رعد الحافظ
الحُريّة الفكريّة أغلى أنواع الحريّات عند الليبرالي .
هناك بشر لا تحتويهم آيدولوجيا بعينها , سواءً كانت دينية أو حزبية . لا تستعبدهم ثمّة فكرة بذاتها . بل تراهم ينصتون لكل مختلف .
والحقّ أقول , وجدتهم في الغرب (عموماً) يربّون أبنائهم بتلك الطريقة .
وعلى عكس ما يحدث عندنا , فلا يكبر الطفل في الغرب وهو يكره كلّ مختلف , بل يميل لمصادقة ومصاحبة المختلفين عنهُ أكثر من بني قومهِ .
( وتعالوا شوفوا الحُبّ والأشواق بين الشقراوات السويديات والشباب الأفريقي ) … ما علينا
فيما يخصّني فقد سرتُ في هذا الطريق وتقبلتهُ ووجدتُ فيه نفعاً كثيراً .
وأبسط مثال يحضرني هو موقفي من جماعة الإخوان المسلمين في مصر وكراهيتي الشديدة لطرقهم البائسة والمنافقة , في ركوب مصر وشعبها , الذين أذوب بهم حُباً .
لكن هذا لن يمنعني من الإشادة بخطاب / محمد مرسي يوم أمس , في مؤتمر عدم الإنحياز في إيران , خصوصاً ما يتعلّق بالقضيّة السورية .
عندما أعلن موقفهِ الشجاع الصريح الى جانب الشعب السوري , ضدّ قاتل شعبه / بشار الأسد .
هل تقولون لي / هذا إنفصام أو إزدواج معايير أو ما شابه ؟
أبداً , أنا يهمني الموقف أصلاً , وما يقود إليه .
وسأبقى أنقد الإخوان المسلمين و تبعاً لمسيرتهم , دون أن أشعر بتناقض الإشادة بموقف مرسي ذاك .
هذه المقدمة , هي لتوضيح لماذا أقرأ واُلخص فصل للأستاذ فؤاد النمري , رغم الخصومة الفكريّة الباديّة في عموم حواراتنا .
هذا الفصل ( بخصوص القضيّة الفلسطينية ) , من كتابه الموسوم / قضايا معاصرة في التحليل الماركسي / 2004
وجدتُ فيهِ خيطاً واضحاً للحقيقة التي يمكن البناء عليها لأجل السلام .
لأنّهُ لا يمكن البدء بأيّ خطوة مفيدة دون معرفة أخطائنا والإعتراف بسلبياتنا , وموافقتنا على التصحيح .
الإستعداد للسلام يتطلّب الشجاعة في مواجهة النفس أولاً .
************
يقول النمري في مقدمتهِ عن (( طاعون الآيدولوجيا )) ما يلي :
عزيزي القاريء
أرجو إعتبار الكتاب بين يديك صرخة إحتجاج قوية ضد إفتراس الإيديولوجيين للمواطن العربي .
اُبتليت الشعوب العربية بنكبات كارثية كثيرة لكن طاعون الإيديولوجيا كان الكارثة الأعظم على الإطلاق.
إنّها أعطبت العقل العربي وهو ما تسبب بالتالي بسائر النكبات الأخرى.
يعمل الإيديولوجي عمل القاضي المُرتشي , الذي يقرر الحكم سلفًا قبل أن يدرس حيثيات القضيّة .
أو عمل دعيّ الطب الذي لم يدرس الطب بتاتًا ومع ذلك يُسمّي المرض ويحدد العلاج , وهو لا يعرف كيف يفحص المريض.
*************
ص 144 يقول
يدّعي بعض المتأسلمين الغيبيين أن العرب وبعد أن إنهزموا هزائم كبرى متلاحقة أمام الأعداء, إكتشفوا أن الله خذلهم بسبب إبتعادهم عن طريق الإسلام.
هذا كلام لا يستحق المناقشة لأن الأعداء الذين هزموا العرب لم يعرفوا الله ولم يتعرفوا عليه.
لكن المهم في هذا السياق , وهو ما يغيب تمامًا عن دراسات المفكرين العرب الكثيرة حول هزائم وإنكسارات العرب الحديثة , هو أنّ العرب لم ينهزموا بسبب أخطائهم في إدارة الصراع .
نعم أخطاؤهم كانت كثيرة , لكن ليس من بينها البُعد عن الله .
بل إنهزموا لأن الأساس العالمي الذي قامت عليه الثورات الوطنية في كل أرجاء الأرض, ألا وهو الثورة الإشتراكية المتمثلة بالإتحاد السوفياتي , كان هذا الأساس قد بدأ يتفكك في ستينيات القرن
الماضي .
لم يقم السوفييت بحماية مصر من الضربة الإستباقية الإسرائيلية كما كانوا قد تعهدوا لعبد الناصر في 4 يونيوه 1967 .
وفي أكتوبر 1973 لم يوفروا الحماية الجوية للدبابات المصرية في معركتها فيما وراء خط الصواريخ المصرية. مع أنّهم هم الذين
كانوا قد فرضوا المعركة على (أنور السادات) بقصد تخفيف الضغط على الجبهة السورية .
ليس العرب وحدهم الذين إنهزموا !
كل العالم إنهزم . نكروما إنهزم , سوكارنو إنهزم , لومومبا إنهزم , بن بيلا إنهزم , ألليندي إنهزم , و الساندينيست إنهزم .
بل وحتى ماوتسي تونغ ( أعظم الثوريين ) إنهزم !
كل هؤلاء إنهزموا قبل العرب ومع العرب وبعد العرب .
وسبب ذلك كلّه يعود, إلى أنّ الثورة الإشتراكية في حصنها الأحصن موسكو , كانت قد إنهزمت قبل جميع المهزومين .
الإسلاميون والمتأسلمون لن يقودوا العرب إلى أي إنتصار .ذلك لأنّهم إستدرجوا الأمة إلى صراع يعتبر في علم التاريخ من أدنى الصراعات ألا وهو صراع الهويّات !
*******************
( الآن سأختصر المقطع القادم )
المتأسلمون يحرصون ليكون صراعهم صراع هويّات .
لأنّ أيّ صراع آخر ذي بُعد إجتماعي أو طبقي من شأنه أن يدفع بهم إلى خارج الحلبة نظرًا لأنهم يفتقدون لأي مشروع إجتماعي.
إنهم لا يمتلكون من مفردات المشروع الإجتماعي التنموي الذي هو
الهدف الأول والأخير لصراع الأمم والشعوب اليومي سوى ( العدالة ) .
ومفهوم العدالة غائم غير واضح الحدود .إستخدمهُ حتى المغامرين بمصائر شعوبهم والمتسلطين على رقابها والناهبين لثرواتها .
****************
يعلم الإسلاميون والمتأسلمون جيداً أن الغرب الذي يجيّشون جيوشهم عليه اليوم , ليس بذي دين . وهو لذلك لا يحفل مطلقًا إذا ما تعّلق المسلمون بدينهم , أم لم يتعلقوا .
بل الغرب نفسه يحّض المسلمين على التعلّق بحبال الدين مستهدفًا إبعادهم عن الشيوعية .
وكم من دولة عميلة للغرب جعلت من نفسها وكيل الله على الأرض! وأخيرًا ما لا بدّ أن يأخذه الإسلاميون والمتأسلمون بعين الإعتبار هو
أن حملة الأسلمة التي يقودونها ستصير إلى الفشل المحقق.
وإّذاك سيرتد المسلمون على إسلام هؤلاء المتأسلمين, وبذلك يكون هؤلاء قد أضرّوا بالدين ضررًا سيندمون عليه, ولاتَ ساعة مندم !
************
في الجزء القادم / يقول النمري
للإمبريالية دور(( رئيسي )) في صناعة وإنتاج القضية الفلسطينية .
لكن للعرب دور (( أساسي)) في صناعتها وإنتاجها .
والدور الأساسي يسبق الدور الرئيسي, طالما أن الأول هو
من يرسي الأساس, الذي بدونهِ لما استطاعت الإمبريالية أن تبني شيئًا إسمه القضية الفلسطينية .
ويتحدث عن ثقافة العرب والمسلمين الإقصائية للأخر الى حدّ الإفناء .
وينتهي بفكرتهِ ( المثيرة للجدل ) , في الحلّ .
تحياتي لكم
رعد الحافظ
31 / 08 / 2012