\الانسان … كمان نعرفه… هو نتاج علاقته مع الآخرين … و رغم ان هذه العلاقة لاشك قد شابها الكثير من الصراع في لحظات تاريخية … الا ان ديمومة الحياة لابد ان تعلمنا ان قيمة اللقاء و التعاون و التضامن كانت و مازالت هي ميكانيزما التطور و النمو و البقاء…
و اعتقد ان هذه الفلسفة كانت القوة الدافعة وراء طرح فكرة الملتقى الأفريقي للثقافات حيث استضافت أسوان … المدينة الساحرة في جنوب مصر…. الملتقى الثالث من 12-17 من هذا الشهر…
و حيث انني كنت احد المدعوين لحضور الملتقى لأول مرة…. فإنني أنبهرت بشكل كبير بالمستوى العالي للتنظيم رغم الإمكانيات المتواضعة في هذه المدينة التي غدت تعاني بشكل واضح من قلة تدفق عدد السائحين و بالتالي تدني مستوى صناعة السياحة التي تعاني منها مصر بشكل عام في العقدين الاخيرين بسبب موجة العنف السياسي او ما يسمى الاٍرهاب الذي يجتاح مناطق شاسعة من العالم….
ربما إذن الرسالة الاولى وراء اختيار أسوان هي خلق فضاء اخر اكثر سلماً و أماناً بعيداً عن الصورة النمطية للعنف و عدم الاستقرار … ( سنتحدث عن أسوان و السياحة في مصر في احدى المقالات ضمن هذه السلسلة )..
اما الرسائل الاخرى و الأكثر اهمية فإنها تتعلق بمستقبل افريقيا و دور مصر في خلق نقلة نوعية.. ليس فقط في العلاقات العربية الافريقية .. إنما ايضا في خلق رؤية افريقية جديدة في العلاقة مع العالم و دور افريقيا في تغيير موازين العلاقات في النظام العالمي (مداخلتي الشخصية التي سأعرض لها لاحقا كانت بعنوان “افريقيا الاخرى” )…
لكن هل يمكن بناء أية استرتيجية تغييرية دون وضع الأسس الأولية لها..؟؟.. اعتقد ان هذا هو السؤال الذي كان يدور في رأس كل الذين طرحوا فكرة الملتقى… و حتى يصلوا الى القاع… او الأساس الأولي للبنية الثقافية الاجتماعية فانه تم إطلاق عنوان الثقافات الشعبية… و هي الفضاءات الاساسية التي يدور فيها الجميع بغض النظر عن المستوى التعليمي و المناصب و غيرها… و في هذه الفضاءات الاساسية يمكن خلق اليات فعالة للتغييرات الجوهرية في رؤية الذات و العالم المحيط…
و اعتقد مرة اخرى ان أسوان تمثل خيارا واقعيا لتكون منتصف الطريق لملتقى كل افريقيا و بوابة افريقيا الى العالم … فالإساس الاجتماعي الثقافي في المدينة يتكون من عناصر أنثروبولوجية و تاريخية لمختلف الثقافات و التجارب الحضارية التاريخية منها و الحديثة … كما ان هذه المدينة الساحرة بمناظرها الخلابة تشكل نقطة التقاء شرايين النيل مع مخيال الانسان لتنسج الأحلام عن ديمومة الحياة و جمالها…
اسوان … إذن تمثل بشكل ما… روح التواصل بين رحلة الانسان الاول من افريقيا الى العالم .. و رحلة اعادة بناء العالم برؤية افريقية جديدة للعلاقة بين الانسان و الكون..
و مع كل الاحترام للبدائل المطروحة من قبل زملاء باحثين و مفكرين اخرين … الا ان اختيار اسوان مقرا و مستقرا دائما للقاء الأفريقي يمثل فكرة رائدة و منطلقاً حيوياً لتقريب افريقيا من العالم و خلق ثغرة في جدار القصر العاجي او البنية الجغرافية و السياسية للقوى المهيمنة في العالم….
و دور مصر هنا لا يمكن اختزاله في الرؤية الوطنية التقليدية إنما لابد انه يتجاوز ذلك الى مشروع يمتد عبر افريقيا و الشرق الأوسط ليشكل محوراً رئيساً في اعادة بناء العلاقات بين المجتمعات على المستوى الدولي…
من هنا يمكن لأفريقيا ان تخرج من قوقعتها التي وضعتها فيها التجارب الاستعمارية المتعددة عبر التاريخ و تقدم مشروعها الحضاري البديل للانسانية التي تواجه انحدارا هائلا و متسارعا في رؤاها حول مفاهيم الحياة و قيمها و في مستوى العلاقة الجدلية بين الانسان و الطبيعة …
بكلام اخر… الأفريقي القادم من اعماق البنية التكوينية للانسان يمكنه ان يعيد رسم خريطة البقاء للانسان في هذا الكون ….
في هذه المقالة ارتأينا ان نقدم صورة عامة تمثل حلم الانسان الأفريقي لعالم مختلف… فشكرا لكل من ساهم في طرح الفكرة و تحويلها الى مشروع واقعي … وزارة الثقافة في مصر و السيد الوزير حلمي النمنم…و كتيبة الشباب الفعالة في المجلس الأعلى للثقافة و رمز افريقيا الدكتور حلمي شعراوي و كل الزميلات و الزملاء في الجامعات و مراكز البحوث و الدراسات في مصر و العديد من الدول الافريقية…
في المقالات اللاحقة سنطرح تساؤلات كثيرة و نحاول ان نناقشها من خلال نظرة نقدية لواقع افريقيا و دور مصر و امكانيات تطوير الملتقى … حبي للجميع..