(1)
لن انتظر عيونكم المفتوحة على هواني، وعقولكم المنغلقة على أغلالي، وقلوبكم المتصلبة أمام آلامي. لن انتظر الزفة والطبل، والنظرة والأمر. لن انتظر الحركة النسائية التي تقدس العبودية، والجبهة الذكورية المدججة بأسلحة الجهل والعار والثأر والدم. لن انتظر قطعة الشاش أو ملاءة السرير، ولا ثقة الرجال ولا فضول النساء، لا أصابع غريبة ولا العضو الذكري للزوج المبجل المتوج على ولاية ضفيرتي الطويلة. لن انتظر أحدا ليزور بوابة رحمي مهددا أو راجيا. بنفسي ولنفسي أتخلص من قلقكم وحميتكم وعنفكم وخوفكم وهوسكم وكل ميراث الأنثى العربية من عبودية وقهر الكائن في شئ ما داخل فتحة ما من فتحات الجسد الأنثوي المقدس، واتحرر.
“حدث في خيالها حين قهروها باسم الشرف”
(2)
أغلب ما قيل ووثق كان عن شعورها وهي صغيرة وقت وقوع الجريمة، لكنها اليوم تسترجع مرارة الحدث بوعي، وهي تدرك ماهيته وأسبابه ودوافعه ونتائجه، بعد أن دخلت إلى عقولهم وزكمت أنفها عفونة أفكارهم.
الآن ترى كل شئ بوضوح لم تكن تدركه مع صرختها القديمة العالية، الآن صرختها مكتومة تعوي بداخلها، تدرك أنهم خافوا من أنوثتها، أرادوا أن يكبحوا جماح شهوتها، أرادوها باردة حتى لا تنزلق إلى الرذيلة وتلطخ سمعتهم وحتى لا ترغب بالجنس كجميع المخلوقات، وحتى لا تظهر يوما أمام سيدها الثاني”زوجها” الذي تسلمها من سيدها الأول “أبيها” راغبة فتثير شكوكه.
تدرك أنهم مجموعة من الكائنات الحية تعاني من هوس الجنس وجنون جسد المرأة، يحاولون مداراة ذلك بكل الوسائل، ومن فرط رغبتهم به أصبحوا كمن يشيرون إليه عمدا، ولأن هذه الجماعة خضعت لعبودية الذكور فأصبحوا هم من يملكون مفاتيح الرغبة والمتعة يدخلون عالمها كما وكلما شاءوا، ويكبلون الأنثى كي لا تدخلها، ويذبحون رغبتها على أعتاب أنوثتها ويتركونها تنزف مرارة أيامها، وتلحس جرحها حتى ينتهوا من إشباع رغباتهم، وحرياتهم، وتمام اختياراتهم دون ضغوط ،ليجدوها مكانها في الانتظار شريفة عفيفة، كما يصفون، قطة مغمضة، كما يحبذون، غير عابئين بفض بكارة روحها حين مس فرجها مشرط الطبيب أو الداية وجز منه الرغبة، الشهوة، المتعة، الشبق، وتركها كلمة مهما تغير موقها من الجملة تعرب مفعولا به بعلامة مقدرة لا تظهر أبدا.
أيهما أقسى ألم جسدي عنيف دون وعي، أم ألم نفسي عميق بكامل الوعي؟
“الوعي يؤلمها أكثر”
(3)
قضت يومها تنتظره بلهفة. تمشط شعرى فتكاد تلمس أنامله تعبث بخصلاته. ترتدي حمالة صدرها فترى يديه تحملانه. تشتم رائحته في زويا وأركان جسدها. وفي صمت الليل وتحت تأثير سحره وقفت أمامه، تنظر بقوة، محررة عيونها من أغلال العيب، وجسدها من أثقال العار “بحبك.. عايزاك”.
وبعد الصولات والجولات، وبعد أن وضعت المتعة أوزارها، لم تكتم رغبتها أو “تفلتر” كلامها وتخشى وتخجل وتتراجع وتبلع ما بداخلها تجاه زوجها لمجرد أن ثقافة قبيلتها هي صمت النساء، “عايزاك تاني”.
“مشهد لم يحدث”
(4)
“لا أشعر بالمتعة بسهولة، وأعاني في علاقتي مع زوجي، بسبب الختان أنا غير سعيدة، واضطر للتمثيل وادعاء الشعور بالمتعة حتى لا يقول لي زوجي الكلمة التي رددها من قبل: أنت باردة”، قالت السيدة للصحفية وصمتت طويلا.
“حدث بالفعل”
(5)
أنا أنثى، في شهادة الميلاد أنثى، وفي بطاقة الهوية أنثى، وفي قائمة الممنوعين من الحياة كتبوا في سبب المنع “أنها أنثى”، وفي سجل المشطوبين من المتعة في أول سطر جاءت “الأنثى”. استدلوا على انوثتي بنزيف الدماء، وعشت بالأنوثة نزيف الألم.
أنا الكائن المنبوذ في ثقافتكم، الساكن في متعتكم، أنا الإهانة حين تدعون الرجل بأنه ابني، أنا السبة حين تذكرون أسماء أعضاء جسدي، أنا لصيقة الضعف والعجز.
العيب في والعيب بي والعيب أنا، العار في والعار بي والعار أنا، النقصان في والنقصان بي والنقصان أنا، بهذا الختم ختموا نهدي وفرجي وبطني ووجهي وجميع أقوالي وأفعالي ونظرات عيوني.
أنا الكمال والاكتمال،أنا الجمال. العيب فيكم والعار عليكم والموت يقتات من أفكاركم ويشكركم حين يقابلكم وأنتم خارجين من أبواب المقاهي والبارات ودور العبادة بعد تأدية الصلوات.
أما أنا، فأنا الحياة. تخرج مني وتدخل في. أنا الدائرة. أنا الدورة. أنا البداية ثم البداية، وكلما أوشك الخط الدائر على النهاية بدأ مني من جديد ويظل يحيا إلى الأبد.
أنا التي يوما ما قدستوني وتصورتوني إلهة، قبل أن يتغير وجه العالم ويتصور الآلهة ذكورا. وإذا كان الله لا ذكرا ولا أنثى فهل تقبلون مناجاته – ولو مرة – بصيغة المؤنث؟ أم أنكم ستخافون أن يلاحقه العار؟ وتغضبون لأنكم لا تريدون خروجه عن زمرتكم، جماعتكم القوية، جماعة الذكور؟
أنا التي تريد ولا تفعل، تحلم ولا تحقق، تمشي ولا تصل، تخاف ولا تأمن، أنا التي ترغب وتصادرون رغبتها. نعم أنا أنثى .. ولي رغبات جنسية.
“رسالة مختفية بأحد أدراجها .. ضاع مفتاحه