لو قرأت الصحف السعودية المحلية ستجدها عامرة بانتقاد الأخطاء اليومية التي تقع فيها معظم الوزارات الخدمية والتنفيذية، لعل آخرها الأخطاء التي وقعت فيها أمانة عسير في نقل جسم طائرة بوينغ كبيرة عن طريق البر وتسببها في كسر أشجار وأرصفة وتعطيل الكهرباء في عشر قرى، فامتلأت الصحف بعناوين كاشفة لتعثر عمليات النقل. كما شارك كتّاب الرأي في إدانة ما حدث، ومع ذلك خرج المسؤولون في الأمانة يعتذرون ويتعهدون ببناء ما تم تخريبه، ولم نسمع أن أحد المسؤولين في الأمانة قال إن منتقديها هم من أصحاب السوابق أو الفاسدين. وكذلك يحدث مع المسؤولين في الإسكان والنقل والصحة، وإن لم يخرج المسؤول لمواجهة مسؤوليته في الخطأ الذي تسببت فيه وزارته أو هيئته فإنه يصمت ويتدارى مؤملاً أن تهدأ العاصفة فيخرج بأقلّ الأضرار. لكن هذا لا يحدث مع رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يحاول جاهداً إدانة منتقدي الهيئة والتنصل من أخطائها، ففي ظهوره الأخير في القناة السعودية وبحسب ما نقلت صحيفة «الوطن» أعلن عن «حقيقة أحد الأشخاص، الذي دأب على انتقاد رجال الهيئة، والنيل منهم، ليتم التحقق من صحة هذه الاتهامات، ومن ماهية الشخص الذي تبيّن أن لديه أكثر من 16 سابقة من بينها «محاولة خطف»، وكأنه يلمح إلى أن منتقدي الهيئة إما فاسدون أو لديهم أغراض مبيتة.
ومع أن منتقدي الهيئة لا ينتقدون إلا الأخطاء الفادحة التي تنشرها الصحافة وتصل إلى الرأي العام وليس ما ت تناقله مصادر غير موثوقة، إلا أن رئيس الهيئة يضيق ذرعاً بهذا النقد، ففي خطئها الشهير الذي تسبب بمقتل شابين لاحقتهما ثلاث سيارات للهيئة في شارع عام مزدحم تسبب في سقوط سيارتهما من الجسر ولم يتبيّن أن الشابين تعاطيا مسكراً أو مخدراً، ولم تكن بصحبتهما فتاة في خلوة غير شرعية – وهذه عادة عناوين المطاردات – بل لأنهما كانا يفتحان مسجل السيارة على أغانٍ وطنية في اليوم الوطني. خرج رئيس الهيئة في برنامج «الثامنة» غاضباً على منتقدي الهيئة الذين ركزوا على حادث قتل الشابين متناسين دورها العظيم في ملاحقة المخدرات والسحرة، واليوم ها هو يعلن عن صيده الثمين بأن منتقد الهيئة تبيّن أنه من أصحاب السوابق وخاطف، ومع رئيس الهيئة حق، فهذا المنتقد «وسيع وجه» يخطف ثم ينتقد الهيئة، لكنه لا يقول لنا مثلاً لماذا ينتقدهم رجال دين أو بعض المسؤولين ومواطنون ليست لهم سوابق؟
الهيئة لا تقدم الخدمات الضرورية لمواطنيها كما تفعل وزارات الصحة والنقل والبلدية والإسكان، بل تقدم لهم معروفاً وتنهى عن منكر، وعلى رغم ذلك فإن رئيسها هو أكثر المسؤولين مهاجمة لمنتقديها ولوسائل الإعلام التي تنشر أخباراً عن أخطاء جهازه. وعلى رغم أن الهيئة هي أكثر الهيئات الحكومية احتكاكاً بالناس وتدخّلاً في حرياتهم، وتفرض نفسهاً طرفاً دائماً في عمل الوزارات مثل التجارة والإعلام والعمل والنقل والبلديات، وتدخل في نشاطاتها مراقباً ووصياً ومعترضاً، ما يضطر هذه الوزارات أن تفرد لها جبهة كي تطمئن فيها على استتباب الفضيلة التي تزعم هي أنها وحدها الحارس الأمين لها، حتى أصبح وصف «حراس الفضيلة» دوراً شهيراً واحتكارياً لها، وهي كي تحرس الفضيلة تنكّد على وزارة الإعلام في معرض الكتاب، وعلى وزارة الحرس الوطني في مهرجان الجنادرية، وحين يجد أفرادها شاباً أو أباً يفتح مسجله على أغنية وطنية أو حتى أناشيد إسلامية فهي تطارده حتى لو تسببت في مقتله. فأي فضيلة أو معروف يتسببان في مقتل أو إصابة أناس أقصى ما فعلوه سماع أغنية، أو مواطن يصطحب زوجته وقد أظهرت عينيها من وراء النقاب كما في قضية مطعون العيون؟
ليس سراً أن غالبية رجال الهيئة يتصفون بالفظاظة، فكل مرة تقابل سيدة أو شاباً يسرد لك حكايته مع أحد رجال الهيئة الذي عامله بفظاظة وسوء ظن، فهذا رجل أوقف لأنه بصحبة زوجته، وهذا شاب أهين أمام زميلته. أحد الشبان الصغار قال لي إنهم بمجرد أن يروا سيارة هيئة فإنهم يهربون ولا يعرفون لماذا. في مناسبة أصحاب السوابق فأنا لديّ سابقتان مع الهيئة، فمرة طردت أنا وأبنائي من محل بيتزا لأنني كنت منقّبة، ومرة طردت من مركز تجاري لأن عباءتي كانت على الكتف ولم تكن على الرأس. نسيت… تذكرت أنني مرة في محل أواني مطبخ كنت حاملاً وجلست على عتبة المحل، فنهرني رجل الهيئة قائلاً: هل تظنين أنك في منزلك؟ معه حق فأنا لستُ في منزلي!