منقول
اختلف المؤرخون التراثيون في مقتل (غيلان الدمشقي)، فصاحب كتاب (المنية والأمل) – (ابن المرتضى) الذي يتعاطف معه، والذي يبدو انه كان متحاملا على الأمويين، كتب عنه رواية بطولية يقول فيها : (دعا عمرُ غيلانَ وقال: أعنّي على ما أنا فيه، فقال غيلان: ولـّني بيع الخزائن ورد المظالم، فولاّه، فكان يبيعها وينادي عليها ويقول: تعالوا إلى متاع الخونة، تعالوا إلى متاع الظـَلـَمة، تعالوا إلى متاع من خـَلـَف الرسول في أمته بغير سنته وسيرته. وكان فيما نادى عليه جوارب خـز، فبلغ ثمنها ثلاثين ألف درهم، وقد أئتكل بعضها، فقال غيلان: من يعذرني ممن يزعم أن هؤلاء كانوا أئمة هدى وهذا يأتكل والناس يموتون من الجوع؟. فمر به هشام بن عبد الملك، قال : أرى هذا يعيبني ويعيب آبائي. والله إن ظفرتُ به لأقطّعن يديه ورجليه. فلما ولي هشام خرج غيلان وصاحبه صالح إلى أرمينية، فأرسل هشام في طلبهما. فجيء بهما فحبسهما أياماً، ثم أخرهما وقطع أيديهما وأرجلهما، وقال لغيلان: كيف ترى ما صنع بك ربُّك؟ فالتفت غيلان، فقال: لعن الله من فعل بي هذا. واستسقى صاحبُه، فقال بعضُ من حضر: لا نسقيكم حتى
تشربوا من الزقوم. فقال غيلان لصالح: يزعم هؤلاء أنهم لا يسبقوننا حتى نشرب من الزقوم. ولعمري لئن كانوا صدقوا فان الذي نحن فيه يسيرُ في جنَب ما نصير إليه بعد ساعة من عذاب الله . ولئن كانوا كذبوا فان الذي نحن فيه يسبر في جنب ما نصير إليه بعد ساعةٍ من رَوْح الله. فاصبر يا صالح. ثم مات صالح، وصلى عليه غيلان، ثم أقبل على الناس وقال: قاتلهم الله، كم من حق أماتوه، وكم من باطل قد أحيوه، وكم من ذليل في دين الله أعزوّه، وكم من عزيز في دين الله أذلوه. فقيل لهشام: قطعتَ يدي غيلان ورجليه وأطلقت لسانه، إنه قد بكّى الناس، ونبههم على ما كانوا عنه غافلين. فأرسل إليه من قطع لسانه، فمات، رحمه الله تعالى). ومن الواضح هناك تخيل أو تصوير درامي لطريقة مقتله، لكن في جميع الأحوال أنه قتل بطريقة بشعة.
بيد أن (ابن الأثير) في (الكامل في التاريخ) و(الطبري) في (تاريخ الأمم والملوك) و(ابن كثير) في (البداية والنهاية) ، يروون طريقة مقتله بطريقة أخرى، حيث يتفقون بأنه أحضره بين يديه وحاججه من خلال ميمون بن مهران، فلما لم يستطع الإجابة أمر هشام بقتله، بقطع يديه ورجليه. لكن ليس المهم لدينا تفاصيل مقتله، المهم الثابت من خلال جميع الروايات أنه قتل بسبب أفكاره المعارضة للأيديولوجية السائدة، أيديولوجيا السلطة. كما أن جميع الروايات تتفق بأنه (غيلان الدمشقي) كان يقول بأن الله ليس هو خالق أفعال المعصية، بل الإنسان هو صانعها، وهو المسؤول عنها.