من رسم الخريطة السريالية التي يعيشها بعض أبنائنا؟. لماذا اختفى حس الواقع؟. لا أحد يعرف من مع من ولا كيف حصل هذا ولا إلى أين يذهب الجميع. صارت الأحداث تعالج يوما بيوم. الأمس لا علاقة له باليوم ولا علاقة لليوم بالمستقبل. كالفقير الذي يحل مشكلة غذاءه كل يوم بيومه. لا نفع في تجربة الأمس ولا صورة عقلية للمستقبل. صار الوضع هلاميا حتى بلغ بنا الأمر أن نكون في حالة حرب على كل ما نتمناه. يطالب الشاب بسكن وزوجة جميلة وفرصة السفر إلى لندن وباريس ويتمنى الشهادة مع إخوانه المجاهدين في سوريا. يقاتل لكي يحصل على بعثه إلى أمريكا وعلى تويتر يكفر أمريكا ويعهر نساءها ويتهمها بالتآمر على الطلبة المبتعثين. يجل والدته ويراها رمز الطهر والحكمة ويشتم ويلعن كل من يطالب بحقوقها. يركض من دولة إلى أخرى ليحضر حفل محمد عبده وهو موقن أن الرصاص المذاب في انتظار أذنيه. يمارس أشد أنواع العنصرية على المسلمين الفقراء في بلاده ويتباكى على وحدة الأمة الإسلامية. يتهم الغرب بالتآمر على أمته الإسلامية ويطالبهم بأن يهبوا لمساعدته كل ما أوقع نفسه في مأزق. في كل مناسبة يستشهد بعظمة دبي ويحارب أي مسعى للتشبه بها في بلاده. يؤيد بشدة اسقاط القذافي ويشتم كل من ساهم في اسقاطه. يؤيد الثورة في سوريا ويتهم الأعداء بإحداثها. بمناسبة وبدون مناسبة يعلن كفر الطائفة الأخرى ثم يتهم الآخرين بإشعال فتنة طائفية. يؤمن بتلبس الجن والسحر ويسخر من دعاة الآخرين عندما يروجون لخرافات مذهبهم.
فكر في أي شيء ستجد أن إنساننا هذا يعيش هذا الشيء ويدافع عن نقيضه، يسافر ليستمتع به ويحرمه في نفس الوقت.
إنسان لا يعرف ماذا يريد وإلى أين يذهب ولا يعرف كيف يتمنى ولا يعلم هل الحياة تستحق أن تعاش أم تهجر.
من صنع هذا الإنسان؟ هذا السؤال يقودنا إلى السؤال الأساسي: في أي عصر من العصور الإسلامية عرف المسلمون وظيفة الداعية؟ خذ القرضاوي وتأمل.
*نقلاً عن “الرياض”