاون والتعاضد مع (الربوبية الخمينية ) حيث ولي الفقية يرتفع متقدما على مرتبة الأنبياء …
بينما عميد العلمانية الأكبر طه حسين كان يعتبرها حاجة ضرورية لا نقاذ دين الشعب من سطوة طاغوت الطغيان واستبداد الحاكم الفرد الديكتااتور ، حيث القرآن –حسب طه حسين- (ليس شعرا ولا نثرا، بل هو (القرآن)، ككتاب فريد، لا يستطيع وعي وثني (حاناتي بازاري ) حسي جبلي أن يتلمس فرادته النوعية المتسامية روحانيا …
ولهذا فحرب الأسدية على الشعب السوري، مثلها مثل الحرب الروسية الدنيئة الجشعة ليست علمانية، بل هي توظف المقدس في خدمة المدنس بردة تكفير كنسي رجعي، كما هي اللاهوتية الإيرانية ( الخمينية الظلامية ) التي تساتخدم القرآن استخداما ذرائعيا نهازا في خدمة المشروع الفارسي على غرار ملحمة (الشهنامة) كسفر للامجاد القومية الفارسية، التي ترتفع فيها مرتبة (الشاهنامة) وشاعرها الفردوسي على القرآن والنبي العربي قوميا فارسيا، مثلما ترتفع مرتبة (أبو لؤلؤة المجوسي ) قاتل عمر بن الخطاب على عمر ذاته، الذي كان السابق في النطق ببعض مباديء منظومة حقوق الانسان في قوله الخالد (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) وذلك قبل جان جاك روسو بأكثر من اثني عشر قرنا ..
إن ثلاثية (الأسدية والخمينية والبوتينية ) يوحدها مشترك حرب الطاغوت ضد الحرية ، بالتعاون مع عميلهم الأسدي، وليست حربا علمانية ضد الاسلام كما تتوهم السلفيات الداعشية ومن صنعها في الغرب الذي يرحب ويدعم مقولة أن معركة الشعب السوري ليست من أجل الحرية ، بل هي حرب علمانية ضد الاسلام الأصولي وضد الداعشية ، ليشرعنوا دعمهم للاسدية كعلمانية ضد الشعب السوري الارهابي الأصولي الداعشي !!!