مقتطفات مُختارة من كتاب [هكذا تكلّم زرادشت ]
ل فريدريك نيتشه ,ترجمة عن الألمانية :علي مصباح
الذي ينبّه على العنوان الثانوي وهو :(( كتاب للجميع ولغيرِ أحد )) !
ناهيك عن أهميّة الكتاب,فأنا أختصره لأجل أبنائنا الذين لايملكون متسع من الوقت ليقرؤوا كتاب من 600 صفحة ,في هذا الزمان المليء بالبدائل من كلّ الأنواع !
مقدمة :
فردريك نيتشه ( 1844 ــ 1900) فيلسوف وشاعر ألماني شهير , أشهر من نار على علم .مَهّد في كتاباتهِ لعلم النفس الحديث .
سُميّ لاحقاً (بالفيلسوف المُختَلَف عليه) لكثرة الآراء المتضادة في كتاباتهِ وفلسفتهِ !
كان لغوياً قلّ نظيره ,وهو يعرف قدرتهِ اللغوية جيّداً .
رغم ذلك قال مرّة :[ إنّ قومه الألمان هم آخر مَنْ يُمكنهم أن يفهموه ]
في كتابهِ (هذا هو الإنسان) هناك فقرة كاملة يتناول فيها نيتشه علاقتهِ باللغة .ويصف فيها بلغة شعرية رائعة هذه الحالة .. حالة الكتابة !
يقول :
[هل لأحدٍ في نهاية القرن التاسع عشر فكرة واضحة عمّا كان شعراء العصور الوسطى يسمونهُ بالإلهام ؟ إنْ لا ؟ فسأشرح هنا هذا الأمر .
يكفي أن يكون المرء حاملاً بعد لشيءٍ ولو ضئيل من الإعتقاد الخرافي كي لا يستطيع الإمتناع عن الإعتقاد بأنّهُ مُجرّد مُثول ,مجرّد قناة صوتيّة ,مجرد وسيط لقوى فوقبشرية عظمى ] .
وعن ( تسمية كتابه / هكذا تكلّمَ زرادشت ) يقول نيتشه مايلي :
لا أحد سألني وكان من المفروض أن اُسأل عمّا يعنيه على لساني ,أيّ على لسان اللاأخلاقي الأوّل إسم زرادشت .
الى أن يقول : إنّ زرادشت يمتلك من الشجاعة ما يفوق شجاعة كلّ المفكرين مُجتمعين .
التكلّم بالحقائق وإتقان الرماية تلك هي الفضيلة الفارسية ,هل فهمتموني ؟
تجاوز الأخلاق لذاتها من منطلق الصدق .
وتجاوز الأخلاقي لذاتهِ ليحل في نقيضهِ .. ( فيّ أنا ) .
ذلك هو مايعنيه إسم زرادشت على لساني !
وفي 20 أبريل 1883 كتب نيتشه لصديقته (مالفيلدا فون مايزن بورغ)
يُخبرها عن إنجاز كتابهِ الأثير (الذي نحنُ بصددهِ) هكذا تكلّم زرادشت فيقول :
[ إنّها قصّة رائعة ! لقد تحدّيتُ كلّ الديانات ووضعتُ كتاباً مُقدَساً جديداً
وبكلّ جدية أقول إنّهُ على غاية من الجدّ . كما لم يسبق لكتابٍ آخر أن كان . وإنْ كان قد إستوعب الضحك وأدمجهُ داخل الدين ! ]
ومرّة وصفَ الإنتظار والتأهّب فقال عنهُ :
[ إنتظار أن تنبثق منابع جديدة ,أن ينتظر المرء عطشه , ويتركهُ حتى يصل الى أقصى مداه ,كي يكتشف منبعه ]
***
في الواقع أنّ (نيتشه) كان يعرف قيمة فلسفتهِ وكتاباته .ولم يكن يشكو من معضلة (التواضع المُصطَنع) يقول عن نفسه :
الغدُ سيكون لي ,بعض الرجال يولدون بعد مماتهم !
ويقول : أنا عبوة ديناميت !
ويقول في(الأنسان المجنون 1882): وُلِدتُ مُبكراً أنا لستُ لهذا الزمان!
ويقول في كتاب (( هو ذا الإنسان )) :
حقاً أنّي أعرفُ أصلي ,نهم لا أشبع ,أتوّهج آكلُ نفسي كاللهب المحترق نوراً يُصبح ما أمسكهُ ,فحماً ما أتركهُ .حقاً أنّي لهب مُحرِق !
ويسخر بشدّة ممن يسمّون أنفسهم قديسين ,فيقول في نفس الكتاب :
لا اُريد أن أكون قديساً ,بل اُفضّل أن أكونَ مُهرّجاً ,ولعلّني بالفعل إضحوكة !
ويقول :
حيثما تكون هناك حياة تكون هناك إرادة أيضاً .لكن ليست إرادة الحياة بل وهذا ما اُعلّمكَ إياه ,إرادة القوة !
في مقدمتهِ ,يقول المترجم علي مصباح ص 17
[ .. للكلماتِ أنفاس وشهقات مكتوبة وإيماءات خجولة .
أحياناً مستترة غاية التستّر ,متمنّعة متغنجة !
والكاتب المُبدع هو ذلك الذي يُغازل اللغة ويُراودها ويتوسلها حتى تنتهي الى الإنقيادِ إليه .
وعندما ينجح الكاتب في إستمالة اللغة ,عندها فقط يتحوّل الى قناة ووسيط تنهالُ عليه المعاني موكباً مرحاً مُعربداً من الكلمات والصور والإستعارات فيما يشبه حالة من الغيبوبة على حدّ وصف نيتشه ]
والآن أترككم مع شذرات جميلة من فلسفة نيتشه في(هكذا تكلّم زرادشت)
وهو في الواقع أربع كُتب في كتاب واحد ,حسب تقسيم مؤلفهِ !
*****
في ديباجة الكتاب / ص 36 يقول :
على الحكمة أن تكون مثل الشمس تشّع على الجميع . وأن يكون بوسعها أن تقذف ولو بشعاعٍ باهت على أكثر الأنفس حطّة وإتضاعاً !
ص 48 / ينظر الى جموع الشعب أمامه ويُخاطب نفسه :
إنّهم لا يفهموني , لستُ الفم الذي يصلح لهذهِ الآذان !
أينبغي ان يُقرقِع المرء بمثلِ دوّي الطبول وخُطَب وعّاظ الكفارات ,أم تراهم لا يُصدّقون سوى لجلجةِ المتلعثمين ؟
ص 49
(لقد إبتكرنا السعادة) يقول البشر الأخيرون ويغمزون بأعينهم .
ص 50
مايزال المرء يعمل ,فالعمل تسلية في النهاية .
لكن مع الحرص على أن لا تكون التسلية مُرهقة !
***
لن يغدو الإنسان فقيراً ولا غنيّاً , فكلا الأمرين مُرهِقان .
مَنْ تُراهُ يريد بعدها أن يحكُم ؟ ومَنْ سيُطيع ؟ كلا الأمرين مُرهقان !
***
(فيما مضى كان العالم بأكملهِ أحمق ) ,يقول الأكثرُ لباقةً من غيرهم ويغمزون بأعينهم .
ص 51 / يصف ما حدثَ للبهلوان :
لكن ها قد حدثَ شيء ألجَمَ الألسن وأجحظَ كلّ العيون .
حدث ذلك عندما أضاع البلهلوان الحبل والعقل معاً ,عندما تخطّاهُ بهلوان آخر شاب .فرمى من يديهِ قضيب التوازن ,وهوى في الفراغ .
فسقطَ الجسدُ مُنسحقاً مُحطماً .. لكن غير ميّت بعد !
ص 52
منذُ زمن طويل كنتُ أعرف أنّ الشيطان يعّد لي مقلباً ,قال البهلوان .
فأجابهُ زرادشت : لا شيطانَ هناك ولا جحيم !
إنّ روحكَ سيسرع إليها الموت قبلَ جسدكَ , فلا تخشى شيئاً إذاً .
ص 54
(الكلام يدور حول ..جثّة وحفّار قبور وحيّ يقفز فوق ميّت )
لصاً سيسمي الرعاة زرادشت .
رُعاةً أقول ,لكنّهم يدعون أنفسهم بالصالحين والعادلين ,والمؤمنين بالعقيدة الحقّ .
ص 57
إنّهم يحقدون أكثر من أيّ شيء آخر على ذلك الذي يكسر ألواح قيمهم القديمة .يدعونهُ المخرّب المجرم . لكن ذلكَ هو المُبدِع !
رفاقاً يُريد المبدع ,لا جُثثاً ولا قطعاناً ,ومؤمنين أيضاً .
رفاق إبداع يريدُ المبدع , يخطّون قيم جديدة على ألواح جديدة .
رِفاقاً يُريد المُبدِع ,أؤلئك الذين يعرفون كيف يشحذون مناجلهم .
مُخرّبين سيدعونهم الناس ,ومُستهزئين بالخيرِ والشّر .
لكنّهم ,هم الحاصدون والمحتفلون بالعيد !
رفاق إبداع يريد زرادشت ,رفاق حصاد ورفاق إحتفال بالعيد .
ما الذي سيصنعهُ مع القُطعان والرُعاة والجثث ؟
لا راعٍ ولا حفّار قبور ينبغي عليّ أن أكون .
هذهِ آخر مرّة أتحدّث فيها الى ميّت !!!
***
ص 58
أريد أن أنضم الى المُبدعين والحاصدين والمُحتفلين بالعيد .
أريد أن اُريهم قوسَ قُزَح .
وكلّ درجات سلّم الإنسان الأعلى .
***
إذا ما تخلّى عنّي ذكائي في يومٍ ما , اُفٍ إنّهُ ليحب أن يهرب منّي هكذا .
فلترافق نخوتي طيرانَ جنوني إذاً .
هكذا بدأ اُفول زرادشت !
***
خُطَب زرادشت عن التحوّلات الثلاث :
ومن أجل ان نُجرّب المُجرّب ..(ينبغي عليك) يُدعى التنين الأكبر .
والذي لم يعُد يرغب فيه العقل سيّداً .
***
ص 67
إنّ علاقات محدودة أحّبُ إليّ من رفقةِ السوء ,لكن على أن تأتي وتمضي في الوقت المناسب . ذلك ما يتلائم ونوماً جيداً .
إنّي اُفكّرُ في ما فعلتُ طيلة نهاري وما فكّرتُ بهِ
ماهي التجاوزات العشرة ليومكَ ؟
ماهي المُصالحات العشرة والحقائق العشرة والضحكات العشرة
التي أدخلت السرور على قلبك ؟
مُمحّصاً هكذا ومُهدهداً بأربعينَ خاطرة ,يُداهمني النوم دفعة واحدة
ذاكَ الذي لم أطلبهُ .. سيّد الفضائل كلّها !
***
عن المُستهينين بالجسد/ ص 75 يقول :
جَسَدٌ وروحٌ أنا , هكذا يتكلّم الطفل .
ولِمَ لا ينبغي على الناس أن يتكلموا مثل الأطفال ؟
لكن اليقظ العارِف يقول : جسدٌ أنا بكلّي وكليّتي ,لا شيء غير ذلك .
وليست الروح سوى كلمة لتسمية شيئاً ما في الجسد !
***
أداة لجسدكَ هو عقلك الصغير ,هذا الذي تُسميّهِ روحاً .
أدوات ولُعَبْ هما الحسّ والعقل ,خلفهما تكمن الذات .
ذاتكَ تسخر من أناك ومن قفزاتها المزهوّة .
تقول الذات للأنا : ذوقي الآن ألماً !
فتتألّم الأنا وتشرع في التفكير بوسيلة لدرء الألم .
ومن أجل هذا يكون عليها أن تُفكّر .
ثمّ تقول الذات للأنا : ذوقي الآن لذّة !
فتتلذّذ وتشرع في التفكير بوسيلة تعيد لها مِراراً هذهِ اللذّة .
ص 77
ذاتكم تريد أن تهلك وتضمحّل , لذلك غدوتم مُستهينين بالجسد .
ولذلك تصبّون الآن جام غضبكم على الحياة والأرض .
حسدٌ سرّي يكمن في النظرات الشزراء لإحتقاركم .
ص 87
إنّها الحقيقة إنّنا نحّب الحياة .
لا لأنّنا تعوّدنا الحياة ,بل لأنّنا تعوّدنا الحُبّ !
ص 94
مليئة هي الأرض بالفائضين عن اللزوم ,والحياة قد داخَلها الفساد بسبب هذا الفائض من الفائضين .
ص 96
هؤلاء الذين ليسوا كباراً كفاية كي لا تعرف قلوبهم الحقد والحسَدْ .
ص 100
ينبغي أن لا يكون لكم أعداء ,إلاّ أؤلئكَ الذين يدعون الى الحقد !
ص 152
ليست حكمة آلاف السنين وحدها هي التي نتوارثها و تتدفق داخلنا
بل حمقها أيضاً ,ولكم هو خطير أن يكون المرء وريثاً !
ص 153
في المعرفة يتطهّر الجسد ,وفي المجاهدة من أجل المعرفة يرتقي العارف بنفسهِ .مُقدّسة تغدو كلّ الغرائز لدى العارف .
والذي بلغَ السمّو مرحة تغدو روحهُ !!!
ص 155
إنّها لمكافأة رديئة للمعلّم أن يظّل المرء على الدوام مجرّد تلميذ .
فَلِمَ لا تريدون تمزيق إكليلي ؟ (هكذا تكلّم زرادشت )
ص 161
أي زرادشت , خاطبني الطفل قائلاً : إنظُر الى نفسك في المرآة .
لكنّني عندما نظرتُ في المرآة صرختُ وقد إرتّجَ قلبي هلعاً .
إذ لم أرَ نفسي هناك ,بل وجهاً بشعاً لشيطان وتكشيرة ساخرة .
ص 162
ضاعَ منّي أصدقائي والآن حانت ساعةُ البحث عن أؤلئك الذين أضعتهم!
ص 164
لَكَمْ أحبّ الآن كلّ واحد أستطيع التحدّث إليه ,أعدائي هم أيضاً جزء من غبطتي .
***
ص 171 ,عن أهل الشَفَقَة يقول :
خجلٌ خجلٌ خجلْ , ذلك هو تأريخ البشرية .
لذلك آلى النبيلُ على نفسهِ أن لا يُشعِر أحداً بالخجل .
إنّهُ يُلزِم نفسه بمراعاة الحياء أمام كلّ مَنْ يتألّم .
***
ص 172
منذُ أن كان هناك بَشراً على وجه الأرض ,لم يكُن للإنسان أن يفرح إلاّ لماماً .
وكلّما تعلمنا كيف نفرح أكثر ,إلاّ ونسينا أكثر كيف نؤلِم وكيف نبتدع ضروباً من إيلام الآخرين !
***
إنّ أعمالَ الفضل الكبيرة لا توّلِد الإعتراف بالجميل, بل التعطّش للإنتقام!
( لماذا أتذّكر بعض المهاجرين الى الغرب ؟ رعد الحافظ )
***
ص 173
أمّا الشحاذون فينبغي أن يضمحلوا كلياً .
حقاً إنّ الإنسان لينزعج إذا ما منحهم شيئاً ,وينزعج إذا لم يمنحهم !
كذلك هو الأمر مع أصحاب الخطايا والضمائر القلقة .
صدّقوني إنّ لسعات تأنيب الضمير هي تدريب على العضّ !
لكن أسوء من كلّ هذا هي الأفكار الحقيرة .
حقاً أقولُ لكم ,إنّهُ من الأفضل أن يعمل المرء شراً من أن يُفكّر بحقارة .
أكيد أنّكم تقولون :
(إنّ متعة الشرور الصغيرة توّفر علينا بعض أعمال شرّ كبيرة)
لكن في هذا المجال لا ينبغي أن يُريد المرء توفيراً .
لكن الفكرة الحقيرة مثل الفِطرْ . تتسلّل وتندّس ولا تريد ان تكون في مكان بعينهِ .
***
أمّا مَنْ كان مسكوناً بشيطان فإنّني أهمسُ لهُ بهذهِ الكلمة :
(( أولى بكَ وأجدَر , أن ترعى نمّو شيطانك , فأمامَكَ أنتَ أيضاً ما تزال هناك بعد ,طريق للعظمة ))
صعبٌ هو العيش بين البشر ,لأنّ الصمت صعب !
***
ص 174
إذا كان لكَ صديق يتألّم ,فلتكن ملجأ إستراحة لألمهِ .
على أن تكون في الوقتِ نفسه سريراً خشناً ,سرير مُعسكَر!
هكذا يمكن لك أن تساعدهُ على أفضل وجه .
وإذا ما أساءَ إليكَ صديق فليكن قولكَ هكذا :
إنّني أغفر لكَ ما فعلتهُ معي .
لكن كيف لي أن أغفِر لكَ هذا الذي فعلتهُ بنفسكَ ؟
هكذا تتكلّم كلّ محبة كُبرى .
إنّها تتغلّب حتى على المغفرة وعلى الشفقة .
على المرء أن يُمسِك بعنان قلبهِ ,لأنّهُ إذا ما أطلقهُ فسرعان ما سيلعب بعقلهِ .
***
ويلٌ لكلّ المُحبّين الذين ليس لهم من سمّو يعلو على منزلة شفقتهم .
هكذا خاطبني الشيطان ذات مرّة : (للرّب أيضاً جحيمه إنّها محبتهِ للبشر)
ومؤخراً سمعتهُ يقول : (إنّ الله قد مات .جرّاء محبتهِ للبشر ,مات الله !)
***
ص 177
عن المُخلصّين يقول :
آهٍ , ليتهم يجدون مَنْ يُخلصّهم مِنْ مُخلصهم !
ص 179
الحقُ أقول لكم ,إنّ مُخلصيهم أنفسهم ليسوا قادمين من فضاء الحُريّة .
من فجواتٍ قد لُفّقَ عقل هؤلاء المُخلصين .
لكنّهم في كلّ فجوة وضعوا فكرتهم الوهمية .
سدّاد فجواتهم ذلك الذي أسمّوه إلهاً !
بحماسٍ متوقّد كانوا يقودون قطعانهم على دربهم زاعقين .
كما لو أنّهُ ليس هناك سوى درب واحد يقود الى المُستقبل .
الحق أقولُ لكم ,إنّ هؤلاء الرُعاة هم أيضاً من فصيلةِ الخرفان !
آثار من دمٍ كانوا يخطّون على الدربِ التي يسلكونها .
وكانت تعاليم جنونهم تقول : إنّما بالدّمِ يتّم إثبات الحقيقة .
لكن الدم هو أسوء شاهد على الحقيقة !
إنّ الدمَ يُسمّم أنقى التعاليم ,يجعل منها جنوناً وحقداً يُعمران القلوب .
وعندما يلقي الواحدُ بنفسهِ في النار من أجلِ مذهبهِ ,
فأيّ شيء يعني هذا الصنيع ؟
الحقّ أقولُ لكَ , إنّهُ لأفضل أن يكون لهيبكَ الخاص هو منبع مذهبكَ !
(نيتشه يُشير الى خطل الفكرة القائلة / أنّ الشهادة هي التي تُقيم الدليل على صحّة قضيّة ما / المترجم علي مصباح)
عليكم أن تخلصّوا أنفسكم من أكبر مُخلّص من بين هؤلاءالمخلصين ,إذا أردتم أن تجدوا طريقكم الى الحُريّة .
***
عن الفضلاء / ص 182
رعوداً و صواعق ,يجب أن يتكلّم المرء الى الحواس المرتخية النائمة .
***
تُريدون أن يكون لكم أجراً أيّها الفُضلاء .
تُريدون جَزاءً على فضيلتكم وسماءً مقابل الأرض .
وخلوداً مقابل يومكم هذا .
ها أنتم تسخطون عليّ الآن ,لأنّي أعلم أن لا مُحاسِب ولا مُوزّع اُجور هناك .
إنّي لا أعلم حتى بأنّ للفضيلة جزاء في ذاتها .
أوّاه ,هذا الذي يُحزنني : في عمقِ الأشياء دُسّت إكذوبة الثواب والعقاب !
ص 183
إذ هذهِ هي حقيقتكم أيّها الفُضلاء
أنتم أكثرُ نقاءً من أن تتلوثوا بقذارة هذهِ الكلمات:
إنتقام ,عقاب ,جزاء ,ثأر !
تحبّون فضيلتكم محبة اُمّ لطفلها .
لكن متى سمعتم باُم تبتغي أجراً على حبّها ؟
***
لكن هناك أيضاً أؤلئك الذين لا تعدو فضيلتهم كونها تشنجاً تحت لذع السياط . ولكَمْ سمعتم من صرخات هذهِ الفضيلة !
ص 184
آخرون يشعرون بالفخرِ لنزرٍ قليل من عدالة لديهم .
يقترفون بسببه ضروباً من الشنائع في حقّ الأشياء كلّها ,الى أن يغرق العالم بكليّتهِ في مظالمهم .
لكَمْ هي مقرفة عبارة (فضيلة) وهي تَسري على أفواههم .
عندما يقول أحدهم : (أنا عادل)
فإنّ لكلمتهِ تلك دوماً وَقع .. (إقتصصتُ لنفسي) !
ص 185
بفضيلتهم يريدون أن يفقؤوا عينيّ عدوّهم ,هم لا ينهضون إلاّ لكي يحطوّا من منزلة غيرهم !
***
عن الرعاع / ص 188
إنّ الحياة هي نبع مسرّة ,لكن حيثما يكرع الرعاع تتسمّم كلّ الآبار !
ص 189
بل حدثَ لي أن تسائلتُ وكدتُ أختنق بسؤالي :
ماذا ,هل الحياة بحاجة الى الرعاع أيضاً ؟
ص 190
مثل مُعاقٍ أصّم وأعمى وأخرس أصبحتُ
هكذا كان عليّ أن أحيا لزمن طويل ,كي أظلّ بعيداً عن رعاع السلطة والكتابة والرغبة ! هكذا تكلّم زرادشت
ص 192
إيّاكُم والبصاق في وجه الريح !
***
عن العناكب
(إنّ العدالة تعني لدينا أن تغمرَ العالم عواصفَ إنتقامنا)
هكذا تتحدّث العناكب فيما بينها .
(إنتقاماً نريد أن نُنزِل بكلّ الذين ليسوا مثلنا , ونغمرهم بالشتائم)
ذلك هو الوعد الذي يأخذهُ ذوو قلوب العناكب على أنفسهم !
***
ص 196
لترتابوا أكثر من كلّ أؤلئك الذين يُكثرون من الكلام عن عدالتهم !
***
لا أوّد أن اُمزَج بدعاة المساواة ,ولا أن يُخلَط بيني وبينهم .
إذ هكذا تُحدّثني العدالة (الناس ليسوا سواسية)
ولا ينبغي لهم أيضاً أن يُصبحوا كذلك !
***
ص 200 / عن مشاهير الحكماء يقول :
لكن الذي يكون مكروهاً من الشعب (كالذئب لدى الكلاب) هو العقل الحُرّ عدّو القيود ,المُدبِر عن العبادة ,الساكن في الأدغال .
مطاردتهِ وإجلاؤهِ عن مخدعهِ ذلك ما يعني لدى الشعب (حِسّاً بالعدالة)
إذاً هنا تكمن الحقيقة : إذا كان الشعبُ هنا ,ويلٌ للسالكِ دروب البحث !
*****
ص 202
أردتم إقرار الصواب لشعبكم في عبادتهِ وسميّتم ذلك (إرادة الحقيقة) يا معشر مشاهير الحُكماء .والآن وددتُ لو تلقوا عنكم أخيراً جلد الأسد كلياً جلد االحيوان المُفترس,الجلد المُزوّق وفروة المُستطلع ,الباحث,الغازي !
ص 204
العقل هو الحياة التي تجترح نفسها في الحياة .
وفي المُعاناة الخاصّة ,تنمو المعرفة الخاصة .
هل علمتم بهذا الأمر من قَبلْ ؟
إنّ سعادة العقل هي هذهِ :
أن يكون مُضمّخاً بالدهن ومُعمّداً بالدموع ,من أجل أن يكون اُضحية !
***
إنّ عماءَ الأعمى وبحثهِ وتلمّسهِ ,ليست سوى الدليل الشاهِد على قوّة الشمس التي يُحدّق فيها .هل علمتم بهذا الأمر من قبل ؟
***
ص 206
مَنْ لم يكُن طائراً ,لا يحّق لهُ أن يبني عشّهُ فوق الهُوى السحيقة !
ص 212
لا تتوقفنّ عن الرقص أيتّها الفتيات اللطيفات .
ليسَ مُفسِد أفراحٍ ذا عين سوء يُقبِل عليكم هُنا , ولاعدواً للفتيات !
ص 215
عندما سألتني الحياة ذات مرّة : مَنْ هي إذاً هذهِ الحكمة ؟
أجبتها بحماس : آ .. طبعاً الحكمة .
يتعطّش المرء إليها ,ولا يرتوي أبداً .
ينظرُ المرء إليها من خِلال حُجُبْ
ويُلاحقها بشِباكْ , طمعاً في القبضِ عليها !
هل هي جميلة ؟ وما أدراني بذلك .
لكن متقلّبة هي وحرون .
وكثيراً ما رأيتها تعّض على شفتيها ,وتأتي الأمور بعكس ,مثلَ الوَبَرْ !
ص 217
آهٍ يا أصدقائي , إنّهُ المساء هذا الذي يسألُ من داخلي .
لتغفروا لي حُزني .
لقد حلّ المساء !
لتغفروا لي حلول المساء .. هكذا تكلّم زرادشت !
ص 230
هناك دوماً بيتاً للبناء على الأنقاض !
ص 232
وتقولون لي أيّها الأصدقاء إنّ مسائل الذوق والألوان لا تخضع للجدال لكن الحياة كلّها خِصام حولَ مسائل الذوق والألوان !
ص 233 / عن ذي المقام الرفيع يقول :
معرفتهِ لم تتعلّم الضحك بعد ,وأن تكون بلا حسد .
صبوتهِ الجيّاشة لم تركن بعد الى السكون في الجَمال .
حقاً أقولُ لكم : ليس في الشَبَعْ ينبغي أن تسكن رغبتهِ وتندثر ,بل في الجَمال .ذلك أنّ الحُسن جزء من سماحة الأنفس العظيمة !
باسطاً ذراعه فوق رأسهِ ,هكذا ينبغي على البطَل أن يستريح
وهكذا عليهِ أن يتجاوز إستراحتهِ أيضاً !
ص 234
إنّ الجمال يستعصي على كلّ إرادة عنيفة .
***
عندما تغدو القوّة رحيمة وتنزل من عليائها الى المجال المرئي ,جمالاً سأدعو هذا النزول .
وما مِن أحدٍ اُريد منهُ جمالاً مثلما اُريدهُ منك أيّها القويّ .
وليكن خيركَ آخر إنتصار على نفسِكَ .
أعرفكَ قادراً على كلّ شرّ , لذلك أريد منكَ الخير !
***
ص 236
(زرادشت يُخاطب أهل الكرنفال ومُقنعي الوجه وملونيهِ) ,يقول :
ما كانَ لكم أن تجدوا البتّه قِناعاً أفضل من وجهكم هذا أيّها المُعاصرون !
ومَنْ تُرى سيكون بوسعهِ التعرّف عليكم ؟
مغمورين من الرأسِ حتى القدمين بعلامات من الماضي .
ومغمورة هذهِ بدورها ,بعلامات جديدة .
هكذا تسترتم كما ينبغي على كلّ فكّاكِ ألغازٍ ذي فراسة .
ص 240 / عن المعرفة الطاهرة يقول :
عندما طلعَ القمر ليلة أمس ,بدا لي كما لو أنّهُ يريد أن يلِدَ شمساً
لفرطِ ما كان يتراءى عريضاً وممتلئاً وهو يتربّع على خط الأُفق !
***
خطوة الرجل الشريف تنطق بوقعها .
لكن القط يمّر متسللاُ بخطى ساكنة فوق الأرض !
***
ص 243
لتكن لكم جرأة أولاً على تصديق أنفسكم ..أنفسكم وأحشائكم .
فالذي لا يُصدّق نفسهُ , يكذب على الدوام !
***
ص 250 / عن الشعراء يقول نيتشه (وهو يعّد نفسه شاعراً):
لكن لو إفترضنا أنّ أحداً قال بكلّ جديّة إنّ الشعراءَ يكذبونَ كثيراً .
فإنّهُ سيكون مُحقاً في ذلك .إنّنا نكذب كثيراً !
ص 252
هناك للأسف أشياء كثيرة بين الأرضِ والسماء ,لا يُمكن قد حَلِمَ بوجودها سوى الشعراء .
بل وأكثر من ذلك فوق السماء أيضاً ,إذ كلّ الآلهة إستعارات شعراء .
بِدَعْ يُزوّرها الشعراء !
***
ويقول عن الشعراء أيضاً / ص 253
لقد مللتُ الشعراء قديمهم وحديثهم .
مُسطحون جميعهم .وبحار مياه ضحلة !
ثمّ يقول عن الشعراء / ص 254
الشعراء ليسوا نقيين بما فيهِ الكفاية في نظري .
جميعهم يكدّرون مياههم كي تبدو عميقة !
قد تعلمّوا من البحر غروره أيضاً , أليس البحر بطاووس الطواويس؟
ص 260
أراكَ مغتاظاً يا كلبَ النار ,فأنا على حقّ إذاً فيما قلتهُ عنك !
***
الرائي
ص 263
أوّاه , هل من بحرٍ بعد نستطيع أن نغرق فيه ؟
***
ص 271
أنْ نُخلّص الماضي .
و أنْ نُحوّل كل ّ (( ذلك ما كان )) .. الى (( ذلك ما أردت ))
ذلك فقط هو ما اُسميّهِ خلاصاً !
***
والآن لتتعلّموا هذا الأمر أيضاً
إن ّ الأرادة نفسها ما تزال سجينة .
الأرادة تُحرّر!
لكن ماذا يُسمّى هذا الذي يُوثق المُحرّر نفسهُ بالسلاسل ؟
***
ص 277
عن الحيلة البشرية
ليس العلو , بل المُنحَدَرْ هو الفظيع !
ص 278
إنّها حيلتي البشرية الأولى ,أن أدع نفسي اُخدَعْ
كي لا أظّل أسير الخوف من المحتالين .
***
مَنْ لا يُريد أن يموت عطشاً بين البشر ,عليهِ أن يتعلّم الشراب من كلّ الأقداح !
ومَنْ يُريد أن يظّل نقياً بين البشر ,عليهِ أن يعرف كيف يغتسل بالمياه القذرة أيضاً .
ص 279
لذلك أداري المغرورين , لأنّهم أطبّاء كآبتي .
وهم الذين يجعلوني أنشّدُ الى الإنسان ,إنشدادي الى فُرجة مسرحية .
ص 280
كما أنّني لم أرَ في الحقيقة حكمة تُذكَر لدى حُكمائكم .
كذلك وجدتُ الخُبث البشري دون ما يحظى بهِ من سُمعة .
وغالباً ما كنتُ أسأل وأنا أهّز برأسي :
لِمَ تقرعين أجراسَكِ إذاً يا حيّات الجَرَسْ ؟
الحقّ أقولُ لكم :لا يزال هناك مُستقبل للشّر أيضاً
وأنّ الجنوب الأكثر حرارة لم ينكشِف للإنسان بعدْ !
ص 283
أيّها الصالحون والعادلون
كمْ من الأشياء لديكم ممّا يبعث على الضحك .
وخاصة خوفكم ممّا ظلّ يُسمى شيطاناً لحّد الآن !
***
مُتنكراً أوّد أن أجلس أنا أيضاً بينكم . كي لا أتعرّف عليكم وعلى نفسي .
إذ هذهِ هي حيلتي البشريّة الأخيرة ! .. هكذا تكلّم زرادشت
ص 284
هل تعرفون ذُعْرَ مَنْ ينغمِس لتوّهِ في النوم ؟
مِن قمّة الرأس الى أخمص القدمين يخترقهُ الذُعر .
عندما تَميد بهِ الأرض ويشرع في الحُلم .
ص 286
أن ينجِز المرء أشياء عظيمة شيء صعب .
لكن أصعَب من ذلك أن يأمر بأشياء عظيمة !
( أنا أظنّ العكس في حالة الطغاة والبغاة حيث يأمرون الناس بالبّر والتقوى وينسون أنفسهم / كاتب السطور )
***
ص 287
كبرياء الشباب ما زالت تجثم عليك بثقلها ,وقد بلغتَ الشباب متأخراً
لكن مَنْ يُريد أن يصبح طفلاً ,عليهِ أن يتغلّب على شبابهِ أولاً !
ص 289
مَنْ منكم بإستطاعتهِ أن يضحك ويكون في الوقتِ نفسه سامياً ؟
الذي يصعد الى الجبال الشواهق يضحك من كلّ مآسي المسرح و مآسي الحياة .
***
ص 298 / عن ( عدّوهِ اللدود ) .. روح الثُقل يقول :
صعوداً تتحدى الروح ,الخبيث الذي كان يجذبها الى التحت .
الى القاع كان يجذبها روح الثقل ,شيطاني وعدوّي اللدود !
ص 299
لكن لي شيئاً أسميّه شجاعة ,هو الذي كان دوماً يبيد كل مزاج كدر لديّ تلك الشجاعة هي التي جعلتني أقفُ هادئاً بالنهاية .
وأتكلّم هكذا : أيّها القزم إمّا أنت أو أنا .. أيّها القزم !
ص 300
لكنّني أنا الأقوى من بيننا نحنُ الإثنين .
لإنّك لا تعرف فكرة أغواري السحيقة ,وتلك الفكرة لا قدرة لك على تحمّلها .
ص 305
شوقي الى تلك الضحكة ينهش فؤادي ويلتهمني .
أوّاه , كيف لي أن أتحمّل العيش بعدها ؟
وكيف سيمكنني أن أتحمّل أن أموتَ الآن ؟
هكذا تكلّم زرادشت
***
ص 306
وحيداً أراني مجدّداً ,وهكذا أريد أن أكون .
وحيداً مع سماء صافية وبحرٍ رحب , ومن حولي العشيّة من جديد .
في العشيّة إلتقيتُ ذات يوم بأصدقائي لأوّل مرّة .
وفي العشيّة أيضاً لقيتهم مرّة اخرى ,ساعة يغدو النور كلّه أكثر سكوناً
***
ص 308
على المرء إذا ماكان سيّد إرادة واسعة ,أن يكون صموتاً حتى وهو يتكلّم
وطيّعاً , بحيث يكون بإمكانهِ أن يأخذ فيما هو يمنح !
ص 310
لم تحن ساعة صراعي الأخير بعد .
أم تراها هي التي حلّت للتو ؟
حقاً ,بأيّ جمال ماكر يرمقني البحر والحياة من كلّ الجهات !
ص 311
لتبتعدي عنّي أيتها الساعة السعيدة .
معكِ أتتني الغبطة رغماً عنّي .
بمحض إرادتي أقبلُ بألمي العميق .
ففي غير الأوان .. أتيتِ !
لتبتعدي عنّي أيتها الساعة السعيدة .
ولتتخذي لكِ موطناً ,بالأحرى هناك عند أبنائي .
لتُسرعي ولتباركيهم بسعادتي قبل المَغيب !
ص 312
لكن قبل الصباح راح زرادشت يضحك وهو يُخاطب قلبهُ ساخراً
(إنّ السعادة تُلاحقني .وسبب ذلك أنّي لا أركض وراء النساء .. لكن السعادة اُنثى !)
ص 316
وإنّني لأفضل الدوّي إذاً والرعد ولعنات العواصف الساخطة ,على الطمأنينة الرصينةالحذرة للقطط .
ومن بين الناس أيضاً ليس هناك من هو أبغضُ لديّ من كلّ أولئك المُتسللين بخطى القطط .الفاترين المراوحين بين نعم و لا ,والمرتابين!
تلك السُحب التي تمّر متلكئة مترددة .
***
ص 318
من بين الأشياء جميعها هناك شيء واحد مُستحيل : أن تكون هناك معقوليّة !
***
من أجلِ الحمق تُمزَج كلّ الأشياء بشيء من الحكمة .
***
ص 319
إنّ العالم عميق , وأعمق بكثير ممّا يُمكن أن يتصوّر النهار .
لا ينبغي أن نتكلّم عن كلّ شيء في حضرةِ النهار .
لكن هو ذا النهار قادم ,فلنفترق إذاً .
أيتها السماء من فوقي ,أنتِ أيتها الخجولة .
أيتها المُلتهبة , أنتِ يا سعادتي الفجرية .
هو ذا النهار قد حَل , فلنفترق إذاً .
هكذا تكلّم زرادشت !
***
ص 322
يسعلون عندما أتكلّم , مُعتقدين أنّ السُعال إعتراض على الرياح العاتية .
إنّهم لا يحدسون شيئاً من فوران سعادتي !
***
حتى لو أنّهم أطروا عليّ , فكيف لي أن أنام متوسداً مديحهم ؟
حزام أشواك على جنبي هو مديحهم .
يظّل يحّك جلدتي حتى بعد أن أزيحهُ عنّي !
هكذا تكلّم زرادشت
***
ص 322
يتظاهر المادح بأنّهُ لا يفعل سوى ردّ ما قُدّمَ لهُ سلفاً
لكنّهُ في الحقيقة يطمع بمزيد من العطاء !
***
ص 323
ومنهم مَنْ يمضي الى ألأمام ويرنو بعينيهِ الى الوراء بعنق متصلبة .
مثل هذا اُحّب أن أدهس جسدهُ في مسيري !
***
البعض منهم صادقون ,لكن أغلبهم ممثلون رديئون !
ص 324
إليكم الآن أسوء أنواع الرياء الذي وجدته لدى هؤلاء :
أن يتظاهر الآمرون أيضاً من بينهم بفضائل الخدم المأمورين !
(أنا أخدم .. أنت تخدم .. نحنُ نخدم ) هكذا يكون دُعاء رياء الأسياد الحاكمين .
والويل الويل ,عندما لايكون السيّد الأوّل شيئاً آخراً سوى خادم أوّل !
ص 334
دعوا الصدفة تأتي إليّ , إنّها بريئة مثل طفلٍ صغير !
ص 341
كلّ هذهِ القلوب الشابة قد أدركتها الشيخوخة بسرعة .
وما هي بالمسّنة , بل مُتعبة فقط .
عاميّة وخالدة الى الرفاه .
(( صرنا وَرعين من جديد )) .. هكذا يسموّن حالهم هذهِ !
ص 341
حول النور و الحريّة كانوا يرفوّن بأجنحتهم مثل البعوض والشعراء الشبّان .
لكن يكفي أن يتقدّموا قليلاً في السّن , وأن يبردوا قليلاً .
وإذا هُم قاتمون مهمهون كقطط مدافيء .
هل اُحبطَت عزائمهم وهم يرون أنّ الوحدة إبتلعتني كما لو كنت في بطنِ الحوت ؟
وهل ظلّت آذانهم طويلاً تتحرّق عبثاً لسماع بوقي وصوت نفيري ؟
آهٍ , إنّهم ليتناقصون كلّ يوم أؤلئك الذين تُعمّر قلوبهم شجاعة وإندفاع طويلة الأمد .
أؤلئك هم الذين يتحّلى عقلهم بالصبر أيضاً .أمّا ما عداهم ,فجبان !
هكذا تكلّم زرادشت
ص 343
إنّ الأنواع المُتأرجحة بين بين ,لتُفسد كلّ ما هو كامل .
أن تغدو الأوراق ذابلة , فأيّ داعٍ للحُزن في ذلك ؟
ص 343
لكن ذلك هواناً ,أن يُصلّي المرء !
ليس هواناً لجميع الناس , لكن لك ولي ولكل مَنْ كان لهُ وعي في فكرهِ .
ص 344
كلّما فَتحتُ ستارة , إلاّ وإنفلتت فراشةَ ليل صغيرة الى الخارج !
أتراها كانت قابعة مع فراشةِ ليلٍ اُخرى ؟
ذلك أنّني في كلّ مكان أشتّمُ رائحةَ طوائف متقوقعة في مخابئها .
وحيثما تكون هناك حُجرة ضيّقة
تكون هناك طائفة مُتعبّدين ,وعطونة طائفة متعبدين!
ص 344
لكن كلّ مَنْ يصطاد حيث لا يوجد سمك , فذاك لن اُسميّهِ حتى سطحياً !
ص 345
أو أنّهم يتعلّمون رعدة الرهبة لدى فقيه نصف معتوه يقبع داخل غرفة مُظلمة , مُنتظراً حلول الأرواح عليه , وأن يهجرهُ العقل نهائياً .
أو يستمعون الى مُغنّي أزقّة عجوز , قلق مُغرغَر مُقرقَر
قد تعلّم من رياحٍ كئيبة موحشة .. كآبة الألحان !
ص 347
أليس من باب الإلوهيّة أن تكون هناك آلهة , وما من ربّ ؟
ص 348
العودة الى الوطن
أوّاه أيتّها الوحدة , أنتِ يا موطني .
لوقتٍ طويل كنتُ أحيا متوحشاً في الغربة الوحشيّة .
طويلاً بما فيه الكفاية كي أعود إليكِ .. دامعَ العينين !
***
والآن لتتوّعديني بسبابتكِ كما تفعل الأمّهات .
والآن لتبتسمي لي ,كما تبتسم الأمّهات .
وقولي لي :
(مَن ذلك الذي إنطلق ذات يوم مثل الإعصار مُبتعداً عنّي كالعجاجة الطائرة ؟)
******
ص 352
في الظلام يكون الوقت أثقل على المرء ممّا في الضياء !
ص 353
أيّها الصمت السعيد من حولي .
أيّتها الروائح النقيّة من حولي .
كيف يتنفّس هذا الصمت من الأعماق هواءً نقياً ؟
آهٍ , كيف يصغي بإنتباه هذا الصمت السعيد !
***
أمّا هناك في الأسفل , فالكلّ يتكلّم , ولاشيء يُسمَع !
ص 354
أولئك الذين يدعون أنفسهم ب (أهلِ الصلاح ) على وجه الخصوص
أولئك هم الذين وجدتهم أكثر الحشرات سُمّاً !
يلسعون بكلّ براءة .
يكذبون بكلّ براءة .
كيف يمكنهم أن يكونوا عادلين تجاه الآخر ؟
كلّ مَنْ يحيا بين (أهل الصلاح ) تُعلّمهُ الشفقةُ الكَذِبَ !
الشفقة تُعكّر الهواء داخل كلّ الأنفس الحُرّة .
وإنّ بلادة (الصالحين) عميقة لا يُسبَر لها غور !
ص 355
حفّاروا القبور يُصابون بالأمراض جرّاء حفرياتهم .
إذ تحت الأنقاض القديمة , ترقد أبخرة كريهة !
***
عن الشرور الثلاثة :
الشهوانيّة وحبّ السيادة وإيثار الذات يقول ص 356
أوّاه , لِمَ أقبلَ الفجر عليّ مُبكراً ؟
أيقظني بأشعتهِ المتوهجة ذلك الغيور .
غيور هو الفجر دوماً من توّهج أحلامي الصباحيّة .
***
بحّار مُجازف هو حُلمي .
نصفهُ سفينة , والنصف الثاني إعصار !
***
ص 360 / التوق الى السيادة
تحت نظرهِ يزحف الإنسان ويركع وينحني ويخفض جناح الذُلّ
ويغدو أحطّ من ثُعبان أو خنزير .
الى أن يصعد صراخ الإحتقار الأكبر من داخلهِ بالنهاية !
ص 363
المُتعة الأنانيّة , سواءً لديها أكان المرء خاضعاً لعبودية الآلهة والركلات الإلهيّة , أم للبشر وأفكار بشريّة بليدة .
فتلكَ الأنانيّة المُباركة , تبصق على كلّ أنواع العبودية !
ص 367
من المهد تقريباً نُلَقّن عبارات وقيماً ثقيلة الوطء
من خلال هاتين القيمتين ((خير وشرّ))
إذ ذلك هو الإسم الذي تُسمّى به ضريبة الحياة .
وبمقابل هذا الثمن , يُغفَر لنا أن نكون أحياء !
ص 368
إنّ الإنسان مُتعذّر على الإكتشاف !
وأصعب من ذلك هو إكتشافهِ لنفسهِ .
وغالباً ما يكذب العقل في شأن النفس .
ذلك هو صنيع روح الثُقل !
ص 369
الحّقُ أقول لكم ,إنّي لا أحّب أيضاً أؤلئك الذين يجدون جميع الأشياء حسنة وهذا العالم أفضل العوالم جميعاً .
أؤلئك اُسميهم الراضون عن كلّ شيء .
هذا الرضى المُطلق الذي يستطيّب كلّ شيء, ليس بالذوقِ الرفيع !
إنّني أحترم الألسن والمَعِدات (جمع معدة) الحرنة الإنتقائية .
تلك التي تعلّمت كيف تقول : أنا … و نعم … و لا !
أمّا مضغ وهضم كلّ شيء , فذلك من طباع جنس الخنازير الصرف .
وأن يظّل المرء على الدوام يقول (( نعم ))
فذلك ما لايتعلّمهُ سوى الحمار !
هكذا تكلّم زرادشت
***
ص 370
تُعساء اُسمّي كلّ أؤلئك الذين لا خيارَ لهم سوى هذا الخَيار :
أن يغدوا حيوانات شرسة ,أو مُدجني حيوانات شرسين .
أبداً لن أبني لي كوخاً للسكن بين هؤلاء !
ص 371
لكن هذا هو المذهب الذي أكرّز به :
مَنْ يُريد أن يَطير في يومٍ ما ,عليه أن يتعلّم أولاً كيف يقف ,ويمشي ,ويركض ,ويتسلّق ,ويرقص .
إذ لا يُمكن للمرء أن يطير الى الطيران !
هكذا تكلّم زرادشت
***
عِبرَ دروبٍ كثيرة وبطرق مُتعدّدة وصلتُ الى حقيقتي .
وليس بسلّم واحد إرتقيتُ الى هذهِ القمّة ,التي تسرَح من فوقها عيني وتتجوّل في آفاقٍ بعيدة .
على مَضضٍ كنتُ أسأل عن الطريق .
إنّ ذلك ممّا كانت تنفرُ منهُ ذائقتي دوماً .
بل أحّبُ إليّ على الدوام , أن أسأل واُجرّب بنفسي .
تجربة وسؤال … كانت مسيرتي على الدوام !
ص 384
ليس لنبالةٍ يُمكنكم أن تشتروها مثلما يفعل البقّال .
إذ وضيعُ القيمةِ يكون كُلّ ما يُشترى بثمن !
ص 385
أيّ إخوتي ,ليس الى الخلف ينبغي على نبالتكم أن تنظر ,بل خارجاً .
مُشرّدينَ ينبغي أن تكونوا ومطرودينَ من كلّ وطنٍ اُمّ ,
وكلّ أوطان الآباء والأجداد !
وطن أبنائكم ينبغي أن تحبّوا .
ولتكن هذهِ المحبّة عنوان نبالتكم الجديدة .
أرضاً نائية لم تُكتَشَف بعد وسط بحار بعيدة .
نحوها أدفع بشراعكم الى البحث والبحث !
ص 386
هذا الهُراء العتيق (لِمَ الحياة ؟ فالكلّ باطل) ما زال يُعتبر حكمة .
ولأنّهُ قديم ويفوح رطوبة عطنة فإنّهُ يحظى بأكثر إجلال .
العفونة أيضاً صارت مصدر نبالة !
***
يحّقُ للصِبية أن يتكلّموا بمثلِ هذا الكلام .
إنّهم يخافون النار لأنّهم إحترقوا بها .
ولَكَمْ هناك من الصبيانيّات في كتب الحكمة القديمة !
ص 386
هؤلاء يجلسون الى المائدة ولا يجلبون شيئاً معهم .
ولا حتى شهّية جيّدة .
وها هم الآن يُجدفون : الكُلّ باطل !
لتُحطمّوا لي يا إخوتي ألواح الكئيبين ,الذين لا يعرف الفرح ساحتهم !
ص 388
هؤلاء الذين يتنكرون للدنيا ويرفضونها يقولون :
(دع الدُنيا للدنيا ولا تُحرّك إصبعاً لمعارضتها ,أمّا عقلكَ الخاص فعليكَ أن تطمسهُ وتخنقهُ بيدك)
لتُحطموا يا إخوتي ألواح الأتقياء العتيقة هذهِ .
ولتسفهوا مقولات المُجذفين على الدُنيا !
هكذا تكلّم زرادشت
ص 389 / عن دُعاة الموت يقول:
لأنّهم تعلّموا خطأ ,وتعلّموا كلّ شيء عدا أفضل الأشياء .
قبل الأوان وبسرعة شديدة ,ولأنّهم أكلوا بطريقة رديئة .
لذلك اُصيبوا بفساد المعدة !
مَعِدَة فاسدة هو عقلهم في الحقيقة ,ذلك الذي أشار عليهم بالموت .
إذ يا إخوتي .. إنّ العقل .. مَعِدَة !
***
إنّ الحياة ينبوع مسرّة , لكن الذي تتكلّم على لسانهِ معدة فاسدة (هي اُمّ الكآبة) ,فذلك سيرى كلّ الينابيع مسمومة !
ص 394
كلّ ما هو في طور السقوط والإنهيار من الحاضر ,مَن تُرى (وإن بدا هذا غير لطيف ومُهذّب) سيريد أن يمنعهُ من الوقوع ؟
أمّا أنا , فأريد أن أدفعهُ !
***
والذي لا تُعلمونه الطيران ,لتعلموه إذاً كيف يقع بأكثر سرعة !
ص 395
غالباً ما يكون المرء أكثر شجاعة وهو يتمالك نفسه , ويغّض الطَرف .
كي يوّفر طاقتهِ لعدو أكثر جدارة !
ص 397
ليكن يوماً ضائعاً من حياتنا كلّ يوم لا نرقص فيه مرّة واحدة .
و لنعتبر خطأ كلّ حقيقة ,لا تكون فيها ضحكة مُقهقهة !
ص 398
إنّ كسر رابطة زواج لأفضل على أية حال من زواج معوّج وزواج كاذب .هكذا كلمتني إمرأة ذات مرّة :
(صحيح أنّي كسرتُ الرابطة الزوجيّة ,لكن قبلها كانت الرابطة الزوجيّة هي التي كسرتني !)
***
إنّهُ لأمر غير هيّن , أن نكون إثنين دوماً معاً !
***
ليس من أجلِ الإمتداد عدداً ,بل الأرتقاء .
ذلك هو ما ينبغي أن يساعدكم عليه جِنان الزيجة يا إخوتي !
******
ص 400
أيّ إخوتي ,أين يكمن الخطر الأكبر الذي يتهدّد كلّ المستقبل البشري ؟
أليس لدى الصالحين والعادلين ؟
مهما بلغت مضار الشريرّين ,فإنّ مَضرّة أهل الصلاح يظّل أكثر الأضرار مضّرة !
ص 403
زرادشت خاطب التنويريين هكذا :
لتسيروا مُنتصبي القامة وفي الوقت المناسب .
لتتعلّموا المشي منتصبي القامة يا إخوتي .
فالبحر هائج مُضطرب .
والكثيرون يريدون الإستناد عليكم كي ينهضوا من جديد !
ص 405
أيتّها الإرادة ,يا مُنعرَج كلّ فاقة .
أنتِ يا ضرورتي : لتحفظيني لإنتصارٍ عظيم !
ص 409
مثلَ عجينٍ مُختمر كنتَ تستلقي هنا .
وروحكَ قد إنتفخت فائضة على حوافها من جميع الجهات !
ص 409
ما أعذب ذلك ,أن تكون هناك كلمات وأصوات .
أليست الكلمات والأصوات ,أقواس قزح وجسوراً وهميّة بين كائنات منفصلة الى الأبد ؟
لكل نفس عالمها المُختلف ,ولكل نفس تكون أيّ نفس اُخرى عالماً ما ورائياً !
وبين أكثر المتشابهات تشابهاً بالذات ,تكون المظاهر أكثرُ خداعاً .
ذلك أنّ أصغر الفجوات لهي أشدّها إستعصاءً على التجاوز !
ص 409
لَكَمٍ هو لذيذ أن ننسى !
ص 411
لكن ها أنا الآن أستلقي هنا ,ومازلتُ متعباً ممّا عضضتُ وممّا لفظت.
مريضاً لم اُشفَ بعد ممّا فعلت لأجل خلاصي !
***
إنّ الإنسان حقاً لأشّد الحيوانات فظاعة !
في مسرحيات المآسي ,وفي مصارعة الثيران وأعمال الصلب
كان يجد دوماً أكثر ما يغمرهُ سعادةً على وجه الأرض .
وعندما إخترع الجحيم , كانت تلك جنّتهِ على الأرض !
هكذا تكلّم زرادشت
ص 414
إنّ الغناء مُلائم للناقه ( المريض في طريقهِ للشفاء )
أمّا المُعافى , فيُحّب الكلام .
وإذا ما أراد المُعافى أناشيد فأنّهُ يريد أناشيد اُخرى غير تلك التي للناقه !
ص 418
لقد علّمتُكِ يا نفسي فنّ الإقناع ,بما يجعل الاُسس والأعماق نفسها تنقاد إليكِ .تماماً كالشمسِ تجعل البحر يرتفع مندفع توقاً الى أعاليها !
***
لقد منحتُكِ يا نفسي أسماءً جديدة ولُعباً ملوّنة .
سميّتكِ … قَدَراً
ودائرة الدوائر
وحبل سُرّة الزمن
وجرساً لازوردياً !
ص 419
لقد وهبتكِ كلّ شيء يا نفسي .
ويدايّ قد أفرغتهما في العطاء .
والآن ! الآن تقولين لي مُبتسمة وبكل كآبة :
مَنْ منّا ينبغي عليه أن يشكر الآخر؟
أليس على الواهِب أن يكون شكوراً لأنّ المُستَلِم قد تسلّمَ من يدهِ ؟
أليس العطاء ضرباً من الحاجة ؟
أليس الأخذ رحمة ؟
***
أوليس كلّ بُكاء شكوى ؟
وكلّ شكوى .. شِكاية ؟
ص 422
تُرى أتكون اُذنا الراقص في أصابع قدميه ؟
ص 425
إنّ الضجيج يقتل الأفكار !
ص 431
و إذا ما ضَحكتُ ضحكة البرق المُبدِع ,يتبعها صوت الرعد مُزمجراً لكنّهُ منصاع .. ذلك أنّني أحبّكِ أيتّها الأبدية !
*****
ص 437
((الكتاب الرابع و الأخير))
ص 443 / قربان العسل
هكذا تسّنى لي أن أصعدَ اليوم صيّاد أسماكٍ الى قمّة هذا الجبل !
هل رأيتم أحداً قد إصطادَ أسماك فوق قمم الجبال ؟
وحتى لو كان حمقاً هذا الذي أريده وأفعلهُ هنا فوق هذهِ الأعالي .
فإنّ ذلك أفضل من أن أظلَ قابعاً في سكون .
حتى أبهت وأخضّر و أصفّر لكثرة الإنتظار هناك على السفح .
هكذا تكلّم زرادشت عن نفسهِ !
( وهو هنا يتحدّث عن الأسماك البشرية التي ينوي إصطيادها !)
ص 443
رجل الدين الحانق يصرخ بالعامة :
(إسمعوني ,وإلاّ جلدتكم بسوطِ الرّب !)
ص 446
إسرحي بعيداً بعيداً يا عيني !
أوّاه كم من البحار من حولي .
و كم من صباحات مستقبليّة للإنسان تتوهج على خط الاُفق !
وأيّة سكينة ورديّة من فوقي !
وأيّ صمتٍ لا تُكدّرهُ الغيوم !
ص 459
عليكم أن تحبّوا السلام .. وسيلة لحروب جديدة .
والقصير من فترات السلام , أكثر من طويلها !
ص 465
سعةُ الكفّ من الأرض كافية بالنسبة لي .
شريطةَ أن تكون بحّق أرضاً متينة وقاعدة صلبة .
سعةُ الكفّ من الأرض ,فوقها يُمكن للمرء أن يقف بقدمٍ ثابتة .
ففي مجال التدقيق المعرفي الحّق ,ليس هناك من كبير أو من صغير !
ص 466
إنّني أقرف من كُلّ أنصاف العقول .
كلّ العقول الضبابيّة المُحلّقة والمتأججة حماسة !
***
رفيق زرادشت (الخبير العارف بالعَلَقَة ) .. يقول عن نفسهِ :
حيث أريد أن أعرف ,اُريد أيضاً أن أكون نزيهاً
أيّ قاسياً شديداً صارماً فظيعاً , بلا هوادة !
ص 466
العقل هو الحياة التي تحّز وتقطع في لحمها الخاص !
ص 478
كم من واحدٍ رأيتهُ ينتفخ ويتمطط والشعب يصيح من حولهِ :
(( إنظروا هو ذا إنسان عظيم ))
لكن مانفع كلّ منافيخ الحدّادين ؟
فبالنهاية لا يخرج منها سوى الريح !
…..
مَنْ ذا الذي يسعى اليوم للعظمة فيوّفق ؟
الأحمق وحدهُ ينجح في ذلك !
ص 479
لكن الشيطان لا يكون في المكان المُناسب أبداً
هناك حيث يُحتاج إليه ,دائماً يأتي مُتأخراً
ذلك القزم الأعرج الملعون !
ص 486
لكَمْ فشلَ في الكثير ممّا عملَ ذلك الخزّاف الذي لم يتعلّم صنعتهِ كما ينبغي!
أمّا أن ينتقم من أوانيهِ ومخلوقاتهِ لأنّهُ فشلَ في صناعتها على الوجه المطلوب .فإنّ ذلك كان خطيئة في حقّ الذوق السليم !
ص 488
أيّة أشياء جميلة وهبني هذا اليوم ,كي يعوّض لي عن بدايتهِ الكريهة .
وأيّ مُحادثين عجيبين إلتقيتُ بهم على هذا الطريق !
ص 489
ولكُم أن تتصوّروا الحالة التي غدا عليها زرادشت وما حدثَ لقلبهِ
فعندما إستمع الى تلك الكلمات تملّكتهُ الشفقة ,وهوى دفعة واحدة مثل شجرة بلّوط قد صمدت طويلاً أمام ضربات العديد من الحطّابين .
شجرة تهوي بكّل ثقلها فجأةً بما يُرعِب الحطّابين أنفسهم !
أؤلئك الذين كانوا لايريدون غير سقوطها .
لكنّهُ سرعان ما هبّ واقفاً من جديد ,وقد غدا وجههُ الآن قاسياً صلباً !
ص 492
لزمنٍ طويل جداً , ظلّ هؤلاء الأصاغر يُلاقون عبارات الإستحسان .
وأخيراً مُنِحوا السلطةَ أيضاً .
والآن ها هُم يكرزون بهذا التعليم : (لا خيرَ سوى ما يعتبرهُ صغارَ الناسِ خيراً) . و(الحقيقة) التي تطلع من فم ذلك (القديس) العجيب الناطق بإسم الصغار والذي يقول عن نفسهِ …( أنا الحقّ ) !
ص 494
ذلك الدعيّ الذي لا يعرف التواضع ,هو الذي جعلَ أصاغر الناس يرفعون أعرافهم في السماء مثل الديكة .
هو الذي لم يكن قد علّمهم ضلالاً يسيراً لما كان يكرز بينهم :
(( أنا هو الحقّ )) !
ص 495
الفاعل وحدهُ هو الذي يتعلّم !
ص 498
لو كان بإمكان الإنسان أن يمتلك الدُنيا بكليتها ,فأيّ نفع في ذلك لهُ إذا لم يتخلّص من بؤسهِ .
بؤسهِ الأعظم هو ما يُسمى اليوم .. بالقرف !
ومَن مِنَ الناس ليس لديهِ ملء القلبِ والفمِ والعين من القرف ؟
قرفٌ من كبار أثريائنا ,سجناء الثروة .
قرف من هذا الرعاع المزوّر المتحلّي بالذهب .
أؤلئك لا شيء يميّزهم في الحقيقة عن العاهرات .
رعاع من فوق , ورعاع من تحت .
فأيّ معنى اليوم ل غني وفقير ؟
لم أعد أرى شيئاً من هذا الفرق ,لذلك هربتُ بعيداً !
(هكذا تكلّم الرجل المُسالم عندما قابل زرادشت )
ص 500
إنّ العطاء فن !
وهو أرقى أشكال المكر في براعة الخير .
***
ص 507
إذا ما كانت لي من فضيلة ,فهي أنّني لم أكن لأخشى أيّ ممنوع !
***
وعندما يُغيّر الشيطان جلدتهِ ,ألا يسقط عنهُ إسمهُ أيضاً ؟
إذ إسمهُ أيضاً جلدة !
ولعلّ الشيطان نفسه مجرّد جلدة !
***
آهٍ كيف زالَ عنّي كلّ إعتقاد بالخير ,وكلّ خجل ,وكلّ إيمان بالخيّرين ؟
تُرى أينَ ذهبت تلك البراءة الكاذبة التي كانت لديّ فيما مضى ؟
براءة الخيّرين وأكاذيبهم النبيلة !
ص511
مثلَ نسمة رقيقة لا مرئية ترقص فوق بحرٍ صقيل السطح
خفيفة بخفّة الريش , هكذا يرقص فوقي النُعاس الآن !
يُقنعني لا أدري كيف ,ويداعب روحي بيد رقيقة حنون .
يغلبني على أمري ويجعل روحي تتمدّد وتهجع !
ص 512
إنّ روحي العجيبة قد تذوّقت طيّبات كثيرة .
لكن هذا الحُزن الذهبي يضغطُ عليها ويهصرها .
وهاهي مثلَ سفينة تلجُ خليجها الأكثرُ هدوءً .
تتكىء الآن على اليابسة وقد أعيتها الرحلات الطويلة وبحار المجهول .
أليست الأرض أكثر وفاءً من البحار ؟
ص 512
إنّهُ ليكفي القليل ,كي يكون الواحدُ سعيداً !
هكذا قلتُ فيما مضى ,وكنتُ أعتقد نفسي فطناً .
لكن ذلك كان تجديفاً .
ذلك ما تعلمتهُ فيما بعد :
أنّ عقلاء المجانين ,لهم الأبلغ كلاماً !
ص 513
إنهض (قال مخاطباً نفسه) ,إنهض أيّها النوّام ! يا نوّام الظهيرة .
هيّا إنهضي أيتها الساقان العجوزتان ,لقد حان الوقت وآنَ الأوان .
إنهض أيّها القلب العجوز
كم ينبغي لكَ من الوقت كي تستيقظ من هذا النُعاس ؟
ص 534
ليس كافياً بالنسبة لي أن تغدو الصاعقة غير مُضرّة .
فأنا لا أريد أن اُحوّل مسارها .
بل عليها أن تتعلّم كيف تعمل لحسابي !
طويلاً ظلّت حكمتي تتجمع مثل سحابة ,غمامة تزداد صمتاً وقتامة .
هكذا تفعل كلّ حكمة سيكون عليها أن توّلد صاعقة يوماً ما !
هكذا تكلّم زرادشت
ص 535
لا تطلبوا ما يفوق طاقتكم !
هناك زيف خبيث لدى أؤلئك الذين يرومون أشياءً تفوق طاقتهم !
ص 536
والذي تعلمتهُ الرعاع في ما مضى دون براهين
كيف يُمكن دحضهُ ببراهين ؟
ص 537
لتحترسوا أيضاً من علماء (الدين) , إنّهم يحقدون عليكم .
ذلك أنّهم عقيمون !
هؤلاء يتبجحون بأنّهم لا يكذبون .
لكن العجز عن الكذب لا يعني البتّة حبّ الحقيقة .. لتحترسوا إذاً !
هكذا تكلّم زرادشت
ص 539
إسألوا النساء ,فما من واحدة تَلِدْ ,لمُتعة تجدها في الولادة !
ص 539
من أرادَ أن يكون أولاً ,فليحترس أن لا يصيرَ آخراً !
ص 540
خائفينَ خجولين مرتبكين ,مثلَ نمرٍ أخطأ قفزتهِ
هكذا أراكم أيّها الناس الراقون غالباً ما تتسللّون منسحبين جانباً
لقد أخطأتم رمية نرد !
ص 540
وإذا ما فشلتم في أمرٍ عظيم , فهل يعني ذلك أنّكم أنفسكم فاشلون ؟
ص 541
أتُرى ينبغي على المرء أن يلعن حيثُ لا يحّب ؟
إنّ هذا يبدو لي سلوكاً عديم الذوق !
ص 545
حتى أسوء الأشياء ,لها قدمان للرقص !
***
مَنْ منكم بإستطاعتهِ أن يضحك ويكون في الوقت نفسه سامياً ؟
الذي يصعد الى الجبال الشواهق يضحك من كلّ مآسي المسرح ومآسي الحياة !
ص 546
مُباركة هي روح العقول الحُرّة جميعها .
العاصفة الضاحكة التي تذرو التراب في أعين كلّ السوداويين والمُبرقعين بالسِهام .
***
ص 546 / يقول عن الضحك :
تاجُ الضاحكين , هذا التاج المُكلّل بالورود .
إليكم أقذف بهذا التاج يا إخوتي .
لقد أعلنتُ الضحك .. مُقدساً .
أيّها الناس الراقون ,فلتتعلموا أن تضحكوا !
ص 583 / ( كرّرتُ هذه العبارة مرتين عن قصد )
مَنْ يُريد أن يقتل قتلاً جذرياً لابُدّ أن يضحك !
ليس بالغضب يُقتَل المرء , بل بالضحك !
ص 560
ثمّ تحدّث رجل التدقيق والتمحيص فقال :
{إنّ الخوف هو الشعور الفطري والأساسي في الإنسان .
لأنّ الخوف من الحيوان الوحشي هو ما لقّنهُ الإنسان منذ أقدم العصور .
بما في ذلك الخوف من الحيوان الذي يُخبّأهُ في داخلهِ ولا يطمئن إليه .
ذلك الذي يُسمّيهِ زرادشت .. الدابة الداخليّة !
هذا الخوف القديم الضارب بعيداً في الزمن وقد غدا مُهذباً روحانياً وعقلياً
ذلك هو الذي يُسمى اليوم فيما يبدو لي .. عِلماً !}
هكذا تكلّم رجل التدقيق والتمحيص .
لكن زرادشت الذي عادَ تواً الى مغارتهِ ,وكان قد سمع و حزر هذه الخطبة الأخيرة قذفَ إليه بقبضة من الورود وهو يضحك من ((حقائقه ِ))
ماذا ؟ ماهذا الذي كنتُ أسمعهُ هنا ؟ قال صائحاً
حقاً أقولُ لكَ إنّهُ ليبدو لي أنّكَ أحمق ,أو أنّني أنا الأحمق .
أمّا (( حقيقتكَ )) فسأقلبها على رأسها حالاً ,ودفعة واحدة .
فالخوف هو الإستثناء لدينا !
لكن الشجاعة والمغامرة والنزوع الى إرتياد المجهول والى كُلّ مُمتنع بعيد المنال .
الشجاعة هي التي تكوّن مُجمل التأريخ القبلي للإنسان فيما يبدو لي .
هو الذي إستهوتهُ كلّ فضائل الوحوش الكاسرة وأكثرها شجاعة فإسترقها منها ,بعدها فقط تحوّل الى إنسان !
ص 565
الصحراءُ تمتد وتتسع , وويلٌ لمن يحمل صحاري في داخلهِ !
ص 583
مَنْ يُريد أن يقتل قتلاً جذرياً لابُدّ أن يضحك !
ليس بالغضب يُقتَل المرء , بل بالضحك !
ص 594
لئن كان الوجعُ عميقاً , فالغبطةُ أعمق من مُعاناة القلب !
ص 594
أيّتها الكَرمة
كُلّ ما غدا مُكتملاً وكُلّ ناضج يُريد أن يموت .
لكن كُلّ ما لم يبلُغ النضج ,يُريد أن يحيا !
ص 594
(( مُرّ وإندثرْ يقول الألم , مُرّ وإندثر أيّها الوَجَع ))
لكن كُلّ ما يتألّم يُريد الحياة !
ص 595
هل قلتُم مرّة نعم للغبطة ؟
أي أصدقائي فقد قُلتم إذاً نَعَم لكلّ الآلام أيضاً .
إذ الأشياء جميعاً مترابطة متداخلة متعاشقة !
ص 595
إنّ كُلّ غبطة تُريد الخلود !
ص 598
أيّها الكوكب العظيم !
( هكذا خاطب الشمس كما سبقَ أن خاطبها فيما مضى )
أيّةُ سعادة ستكون لكَ أيّها الكوكب العظيم لو لم يكن لديكَ هؤلاء الذين تضيؤهم بنوركَ ,يا عين السعادة العميقة !
*****
إنتهى تلخيص كتاب (( هكذا تكلّم زرادشت )) !
أتمنّى أن ينتفع بهِ من لا يملك الوقت الكافي للقراءة .
تلك الأجمل ما في الحياة ,في ظنّي !
تحياتي لكم
رعد الحافظ
10 مارس 2014