ليس جديدا ماجرى قبل بضعة ايام من مجازر وحشية حيكت في كهوف رجال دين واتباع امتهنوا القتل صناعةً وامتهانا بواسطة اسلحة كاتمة قامت بها اشباح مليشيات حاملة طهرا خادعا وفضيلة ملوثة بدماء ضحايا اتهموا نساءً مقيمات في حيّ زيونة برصافة بغداد بممارسة الدعارة فهناك العشرات من الجرائم قبلها نحت نفس المنحى في بغداد والبصرة بشكلٍ مكثف مع ان بقية المحافظات شهدت نفس الجرائم ولكن بشكلٍ أخفّ وطأةً طوال السنوات السابقة
فما يجري في بلادي من غرائب يعسر فهمها، فانتازيا لعوب تسري في كل مرافق مجتمعنا تلبس لبوس الحرام والحلال تقودها زمرة فوّضت نفسها لتكون سلطانا علينا رغما عنّا؛ تأتيك حاملة طهارة ظاهرة لكنّ باطنها محشوة بالفساد وترفع سيفا صقيلا يتراءى انه يقطر عدلا غير انه ينزُّ دما بريئا
رجال مدججون بالسلاح يتتبعون العاهرات اللائي لا تأنس لهم ولا تستسيغ النوم معهم وينصبون شباكهم لاصطيادهنّ ونحرهن امام العيان وينظر الملأ اليهم باعتبارهم من دعاة الفضيلة وناشري الطهر وحاملي العفّة، ولكن من جانب آخر يتركون عاهراتهم اللائي يتناسلون معهنّ لتسرح وتمرح وتتناقل في حضن هذا وذاك واذا اقتضى الامر يشرعن النكاح بصيغ المتعة والمسيار فيما بينهم؛ وتدريجيا، بصمتٍ مريع وبدون اية جلَبة؛ تتجه سيوفهم لقتل النسوة الفاضلات المصونات ثمّ اتهامهنّ بالخروج عن القاعدة وممارسة الجنس مع الغرباء كذبا
وفي غارات مفاجئة حالما يفرغون من عقاب النسوة؛ يبدأون باماكن اللهو في المقاهي العامة ويمنعون النادلات من العمل وتقديم الخدمات للزبائن بتفويض من رجال دين عتاة يأتمرون بهم ثم ينسلّون الى النوادي لمنع تداول الخمر فيها ويغلقون ابوابها ومنع المرتادين من دخولها… بعد ذلك تتسع الدائرة لينتهي الامر بتحريم الفنون والآداب وكلّ مايسعد الانسان ويخنقون كل ماهو جميل وبهيّ.
يدبّون كالنمل في المؤسسات الثقافية والفنية ليعيثوا فسادا وتخريبا في كل ماهو محبب وممتع ويخرجون فتاوى التحريم ويبدأون بتطبيق طروحات العقاب والثواب وفقا لأهوائهم وأمزجتهم وشيئا فشيئا يعملون على غلقها.
هنا تبدأ المساومات واخذ الأتاوات والضرائب غير المشروعة لتفتح من جديد نوادي اللهو تحت حماية البلطجية الذين يؤمّنون ان تشرع ابوابها من جديد بعد ان استلموا المقسوم لتأمن شنّ غاراتهم.
ترى كم من باعة الخمور الذين لم يساوموا هؤلاء راحوا ضحية عملهم وقتلوا شرّ قتلة وكم من المحال تم وضع عبوات ناسفة جوارها من اجل هدمها وتخريبها بحجة تعاطي تجارة الخمور وتسويقه بين الناس واضطر الباعة الى العمل في السرّ ودسّ قناني الخمرة خلسةً هنا وهناك لتكون بعيدة عن انظارهم !!
اما عن المداهمات المفاجئة للنوادي الترفيهية فحدّث ولا حرج؛ فبين حين واخر يشمّرون عن سواعدهم ويحملون اسلحتهم ويشنون غاراتهم ومداهماتهم على حين غرّة فتتناثر المناضد وتتبعثر الكؤوس ويتم القبض على ذلك النادل الفقير وهذا الخادم المسكين ليقول الناس انهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويطهرون المدينة من اماكن احتساء الخمور وجلسات السمر التي تلهي الناس عن عبادة الله الواحد الاحد ولمَ لا طالما هم ظل الله في ارضه وقد جاؤوا لتطهير ارض الاسلام من الموبقات والشرور؟؟!!
وبعد مساومات واخذ وردّ وربما مناشدات لإصلاح ما تمّ تخريبه يعاد فتحها لتستقبل نفس زوّارها لتعود الليالي الملاح الى عهدها الاول ويلتئم شمل الندامى والاصدقاء من جديد بعد نيل ماطلبوه عبر وساطات وضغوط لانعلم من يديرها ويرتّب اعادة فتحها.
وتدريجيا يضعون ذرائع يقنع بها العامة من الناس بان الهدف من وراء ذلك محاربة العهر والفساد والعمل على تطهيرها من دعاة نشر الرذيلة فيتمّ قتل بضع عاهرات معروفات في امتهان الدعارة حتى يصل الامر الى غيرهن من اعفّ نسائنا لا لشيء الاّ لكونهن على غير دعاة راكبي موجة الاسلمة المخادعة فنفاجأ بقتل واعتقال تلك المرأة اليسارية المنحى وهذه الشابة المعارضة المثقفة وتلك الناشطة في منظمة مدنية ما وتدنيس سمعتها واتهامها بالباطل وكذا الامر يحصل لرجالنا ممن لاينصاعون لما يجري من غرائب هذا المجتمع العجيب الاطوار.
نعم انهم يبدأون بالناعم ثم ينتهي بهم الامر الى كل ماهو خشن الملمس ظنا منهم انهم ناشرو الفضيلة لكنهم يشيعون الرذيلة ويأكلون السحت الحرام ويتقبلون الرشوة لشراء سكوتهم ويغنمون النساء بائعات الهوى من اللاتي يتخوفن منهم ليبيحوا لهن التحرّك على هواهنّ بلا رقيب او حسيب.
ويبدو ان فضّ بكارة وطن ثم بيعه او ارتهانه لزناة الخارج والداخل مسموح به بينما المحظور ان تلجأ امرأة الى بيع جسدها لتؤمن لها ولعيالها زادا يقيم أودَها حتى ولو كان مغمسا بالعهر مع اننا نستهجن هذا العمل غير السويّ فالحرّة تموت ولاتؤجر جسدها أو كما يقول المثَل لاتأكل ثدييها، لكن لاأحد يسأل لماذا لجأت هذه المرأة او تلك للمحظور من السلوك غير المستقيم.
هل قمتم بتأهيل تلك النسوة وقدّمتم لهنّ مايمكن انتشالهنّ من الواقع المزري الذي يعشْنه؟؟!
بلادٌ ملأى بالأرامل والمطلقات ولامعين يشبع جوعهنّ ويقف سنَدا قائما لهنّ ولأطفالهنّ.
قولوا لي ماذا يفعلن امام حاجات حرجة وفروقات طبقية ماأنزل الله بها من سلطان وسرقات هائلة يمارسها ذوو النفوذ من سياسيين ورجال دين وشيوخ قبائل لايعبأون برعاياهم ويتركونهم عرضةً للحاجة الملحّة التي يتطلّب اشباعها وتلبيتها في هذا الزمن الذي لايحنو على قريب ولايقرب من ذي حاجةٍ ماسّة وبالاخص النسوة الضعيفات الواهنات اللائي يعشن على هامش الحياة في اقسى مواضع الاهمال واللامبالاة؟؟!
وهاهم يركضون وراء شاعر او فنان انزوى في نادٍ او مقهى ليمتع نفسَه وقتا قصيرا ويتركون اللاهثين نحو زواج المتعة او المسيار والباحثين عن المثنى والثلاث والرباع زيجات يشوبها الزنى ويلاحقون فتاة احبت فتى ليلتئما خلسة في مكان ما بعيدا عن الانظار، وينسون اوكار الدعارة السياسية وبيع بلاد بأكملها الى عاهري السياسة ويلقفون من خارج الحدود اموالا لتخريب نفوسنا لنحفر قبورنا الى مهاوي الردى وقيعان التخلف، فكل هذا جائز ومباح ومحلل عندهم.
اية مقاييس هزيلة واية موازين معوجّة نكيل بها !!!
أطال الله في عمرك عمّنا الشاعر الجليل مظفر النوّاب كنت تبكي القدس وتصرخ بملء فمك حينما دخل جناة الليل الى حجرتها فهاهي امّنا بغداد وبقية مدننا الجميلة يزنى بها من قبل اولادها الاعراب زنى المحارم وينام معها الاغراب ولا من يهتزّ هلعا ناصرا لها.
قبّحك الله ايها الزمن الوغد العاثر في مشيتك، لمَ ابقيتني حيّاً وأوصلتني الى هزيع العمر الأخير حتى ارى مما لايطاق ولا يحتمل مشاهدته؟؟؟
ويبدو لي انه حينما يرتدي الظلم أقنعة التقوى والإيمان تتكاثر الفواجع واحدة اثر أخرى.
jawadghalom@yahoo.com
المصدر ايلاف