من الأقوال الأجنبية المأثورة (( ذئب في ثياب خروف))، وهذا القول يصح إطلاقه على فئتين هما غالبية رجال الدين، ورجال السياسة بإعتبارهم أخطر الذئاب البشرية وأشدها إفتراسا لحقوق الناس سيما الفقراء والسذج والجهلة. الشواهد في العراق وإيران ولبنان وسوريا خير دلائل على هذه الحقيقة المرة، كما أن رفع شعارات تندد برجال الدين في التظاهرات الأخيرة في العراق إنما هي بحد ذاتها صفعة جماهيرية للمراجع الدينية لكل الأديان والمذاهب، من أعلى إلى أدنى مرجع اللهم إلا ما ندر من الشرفاء والزاهدين والمؤمنين الذين يمثلون قلة ضعيفة ومهمشة غير قادرة على الوقوف بوجه تيار الفساد الديني الجارف وسيوله الحارقة. إنه لأمر مؤسف حقا عندما يستبدل رجال الدين الإنحناء المقدس لربٌ العالمين بالإنحناء المخزي لرجال السياسة فيمتطونهم كالحمير. المشكلة ليست في الراكب والمركوب، وإنما في الناس الأبرياء الذي يدفعون الثمن من دمائهم وأموالهم وشقائهم.
طالعتنا الأخبار يوم12/4/2016 بخبر صاعق عن واحد من هؤلاء الشراذم الدينية التي لا تعرف الله إلا من خلال إستغفال المستضعفين من المؤمنين بقدرته تعالى، الذين يضعون آمالهم في أعناق رجال الدين بعد أن نهبهم رجال السياسة. ولم يخطر في بالهم بأن رجال الدين هم أسهل الناس وقوعا في شراك إبليس، كإنما يترصدهم في كل حركة يقومون بها. المطلع على أحوال رجال الدين عموما وتأريخ الكنائس والمساجد والمعابد يعرف جيدا بأن مساويء رجال الدين أضعاف حسناتهم، لذا ليس من المستغرب أن يحل رجال الدين في صدارة جهنم كمرتبة شرف، وتكون ضيافتهم في باحة الدرك الأسفل. ذكرالقزويني” لما دخل إسماعيل بن أحمد الساماني نيسابور. وكان ملكاً عادلاً، قال: يا لها من مدينة لو لم يكن بها عيبان! قيل: ما هما؟ قال: كان ينبغي أن تكون مياهها التي في باطن الأرض على ظاهرها، ومشايخها الذين على ظاهرها في باطنها.
يقول الخبر الصاعق الوارد من كندا بأن الأب (عامر ساكا) وهو من كنيسة جوزف كالدين الابرشية الكاثوليكية قد إعترف لمراجعه الدينيين شهر آذار الماضي بما قام به من خيانة للأمانة التي وضعها مئات العراقيين والسوريين في عنقه، فقد أقدم بدم بارد على انفاقها على القمار الذي لم يَجنِ منه دولارًا واحداً، مبدداً نصف مليون دولار في بضعة ايام، غير آبه لمعاناة اللاجئين والنازحين العراقيين الذين يبحثون عن سقف آمن لايوائهم في أية دولة. عرق العوائل المهجرة من أوطانهم، والأموال التي جنوها خلال نصف عقد من الزمن، والبيوت والأثاث والمحلات التي باعوها لينفذوا بجلودهم من جلاديهم حكومات وميليشيات حولها الأب المقامر الى صالات القمار، ليخرج بعدها فاضي اليدين ومعترفا للكنيسة بأنه خسر أموال اللاجئين المساكين في صالات القمار.
لو إستعرضنا المفاسد التي إرتكبها رجال الدين بمختلف اديانهم ومذاهبهم لتوصلنا الى نتيجة مرعبه، نتيجة تكاد أن لا تصدق، ولأعطينا الحق، كل الحق لكارل ماركس عندما وصف الدين بأنه أفيون الشعوب، وعندما قال جيمس جويس يقول” أجمل ما في هذه الكنائس أنها خالية من المصلين”. وعندما قال دوستوييفسكى ” الله والشيطان يتحاربان وحقل معركتهما هو عقل الإنسان”. ولصار عندنا قناعة راسخة بمبررات العلمانيين حول ضرورة فصل الدين عن الدولة. لإنه إذا إجتمع الفاسدون من رجال الدين بالفاسدين من رجال السياسة، إقرأ حينئذ سورة الفاتحة على البلاد. ومن عنده شك! عليه النظر الى أوضاع العراق وإيران ويحكم بنفسه.
إذا إعتبرنا جريمة الأب مصيبة، فأن تعليل وتبرير الكنيسة الكاثوليكية للجريمة يُعد كارثة حقيقية، فموقفها يذكرنا بموقف مرجعية النجف من مناف الناجي، رمزها ووكيلها في محافظة ميسان جنوب العراق، الرمز المقدس الذي إنتهك أعراض العشرات من نساء المحافظة، وأمنت له مرجعية النجف بإعتباره واحدا من أعيان المذهب الفرار الى إيران ، التي تفتح ذراعيها مرحبة بكل من يسيء للعراق وطنا وشعبا. خرج الناجي آمنا في الوقت الذي كانت حيامنه ما تزال تتلاعب في ارحام النساء، وتحيي (عُكُل) رؤساء عشائر ميسان.
سوف نتناول أوجه الشبه بين موقف الكنيسة الكاثوليكية من الأب المقامر، وموقف مرجعية النجف من الزاني الأكبر. مع الأخذ بنظر الإعتبار ان الأب المقامر إعترف بجريمته، والرمز الزاني رفض الإعتراف بجريمته. الأب المقامر قدم نفسه للقضاء، والرمز الزاني هرب من القضاء. الحكومة الكندية تدخلت في قضية الأب المقامر، والحكومة العراقية لم تتدخل في جريمة الرمز الزاني. الكنسية تخلت عن الأب المقامر وأمرت بتوقيفه عن الخدمة الكهنوتية، ومرجعية النجف تمسكت بالرمز الزاني ولم تتخلى عنه، ولم تأمر بتوقيفه عن خدمة المرجعية أو طرده.
مرجعية النجف أرسلت وكيلها لشؤون الدعارة الشيخ أحمد الأنصاري) للتفاوض مع أهالي الضحايا وشراء ضمائر الشيوخ الأراذل. والكنيسة لم تُوسِط احد من القساوسة للتفاوض مع الضحايا، بل إكتفت بالإشارة إلى تعويضهم عن اموالهم فقط، دون النظر فيما لحق بهم من أضرار نفسية واجتماعية. علما ان الكنيسة والمرجعية حلٌت المشكلتين عن طريق تعويض الضحايا من أموالها الخاصة، وهي في الحقيقة أموال تُجنى من الناس، اي أموال الضحايا أنفسهم. كمل يقول فولتير” عندما يكون الحديث عن المال، يكون كل الناس على دين واحد”.
1. ذكرت البطريركية الكلدانية يجب أن” لا تكون (الفضيحة) فرصة للطعن بالكنيسة”. وجاء في رسالة مرجعية النجف” أن الفضيحة تترك نقطة سوداء في تأريخ أهل البيت والى أبد الآبدين حتى تجعل التكفيريين والبعثية يزمرون ويطبلون ويشنعون على قادة المذهب وعلى المرجعية الدينية في النجف الأشرف”.
2. ذكرت البطريركية الكلدانية إن” قضية الأب عامر ساكا، قضية فردية لا يجوز تعميمها على جميع أفراد الإكليروس”. وجاء في رسالة مرجعية النجف” إن السيد الناجي من رموز وكبار هذه المرجعية وإبن للمذهب، فأوصيكم يا أولادي بغلق كل باب يؤدي إلى الفضائح وترك الأفواه تبوق”.
3. ذكرت البطريركية الكلدانية إنه” مهما كان رجل الدين فهو بشر معرَّض للخطأ”. وجاء في رسالة مرجعية النجف “أن الناجي غير معصوم وممكن صدور الخطأ منه ومن غيره”.
المسألة المثيرة في موضوع الجريمتين انه لا رسالة المرجعية ولا رسالة الكنيسة تعاملت مع الموضوع كجريمة قام بها أحد رجالها، وإنما كخطأ طبيعي يحصل مع الجميع، دون التفريق بين رجل الدين عن غيره. بمعنى إنه عندما يرتكب لص سرقة ما، أو يقوم مجرم بقتل شخص ما، فإنه لا يختلف بنظرهما عن قيام رجل دين بسرقة او إرتكاب جريمة قتل أو زنى! فكلاهما بشر ويمكن أن يخطأ! بتلك السهولة أو الحماقة تفسر جرائم رجال الدين.
المسألة المحيرة الأخرى هي أن ما يهم المرجعية والكنيسة، هي الخشية من الفضيحة فقط. فما يؤرقهما ليس الإستحياء من الخالق عزً وجل عن هذه الرذائل المنكرة، ولا الحياء من الناس، ولا إنتهاك القانون المدني. كل هذا لا يعني لهما شيئا! المهم هو تلافي الفضيحة! وهذه هي الفضيحة الأكبر.
علي الكاش