في 15 من تموز/يوليو 2016، قطعت مجموعة من عناصر الجيش التركي جسر البسفور في إسطنبول، بينما كانت طائرات عسكرية تقصف مبنى البرلمان والقصر الرئاسي في أنقرة.
رئيس الوزراء التركي بينالي يلدريم قال في تصريحات آنذاك إن مجموعة من العسكريين تتحرك خارج الإطار الشرعي متوعدا إياهم بدفع الثمن، في إشارة إلى أن محاولة للانقلاب العسكري تجري في البلاد.
وصل العسكريون إلى مقر قناة ” تي ار تي ” التركية وأجبروا إحدى المذيعات على قراءة بيان قالت فيه إن الجيش سيطر على مؤسسات الدولة لأن الحكومة الحالية قوضت الديموقراطية وقيم العلمانية.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كان يقضي أجازة في منتجع مرمريس، استخدم تطبيق آبل “فاس تايم” لتوجيه رسالة للأتراك دعيا إياهم إلى الخروج إلى الشوارع ومواجهة محاولة الانقلاب.
لاحقا، سيطرت الشرطة التركية على الأوضاع، واستسلم العسكريون الذين كانوا يغلقون جسر البسفور، كما استسلم نحو 700 منهم في مقر هيئة الأركان.
خاطب أردوغان حشدا في من أنصاره في مطار إسطنبول، وقال إن الجيش لا يمكن أن يسيطر على البلاد مرة أخرى، وألقى باللوم على “أولئك الذين في بنسلفانيا”، في إشارة إلى رجل الدين فتح الله غولن.
حليف الأمس
أسس فتح الله غولن منذ أربعين عاما حركة دينية اجتماعية يطلق عليها أعضاؤها اسم “حزمت” (خدمة) التي اهتمت ببناء مدارس في دول إفريقية وآسيوية ودعمت وسائل إعلام، وتقدر تقارير عدد منتسبيها بملايين.
اصطدم غولن بالدولة التركية، وغادر البلاد عام 1999 بعد اتهامات وجهتها له الحكومة التركية، العلمانية آنذاك، بمحاولة إنشاء دولة إسلامية. لاحقا تمت تبرئته من هذه التهمة، لكنه لم يعد إلى البلاد، وظل في منفى اختياري في ولاية بنسلفانيا الأميركية.
وجد أردوغان في غولن حليفا في مواجهة النخبة العلمانية في تركيا التي كانت تسيطر على الدولة قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002.
ساهم غولن في تعزيز سلطات أردوغان عندما انتقد الجيش بقوة وهاجم المحاكمات العسكرية.
الخلاف مع أردوغان
ظهرت الخلافات بين الرجلين عندما بدأ أردوغان يشعر بالخطر من حركة غولن التي كان يرى أنها تسعى لإنشاء كيان مواز للدولة داخل تركيا.
وتأزمت الأمور أكثر عندما كشف قضاة يعتقد أنهم على علاقة بحركة غولن، قضية فساد عام 2013 تورط فيها مقربون من، رئيس الوزراء آنذاك، أردوغان.
ومنذ ذلك الحين بدأت الحكومة التركية تستهدف موظفين وضباطا في الجيش والشرطة تقول إنهم على علاقة بغولن، كما أغلقت عدة مدارس تابعة للحركة.
الصراع بين الطرفين أخذ منحى آخر بعد محاولة انقلاب عام 2016، الذي استغله أردوغان للقضاء على معارضيه من حركة غولن وغيرها.
ألقت الحكومة التركية القبض على آلاف الأشخاص وسرحت آلاف الموظفين في كل القطاعات بتهمة دعم غولن، بالإضافة إلى التضييق على الصحافيين ومنظمات المجتمع المدني.
وتطالب أنقرة واشنطن بتسليم غولن، وتسعى جاهدة لاستغلال أي مناسبة دبلوماسية لطرح القضية.
ورغم مطالبة عدد من الجهات الدولية أردوغان بعدم استغلال محاولة الانقلاب لتقويض الديموقراطية، إلا أنه بدا عازما على تصفية خصومه.
وحسب موقع ذا بلاك سي، الذي نشر تقريرا بالتعاون مع مجلة دير شبيغل الألمانية تحدث فيه إلى عدد من المقربين من الرئيس التركي، أصبح أردوغان يرى أن كتلته الانتخابية تضم فقط القوميين السنة، بعدما كان منفتحا على آخرين في بداية حكمه.
ووفق التقرير، كان أردوغان دائما يتوجس من القوى الخارجية، لكن محاولة الانقلاب أصابته بالبارانويا أو الذعر.
ولا يتحدث أردوغان الآن عبر الهاتف خوفا من أن يتم التنصت عليه، فالتكنولوجيا ربما تكون غير موثوقة، التكنولوجيا ذاتها التي ساعدته على مخاطبة أنصاره في 15 من تموز/يوليو وإنقاذ حكمه بل ربما حياته.
لقراءة الجزء الأول: من داخل عالم أردوغان (1-5): غضب وهوس
لقراءة الجزء الثاني : من داخل عالم أردوغان (2-5): العائلة والخلافة