من المعتقدات الشائعة بين بعض الناس أن حجم الرأس دليل على مقدار الذكاء والعقل. شاع مثل ذلك عن فارس الخوري، وزير الخارجية السوري في أيام الخير. أكتب ذلك على مضض وألم وأنا أفكر في أوضاع سوريا الراهنة. كان هذا الرجل من أبرع وأذكى الساسة العرب. ولكن يظهر أنه حتى الرجل نفسه كان معجبًا بحجم رأسه. بالطبع ثبت علميًا أن كبر الرأس لا يدل على رجاحة العقل وقوة الذكاء.
روي عنه أنه ذهب يومًا للسوق ليبتاع طربوشًا له. وصادف مشقة كبيرة في العثور على طربوش مناسب. ولكن من يسعَ يجد. وبالفعل استطاع في الأخير أن يجد طربوشًا يتسع لرأسه. سأل البائع عن ثمنه فوجد الثمن باهظًا جدًا. قال ذلك للبائع وأجابه بائع الطرابيش فقال: يا سيدي لو تبحث في كل السوق فلن تجد غير هذا الطربوش يتسع لرأسك. فأجابه فارس الخوري قائلا: وأنا أقول لك يا سيدي لو تبحث في كل سوريا لما وجدت رأسًا يناسب هذا الطربوش!
بيد أن ذلك لم يكن مجرد مؤشر على تميز فارس الخوري بين قومه. كان قد درس القانون في فرنسا وعاد ليدرس هذا الموضوع أستاذًا في كلية الحقوق في عهد الانتداب. سمع الحاكم الفرنسي أنه كان يلقن طلابه بروح التمرد ضد الانتداب الفرنسي ويؤجج في نفوسهم روح الثورة والقومية العربية التي كان مؤمنًا بها. فاستدعاه المندوب السامي الفرنسي وسأله عن ذلك محذرًا إياه من غرس روح الرفوليوسيون (الثورة). أجابه فارس الخوري بقوله: إن من نقل هذا الكلام لحضرتك كان مخطئًا، ولم يفهم محاضراتي، وإنني كنت في الواقع أحث الطلبة على التمسك بروح الإيفوليوسيون (التطور). وبهذا التلاعب بالكلمات استطاع التهرب من اتهام المندوب السامي واستمر في عمله.
التاريخ العربي حاشد بالحكايات الشعبية الواردة على سبيل الحكمة والوعظ. واعتاد فارس الخوري على التمثل بذلك الأسلوب في دعم حجته. كان يمثل سوريا في الأمم المتحدة. وجرت المطالبات بسحب الجيش الفرنسي والبريطاني من البلاد. رد المندوب البريطاني اللورد كادوغان على ذلك بقوله إن الجيش البريطاني موجود في سوريا لحماية الشعب من التعرض للجيش الفرنسي. فأجابه الخوري قائلاً إن ذلك يذكره بحكاية الرجل والمصباح. سألوه لماذا تعلق هذا المصباح هنا كل ليلة؟ فقال لحماية الناس من الاصطدام بالعمود. سألوه ولماذا تضع هذا العمود في الطريق فقال لأعلق عليه الفانوس. فضجت الجمعية العامة للمنظمة بالضحك والاستنكار.
وفي مناسبة أخرى أعرب المندوب السوفياتي عن تذمره من إلحاح العرب على القضية الفلسطينية. وقف فارس الخوري وأجابه وذكره بحكاية الرجل وزوجته التي رفعت دعوى للقاضي تقول إنها تطالبه كل يوم بليرة نفقة من زوجها دون أن يدفع لها ذلك. وراح الرجل يرد عليها ويقول إنه رجل فقير ولا يستطيع أن يدفع لها ليرة كل يوم تطالبه بها. ردت عليه تقول: يا حضرة القاضي أنا لا أريد من زوجي ليرة كل يوم وإنما أريد ليرة واحدة في العمر كله.
* نقلا عن “الشرق الأوسط”