*هتلر وضع مفتي فلسطين الحسيني تحت الحراسة * المفتي: رفضنا طلب ألمانيا وروما القيام بحركة ثورية في فلسطين، لمهاجمة المواصلات الحليفة من الوراء* ما يهم الألمان ان يتخلصوا من “يهودهم” بآية وسيلة كانت، سيان عندهم ذهبوا إلى فلسطين أم إلى العالم الثاني* لا نقول ونحن في ألمانيا غير ما قلناه ونحن في فلسطين ولبنان والعراق ولم يكن لنا الخيار في وجهتنا*
نبيـــل عــــودة
أثارت تصريحات بيبي نتنياهو في المؤتمر الصهيوني العالمي الذي عقد في شهر أكتوبر الماضي، بأن هتلر لم يكن يريد ان يبيد اليهود ولكن المفتي المقدسي الحاج أمين الحسيني هو الذي أقنعه بفكرة إبادة اليهود، ردود فعل انتقاديه واسعة ، وعبر أكثرية المؤرخين (بما فيهم اليهود) عن رفضهم لأقوال نتنياهو، موضحين ان هتلر بدا عمليات إبادة اليهود قبل ان يلتقي مع المفتي بسنوات طويلة، وان هتلر لم يكن بحاجة إلى نصيحة المفتي.حسب بعض المؤرخين ، اللقاء بين المفتي وهتلر لم يتجاوز الثلاث دقائق.
طبعا بعض المؤرخين اصطفوا إلى جانب نتنياهو دون ان يطرحوا أي وثيقة تثبت ما ذهبوا إليه هم ونتنياهو. فيما بعد خفف نتنياهو من تهمته للمفتي.. وصار المفتي شريكا فقط لهتلر.
الصحفي اللبناني كامل مروة يلتقي المفتي في برلين
بالصدفة وقعت بين يدي مجلة مصرية قديمة اسمها “الاثنين” صدرت عام 1945 أي السنة الأخيرة في الحرب العالمية الثانية ، ووجدت فيها مقابلة أجراها صحفي عربي (لبناني) هو كامل مروة مع المفتي الحاج أمين الحسيني قبل سقوط عاصمة الرايخ الثالث برلين بأيدي قوات الجيش الأحمر السوفيتية.
المقابلة تلقي الأضواء على واقع المفتي في برلين، تثير مواضيع هامة جديدة لا سابق لنا بمعرفتها.
المفتي محتجز في برلين
يروي كامل مروة انه كانت تجري مفاوضات (طبعا مع نظام هتلر) من اجل الإفراج عن الحاج أمين الحسيني وهو الأمر المفاجئ جدا، الذي يعني بوضوح ان المفتي كان تحت الحراسة في برلين.
يروي كامل مروة في تقديمه للقاء ان المفتي كان يقيم في منزل بشارع “غوته – 33” بحي تسالندروف القريب من قلب العاصمة برلين.
عندما التقاه كامل مروة أمطره بالأسئلة حول ما كان يحيكه خصوم المفتي ضده، المفتي رفض الاسترسال بالحديث هامسا لكامل مروة ان للجدران عيون وفي الزوايا أرصاد ورقباء وطلب تأجيل الحديث إلى وقت آخر، ودعاه إلى غابة قريبة، لكن كان يرافقهما حارس عريض المنكبين جلس بجانب السائق الذي اقلهما إلى الغابة ولم يفارقهما إطلاقا، قال المفتي لكامل مروة بهمس مشيرا إلى الحارس “اخفض صوتك، فهو يعرف اللغة العربية كأحد أبنائها، وهو مكلف من الحكومة الألمانية بحمايتي في الحل والتنقال”.
سأله كامل مروة: ممن يريد حمايتك؟”
أجاب المفتي:” ما لنا وله.. دعه يؤدي واجبه كما يريد ويريدون… المهم ان تعرف أن السيارة ، كما للبيت، عيونا وآذانا وأن تأخذ حذرك”
كتب كامل مروة: “أدركت مهمة “الملاك الحارس” فانصرفت عن الكلام المباح،ورحنا نتحدث عن الهواء والسماء والماء ونقارن بين نسيم لبنان العليل ونسيم برلين الذي يحمل زمهرير الشتاء إلى قلب الربيع”. كان المفتي يستعيد ذكرياته ( عن لبنان) ويردد:”ترى أتعود يا كامل ؟ أتعود ؟” (طبعا القصد إلى لبنان)
المفتي: رفضنا طلب ألمانيا بضرب الحلفاء من الوراء
يروي كامل مروة انه والمفتي ترجلا من السيارة وتوغلا في غابة “شارلوتنبورغ” وطبعا ترجل معهما “حارسنا” حسب تعبيره ويضيف:” كان يسير وراءنا فتارة يصبح أتبع من ظلنا، وطورا يتخلف عنا بضعة أمتار”. وبدأ المفتي يروي:
-” تسألني عن موقف الألمان منا وموقفنا منهم.. وتستفسر عن مدى التعاون القائم فيما بيننا وبينهم. يجب ان تعلم أولا وأخرا انه ليس ثمة تعاون جدي فيما بيننا وبينهم، فالوقائع الخفية شيء والمظاهر شيء آخر… وذا كان قد تعذر علينا ان نتعاون معهم فذلك لأنهم أرادوا من وراء هذا التعاون خدمة مصالحهم وحدها، شانهم شأن جميع الأجانب. خذ القضية اليهودية مثلا على ذلك… إنهم يعرفون جيدا موقفنا منها،ومع هذا فإنهم ما زالوا يسمحون للألوف من يهود أوروبا الوسطى بالسفر إلى تركيا ، ومنها إلى فلسطين… ورغم احتجاجاتنا لا يزال هذا الباب مفتوحا إذ يهم الألمان ان يتخلصوا من “يهودهم” بآية وسيلة كانت. سيان عندهم ذهبوا إلى فلسطين أم إلى العالم الثاني. ولو شئنا ان نتعاون لكان من الأمر غير ما كان…فبالأمس، عندما وصل “رومل” (قائد الجيش الألماني في جنوب أفريقيا) إلى “العلمين”،جاء الألمان والطليان يلحون علينا في القيام بحركة ثورية في فلسطين، لمهاجمة المواصلات الحليفة من الوراء، ووضعوا تحت تصرفنا كل ما يلزم من رجال ومال وعتاد…ولكننا رفضنا تلبية هذا الطلب، لأننا لم نجد فيه مصلحة العرب، ولم نطمئن إلى ما يخفي تحته من أهداف خفية، ومطامع تتنافي مع أمانينا القومية…”
المفتي: لا نملك من أمرنا شيئا في منفانا
ويواصل المفتي حديثة قائلا: تسألني بعد هذا لماذا لا ننهج منهجا آخر؟ ولكن كيف السبيل إلى ذلك ونحن لا نملك من أمرنا شيئا؟ نحن المغتربين في أوروبا جنود مجهولون في خدمة القضية العربية.. هذا هو شعورنا في غربتنا، ونحن – بالنسبة إلى المقيمين في الأوطان- كالجالس على فوهة البركان (تتمة النص غير واضحة) في خط النار. فعلى كل منا الكثير من المسؤوليات الملقاة على عاتقه( تتمة النص غير واضحة ).
بعد المقطع غير الواضح بسبب تآكل أوراق المجلة، يواصل المفتي قوله: “نحن نجاهد في سبيل بلادنا وحدها، ولسنا نقول ونحن في ألمانيا – مثلا – غير ما قلناه ونحن في فلسطين ولبنان والعراق. ولا تنسى إننا لم نغادر فلسطين للاستجمام، إنما سعيا وراء مغنم.. بل غادرناها لما ضاق مجال العمل فيها إلى حيث نستطيع استئناف جهودنا ولو آثرنا الركون والتغاضي لما خرجنا من ديارنا”.
المفتي: رفضنا ان نمد يدنا لأحد
يقول المفتي :”ان القضية العربية وحدة قائمة بذاتها، وقد ألقت علينا تجارب الحرب العظمى الماضية دروسا قاسية اعتبرنا بها، فعلينا ان نتجنب الوقوع في مثل تلك الخطاء في هذه الحرب، وان نحيط قضيتنا بسياج من الحيطة ودرع من التحفظ.. وعلى هذا الأساس عملنا فعلا وعليه أيضا نعمل اليوم في روما وبرلين”.
مفاوضات روما ولقاء المفتي مع هتلر
حسب ما قال المفتي وصل إلى أوروبا عام 1941، كان في روما حيث فاوض الطليان (حكومة موسوليني) ثم انتقل إلى ألمانيا والتقي المستشار هتلر. قال:” ان الأجنبي في أوروبا أو في غيرها لا ينظر إلى العرب والى قضيتهم إلا من خلال مصلحته ، فعلينا ان نبادله هذه النظرة… بالأمس عابو على تشرشل (رئيس الحكومة البريطانية في زمن الحرب العالمية الثانية) تعاونه مع روسيا السوفيتية وهو الذي أفرط قبلا في مهاجمتها، وان تشرشل أجاب:”أنني مستعد لأن أمد يدي للشيطان لكي أنقذ بلادي وأقهر عدوي” ويواصل المفتي قوله:” أفلا يحق لنا – نحن العرب – أن نمد يدنا إلى أي كان لإنقاذ بلادنا وقهر الصهيونية؟ نقول هذا مع العلم بأننا رفضنا أن نمد يدنا إلى أحد، إذ لم نجد يدا تصافحنا على السراء والضراء، وفضلا عن أن خطانا كانت مكتوبة علينا ولم يكن لنا الخيار في وجهتنا”.
انتهى نص المقابلة. لا بد هنا من التأكيد على ان المفتي لم يتعاون مع هتلر إطلاقا،بل رفض تنفيذ طلبات برلين وروما بإقامة قوة عسكرية تعمل على تدمير خطوط الحلفاء من الخلف، بل انتقد تصرفات هتلر وكان مقيما في منزل تحت الحراسة،أي غير قادر على مغادرة ألمانيا، وهذا يدل دلالة كبيرة على بطلان كل ما قيل عن تعاون المفتي مع هتلر أو انه المحرك وراء هتلر لإبادة اليهود.
nabiloudeh@gmail.com