ديفيد إغناتيوس عن الشرق الاوسط
تشير التقارير الواردة من داخل منشأتين للأسلحة الكيماوية السورية إلى وجود أدلة جديدة على أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد قام بتطوير مركبات خاصة العام الماضي لنقل وتجهيز تلك الأسلحة مع مزاعم غير مؤكدة تفيد بأنه قد تم تدريب حلفاء لبنانيين، يفترض أنهم من حزب الله، على استخدام تلك الأسلحة منذ 11 شهرا. وفي اتصال هاتفي خلال عطلة نهاية الأسبوع، قدم مصدر سوري وصفا تفصيليا لما يتعلق بقضية الأسلحة الكيماوية السورية، معتمدا في ذلك على معلومات استخباراتية حصل عليها من منشق سوري كان يعمل داخل شبكة الأسلحة الكيماوية. وقد تحدث هذا المصدر من إحدى الدول العربية التي لجأ إليها، في حين تم الترتيب لهذا الاتصال الهاتفي من قبل فريق الدعم السوري التي يتخذ من واشنطن مقرا له ويمثل العناصر المعتدلة في الجيش السوري الحر المعارض.
وتنطوي هذه المعلومات على تحذير مفاده أن المصادر السورية تسعى لتنبيه الولايات المتحدة إلى المخاطر الكامنة للصراع السوري على أمل تشجيع واشنطن على تقديم دعم أكبر للمعارضة. وفي إطار السياق التاريخي للأحداث، ينبغي تذكير القارئ بالمنشق العراقي المعروف باسم «كيرفبول» الذي زعم أن العراق يمتلك أسلحة كيماوية قبل عقد من الزمان، وهي الادعاءات التي عززت التدخل العسكري، ولكن تبين فيما بعد أنها مجرد افتراءات. وحتى أتأكد من هذه الرواية، قمت بمراجعة هذه المعلومات مع عدد من المصادر المطلعة والمستقلة والتي أكدت بعضا من هذه التفاصيل. وبعد هذه التأكيدات، أود مناقشة هذه المعلومات مع القراء، حيث يشير المنشق السوري إلى أن اثنين من كبار الضباط السوريين قد قاموا في شهر يناير (كانون الثاني) بنقل نحو 100 كيلوغرام من المواد المستخدمة في صناعة الأسلحة الكيماوية من قاعدة عسكرية سرية في قرية الناصرية، نحو 50 إلى 60 كيلومترا إلى الشمال الشرقي من العاصمة دمشق.
وقال المصدر السوري إن الضابطين قاما بوضع تلك المواد الكيماوية في سيارة مدنية وتوجها عبر جسر في اتجاه الطريق السريع المؤدي إلى لبنان. وبعد ذلك بيومين، وصل رجلان يتحدثان بلهجة لبنانية إلى قاعدة الناصرية وتلقيا تدريبات على كيفية إعداد وتركيب تلك المواد الكيماوية، وكذلك احتياطات السلامة المناسبة في كيفية التعامل معها.
وثمة إشاعات في منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة تشير إلى أن الأسلحة الكيماوية السورية قد انتقلت إلى مكان آخر، ولكن يبدو أن المسؤولين الأميركيين ليس لديهم أي أدلة على انتقال تلك الأسلحة إلى أماكن خارج الأراضي السورية.
وعلاوة على ذلك، قال المصدر السوري إنه قد تمت صناعة عربات خاصة لنقل وتركيب تلك المواد الكيماوية في إحدى الورش بحي دمر بالعاصمة دمشق، مضيفا أن هذه الورشة تعد جزءا من شبكة منشآت ومرافق الأبحاث السرية المعروفة باسم «البحوث». وقد بدأ بناء هذه المختبرات المتحركة عام 2011، أي بعد أشهر قليلة من اندلاع الثورة السورية التي بدأت تهدد نظام الأسد.
وفي ورشة دمر، حسب المصدر السوري، قام فنيون ببناء معمل متحرك يمكنه خلط وتنشيط ما يسمى «ثنائي عوامل الأسلحة الكيماوية»، وأنه يتم بناء هذه الخلاطات المتنقلة داخل سيارات من طراز «مرسيدس» أو «فولفو» والتي تبدو من الخارج وكأنها شاحنات تبريد، أما في الداخل فيوجد بها خزانات وأنابيب ومحرك لدفع الآلة التي تقوم بعملية الخلط.
وأشار المنشق السوري إلى أنه قد تم بناء ما يتراوح ما بين 10 و15 معملا متحركا، في حين قال مصدر مستقل، إن هذا العدد كبير، ولكنه أكد في نفس الوقت أن السوريين لديهم مختبرات متنقلة بالفعل.
وبناء على التقارير الواردة من هذا المنشق، اتصلت المعارضة السورية بمسؤولين لبنانيين وأعطتهم بيانات تفصيلية عن تلك المركبات منذ ستة أسابيع حتى يمكنهم مراقبة ما إذا كانت تلك المركبات قد عبرت الحدود اللبنانية أم لا وهي تحمل على متنها الأسلحة والمواد الكيماوية المشار إليها. ومنذ ذلك الحين، يبدو أنه لم تتم مشاهدة أي شيء بالقرب من الحدود.
وتقع منشأة الناصرية بالقرب من بلدة القلمون. ويتحدث الأشخاص الذين عملوا في هذه القاعدة في كثير من الأحيان عن الزيارات التي كان يقوم بها ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري، والذي يقود وحدة عسكرية تعرف باسم الحرس الجمهوري. ويعتقد أن ماهر الأسد هو القائد العسكري للحملة الوحشية الشرسة التي يشنها النظام على الثوار السوريين، والتي أدت إلى مصرع نحو 40.000 شخص خلال الـ20 شهرا الماضية.
وأكد مصدر مستقل أن منشأتي دمر والناصرية اللتين تحدث عنهما المنشق السوري تعدان في حقيقة الأمر، جزءا من شبكة الأسلحة الكيماوية السورية. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما الذي تعنيه تلك التقارير؟ أولا، قد تكون الأسلحة الكيماوية السورية أكثر خطرا مما يعتقد البعض، لأنه قد يتم نقلها إلى أماكن أخرى. ثانيا، هناك مخاطر أخرى من وصولها إلى جماعات أخرى، مثل حزب الله اللبناني، وهو ما سيشكل تهديدا إرهابيا عالميا.
تؤكد هذه المعلومات الجديدة أن الحرب في سوريا قد تكون نواة لصراع أوسع وأكثر خطورة، وهو ما يجعلنا نحذر من أنه يجب التعامل مع هذه القضية بشكل عاجل وبعناية كبيرة.
* خدمة «واشنطن بوست»