رسالة موجهة إلى
السيد مسعود برزاني رئيس إقليم كوردستان
السيد نيجرفان برزاني رئيس وزراء إقليم كوردستان
السادة المحترمين في قيادة الأحزاب الكردستانية جميعها و خاصة الاتحاد الوطني الكوردستاني و الحزب الديمقراطي الكوردستاني
القضية تتعلق بمستقبل مندلي التي هي إحدى المدن المهمة و الاستراتيجية اقتصاديا و سياسيا بل وكذلك ثقافيا و حضاريا و التي ممكن ان تلعب دورا مهما في التطور السياسي و الاقتصادي في إقليم كوردستان إذا تم إلحاقها به و خاصة فيما يتعلق بعلاقة الإقليم مع حكومة المركز من جهة و من جهة ثانية مع الجارة الكبيرة ايران.
منذ تأسيس الدولة الحديثة في العراق أصبحت مندلي واحدة من المناطق المهملة رغم أهميتها الاستراتيجية و خلال الحرب العراقية الإيرانية تدهور الوضع بشكل أكبر حتى أصبحت هذه المدينة التي يمتد تاريخها الى اكثر من 7 اًلاف سنة كما تؤكد بعض الدراسات الاركيلوجية و الانثروبولوجية و التي تعتبر ايضا اقدم قضاء في النظام الاداري العراقي قبل تغييرها الى ناحية … نعم اصبحت قفارا بل و صحراء قاحلة رغم أنها كانت عبر التاريخ منطقة تحيط بها بساتين الحمضيات و اشجار النخيل ….
نتيجة الاهمال المتراكم منذ تاسيس الدولة العراقية و من ثم تحول المدينة و ضواحيها الى منطقة حربية فقد اضطر أهل مندلي إلى مغادرة بيوتهم و الهجرة الى المدن الاخرى خاصة بغداد و لكن ايضا بعقوبة و كنعان و بلدروز التي تحولت الى قضاء و الحقت بها مندلي بعد ان الامر بشكل معاكس سابقا…
بعد انتهاء الحرب حاول الكثيرون العودة لكن عدم حصولهم على أية مساعدة لإعادة بناء مناطقهم و خاصة داخل اطار المدينة ذاتها حال دون احياء مندلي مرة اخرى …بعد زوال الحكومة السابقة تحركت مجموعة و حاولت الحصول على دعم حكومة إقليم كوردستان في إعادة بناء مندلي تحت شعار إعادة احياء مندلي و المناطق المحيطة على أسس التنمية المستدامة مما يعني مشروع ذو أبعاد مختلفة تضمن توفير العمل و بناء مشاريع استثمارية متوسطة لكنها تتمتع بالديمومة مع ضمان عودة الكثيرين من الكفاءات و المؤهلين …. الخ
نبذة عن مشروع إعادة احياء مندلي
بينما كانت الأوضاع الأمنية و المعيشية في العراق تتدهور بشكل سريع في أواسط عام 2005 جرت اتصالات بيني و بين الكثير من أهالي و خاصة الذين كانوا في بغداد كان اغلب هؤلاء يعيشون في بغداد.. هنا جاءت الفكرة… لماذا لا تفكرون بالعودة إلى موطنكم مندلي ..؟؟… رحب الجميع على ان تتوفر الظروف الحياة الأولية اي السكن و العمل…. و باعتباري احمل شهادة الدكتوراه في التنمية و كذلك ارتبط بعلاقات صداقة مع الكثير من قياديي إقليم كوردستان فقد طلب الجميع مني ان احاول إيصال صوتهم و رغبتهم إلى هذه القيادة علهم يستطيعون الحصول على مساعدة الإقليم في إعادة الحياة إلى مندلي ….
شرعت بإجراء اتصالات مع قياديي الاتحاد الوطني الكوردستاني الذي يحكم مناطق شرق كوردستان حيث تقع مندلي ايضا… من أوائل اتصلت بهم كان الأخ كاك عادل مراد حيث كان في ذلك سفيرا للعراق في رومانيا… كاك عادل رحب بالفكرة و طلب مني مهلة يومين حتى يتصل بالقيادة التي أعطت الضوء الأخضر مبدئيا لكن كان عليً إجراء المزيد من الاتصالات بمسؤولين كثيرين آخرين سواء في القيادة كذلك في مقر الحزب في بغداد و خانقين… ضمن تلك الاتصالات رسالتين التكرونيتين بعثت بهما… أولاهما إلى مام جلال رئيس الجمهورية و الثانية إلى الدكتور برهم صالح نائب رئيس الوزراء العراقي ( هاتين الرسالتين ارسلتهما في مرحلة لاحقة) و كذلك اتصالات مع كاك عدنان مفتي الذي كان آنذاك رئيساً لبرلمان كوردستان الموحد و من ثم ايضا كاك ملا بختيار الذي كان مسؤولا عن تطوير العمل الديمقراطي و كذلك مسؤولا عن منطقة كرميان… كاك عدنان رحب بالفكرة لكنه اكد انه يجب التنسيق مع ملا بختيار و فعلا اصبح هذا الأخير هو حلقة الوصل و المسؤول الفعلي عن إدارة المشروع…
استمرت نقاشاتي و اتصالاتي مع القيادة حوالي ستة اشهر حتى وصلنا على اتفاق على عقد اجتماع رسمي رئيس الوزراء كاك عمر فتاح… لكن هذه الاتصالات كانت جانبا واحدا من القضية أما الجانب الثاني فقد كان أكثر بكثير… أسسنا مجموعة عمل قسمت عملها بين كل المناطق التي يتواجد أهل مندلي و خاصة بغداد و بعقوبة و بلدروز و كنعان بالإضافة إلى مندلي ذاتها… هذه المجموعة الصغيرة لم تكن تملك أية خبرة في العمل الميداني في هذا المجال و لذلك كان يجب عليً الاتصال بهم يوميا و أكثر من مرة في اليوم…. استراتيجيتي كانت مبنية على أعداد اربع وثائق مهمة و هي أولا ….تعداد العائلات المستعدة فعليا للعودة… ثانيا… تعداد الكفاءات مع بيان اختصاصها و كيفية مساهمتها في إعادة البناء…. ثالثا… المشاريع التي يمكن بنائها على مبدأ التنمية المستدامة و رابعا…. اهم الموارد التي الطبيعية التي الاستفادة منها مثل النفط و غيره…
كان المهمة صعبة و كبيرة جدا و الوقت قصير و الظروف سيئة خاصة من الناحية الأمنية حيث قد بدأت العنف و الحرب الأهلية لكن مجموعة العمل كانت نشيطة و دؤوبة و تحملت الكثير من المخاطر و الصعاب و أنجزت عملها خلال اقل من خمسة اشهر كما أنها قامت بزيارات عديدة لمقر حزبي الاتحاد الوطني الكوردستاني و الديمقراطي الكوردستاني لغرض التنسيق و طلب الدعم المعنوي…. هذه كانت أولى مؤشرات هدفنا الأساسي و هو التعامل مع إدارتي السليمانية و أربيل على حد سواء.
كان كل شيء مهيئا عندما حضرت شخصيا إلى أربيل تلبية للدعوة الكريمة من حكومة اقليم كوردستان لحضور مؤتمر الفيليين في بداية شهر كانون الأول / ديسمبر 2005 … و أثناء تواجدي في المؤتمر طلبت أكثر من مرة من الدكتور فؤاد حسين رئيس ديوان إقليم كوردستان تنظيم لقاء قصير لي مع كاك مسعود أو كاك نيجرفان لغرض طرح الموضوع….في الحقيقة كان الدكتور فؤاد يبدي مسعاه بشكل جدي لكنه في الاخير اعتذر لان ذلك لم ممكنا للأسف بسبب زحام جدول المقابلات…
في اليوم التالي لانتهاء أعمال المؤتمر و بينما كان كانت الوفود تتهيأ لزيارة ضريح الراحلين الكبيرين … القائد التاريخي مصطفى البرزاني و إدريس البرزاني… كان عليً ان اسرع في السفر إلى السليمانية لان الأخوة في إدارة السليمانية قد حددوا لنا موعدا في مساء ذلك اليوم بالذات لمقابلة رئيس وزراء إدارة السليمانية كاك عمر فتاح… طبعا انا و وفد يمثل أهل مندلي …هذا الوفد رشحته مجموعة العمل و قد وصل الى السليمانية ذلك اليوم و قبل ساعات قليلة من وصولي … في المساء ذهبنا لمقابلة كاك عمر الذي رحب بنا و قد سألني مباشرة باعتباري رئيس الوفد عن مطاليبنا… قلت له كاك عمر… هذه الوثائق الخمسة تحمل الكثير من لإمكانيات و الرغبة الصادقة من اهل مندلي للعودة الى موطنهم …. ما اود ان اسمعه منك الآن أمام كاميرة التلفزيون هو التعهد بإدخال مندلي ضمن دائرة اهتمام الإقليم…. رد كاك عمر بانه يعلن ذلك و سيلتزم بذلك…
في اليوم التالي صدر قرار مجلس وزراء إقليم كوردستان / إدارة السليمانية بإدخال مندلي ضمن ميزانية الإقليم لسنة 2006 … كان هذا إنجازا كبيرا لي و للوفد و مجموعة العمل الذين غادروا على وجه السرعة… بعد يومين سافرت إلى خانقين حيث كان كاك ملا بختيار بانتظاري و من هناك سافرت إلى مندلي حيث قضيت حوالي الأسبوعين من النشاط الدؤوب قمت و معي مجموعة العمل بزيارات ميدانية لمختلف مناطق مندلي اي المدينة و ضواحيها و بتنسيق يومي مع مدير الناحية و المؤسسات الأخرى و مدير شرطة مندلي كما كنا نستقبل يوميا وفودا من أهالي مندلي قدموا من بغداد و بعقوبة و كنعان و بلدروز و كذلك كبار ضباط القوات العسكرية في خانقين و المناطق المحيطة بالإضافة إلى سياسيين و ممثلي المنظمات المدنية..
احد أوجه نشاطاتنا كان ايضا حضور مجريات الانتخابات العامة التي جرت في العراق عموما….في اليوم الأخير عقدنا اجتماعا واسعا لأهل مندلي حضرته وفود و رؤساء عشائر و سياسيين من كل المناطق التي يتواجد فيها أهل المهجرين و المهاجرين بالإضافة إلى الساكنين في مندلي من مختلف القوميات و الطوائف و غيرها… كان الاجتماع ناجحا و قد أبدى الجميع عن مطالبهم و إمكانياتهم للمساهمة في إعادة بناء مندلي … نقطة اخيرة اود ان اذكرها هي ان كل هذه النشاطات جرت بالتنسيق المباشر مع مسؤولي الحزبين الاتحاد و الديمقراطي في مقراتهم في بغداد و مندلي…
بعد ذلك عدت إلى السليمانية حيث استقبلني كاك عمر فتاح و بحضور كاك عماد احمد نائب رئيس وزراء إقليم كوردستان حاليا و الذي في ذلك الوقت ايضا نائبا لرئيس وزراء إدارة السليمانية… قدمت تقريرا عن زيارتي مع مقترحات محددة للبدء بمشروع إعادة احياء مندلي … كاك عمر و كاك عماد أكدا انهما سيتابعان الموضوع و أنهم سيتصلون بي لاحقا… عند ذلك غادرت السليمانية عائدا إلى أربيل و منها إلى الدنمارك…
أيها السادة
مع حبنا و احترامنا للقيادة السياسية في كوردستان عموما و تفهمنا للظروف التي لعبت دورا سلبيا و حالت دون تحقيق المشروع لكن لابد ان نعترف امام اهل مندلي الذين وضعوا ثقتهم فينا انه بعد مرور أكثر من 6 سنوات لم تقم حكومة إقليم كوردستان بأي شيء يذكر في سبيل إعادة بناء مندلي الا ثلاث أشياء صغيرة وهي تبليط شارع طوله حوالي 5 كيلومترات و هناك مشروع لبناء مدرسة ابتدائية او روضة أطفال و أخيرا هناك كلام عن بناء مستوصف… كما تم تقديم بعض المساعدات الإنسانية البسيطة مثل الخيم و البطانيات إلى بعض الذين اضطرتهم ظروف الحرب الأهلية قبل سنوات للقدوم إلى مندلي من مناطق مختلفة من العراق و ما زال بعض الفقراء يحصلون على مساعدات مالية بسيطة جدا لا تسد رمق احد … في السنوات الأخيرة تم جلب مجموعة من مولدات الكهرباء لكن هذا هو مشروع تجاري بحت حيث بيع الكهرباء للمتمكنين اقتصاديا و تعود مستحصلاتها إلى الإقليم بدلا من استثمارها في مندلي…
من جانبهم عاد الكثيرون من اهل من المهجر… بعضهم بنى مسكن خاصة بهم و آخرون انشأوا مشاريع صغيرة مثل الدواجن و تربية الحيوانات و مزارع و غيرها مستفيدين من قروض ميسرة من مؤسسات الدولة العراقية اي تابعة للحكومة الاتحادية في بغداد… لكن للأسف اضطرت مجموعات كثيرة للهجرة مرة اخرى لعجزها في تامين السكن و العمل…
خلاصة القول ان هذه الرسالة هي تعبير عن الاتصالات الكثيرة التي مازلت اتلقاها بشكل شبه يومي من الكثيرين و مفادها ان مندلي و أهلها ما زالوا ينتظرون وفاء حكومة كوردستان بتعهدها خاصة ان الحكومة أصبحت موحدة و لم تعد هناك ادارتان كما ان الوضع الاقتصادي و الأمني في كوردستان يسمحان لها ان تمد اليد إلى إحدى المناطق التي تتنازع حول عائديتها مع بغداد… و في هذا الصدد لا يحتاج احد ان نذكره ان كسب قلوب الناس يحتاج إلى عمل فعلي يمكن ان يلمسه الجميع..
عندما نشأت فكرة مشروع إعادة أحياء مندلي كان هدفي الشخصي هو إيصال صوت أهل مندلي إلى أصحاب القرار في كوردستان…. مع هذه الرسالة احاول مرة اخرى علنا نجد لصوت المهمشين صدى في أذان من يستطيع ان يمد العون…في الجزء التالي سأوضح بعض الملابسات التي واكبت تطور هذه القضية….مرة اخرى مع كل الحب و الاحترام…
دكتور اكرم هواس