كثيرًا ما اعتاد السلاطين في الشرق اصطحاب الحكماء، ووردت لنا كثير من الحكايات عن ذلك، بيد أن ملوك الغرب كثيرًا ما استأنسوا بالظرفاء والمهرجين والمنكتين. وأيضًا ورد إلينا من ذلك الشيء الكثير، كما نجد في مسرحيات شكسبير. بيد أن بعض ملوك الغرب برزوا بحد ذاتهم كظرفاء بارعين.
أذكر من هؤلاء الملك هنري الرابع، ملك فرنسا في أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر. كان عهده عهدًا حاشدًا بالاضطرابات والمشكلات، ولكن ذلك لم يحل دون تألقه في الظرف والتنكيت. كان بسيطًا متواضعًا حتى في ثيابه. زارته إحدى السيدات ثم خرجت، فقالت لصاحباتها: رأيت الملك ولكنني لم أرَ جلالته!
ومن تواضعه أنه كثيرًا ما كان يحادث الفلاحين وبسطاء الناس. التقى واحدًا منهم ولاحظ أن شعر رأسه أبيض أشيب في حين أن لحيته كانت سوداء. فسأله عن ذلك فأجابه الفلاح: هذا يا مولاي لأن شعر رأسي أكبر سنًا من شعر لحيتي بنحو عشرين سنة!
جرت الحرب إلى فرض الحصار على باريس لمدة طويلة، ثم استطاع الفرنسيون فك الحصار عنها، فدخلها الملك مع حاشيته. وخرج الجمهور بجموع حاشدة لاستقباله. قال له وزيره: انظر يا مولاي كيف تدفق كل هؤلاء الناس لاستقبالك. فأجابه الملك: سيكون عددهم أكبر بكثير يتفرجون علي لو أنني كنت معلقًا على المشنقة!
تولى الدوق دومابين شؤون الدولة، ولكنه اشتهر بالنهمة وحب الأكل مما جعله سمينًا جدًا. خرج الاثنان يومًا للاسترواح مشيًا، فكان الملك يسير بخطوات كبيرة وسريعة، فلم يستطع الدوق مجاراته واللحاق به. أخيرا اضطر للتوقف والشكوى للملك من هذا السير الحثيث. فقال له الملك: فليكن ذلك عقابًا لك على ما سببته لنا من مشكلات واضطرابات.
كان المسيو سوللي من الوزراء الذين اعتمد عليهم هنري الرابع كثيرًا، وتمتع بنصحه وكلامه بيد أن خلافًا نشب بينهما وأدى إلى قطيعة، نتيجة وشي الآخرين ونفاقهم ضده، بيد أن الملك سرعان ما اشتاق وحن إليه فاستدعاه لمقابلته. وبعد حوار عقلاني بين الاثنين، سامحه الملك على ما أشيع عن ذنوبه. فرح سوللي بذلك وأسرع وخر على ركبتيه احترامًا وتقديرًا له، بيد أن الملك أوقفه فورًا عن ذلك وقال له: «لا تفعل هذا، فسيعتقد الوشاة أنني قد غفرت لك وسامحتك».
أصبحت كثير من كلمات هنري الرابع جزءًا من اللغة الفرنسية الشائعة. ومن ذلك عبارة «جار نيكوتون». كان نيكوتون الكاهن الأب الروحي للملك، وكثيرًا ما استشاره في أمور الدين والدنيا. ولكن ربما أدى ذلك إلى التشهير به والنيل منه بتلقيبه بعبارة «جار نيكوتون»، التي أصبحت من كلمات السب والشتيمة باللغة الفرنسية.
استشاره يومًا وقال: لو أن رجلاً اعترف لك بعزمه على اغتيالي، فهل ستبوح لي بذلك؟ أجابه: «كلا، ولكنني سأقف بينه وبينك». بيد أن الرجل رافاياك لم يكن من تبعة القس نيكوتون ليعترف له، فاغتال هنري الرابع.
* نقلاً عن “الشرق الأوسط”