مفردات نصوص مملكة إيبلا السورية
فايز مقدسي
باولو ماتييه، مكتشف إيبلا
تمَّ اكتشاف أنقاض مملكة إيبلا القديمة في شمال سوريا في الربع الأخير من القرن العشرين على يد بعثة أثرية إيطالية بإشراف الباحث الآركيولوجي الآثاري الشهير باولو ماتييه، وتم العثور فيها على العديد من الألواح الحجرية المكتوبة بلغتين وهما لغة إيبلا (اللغة الآمورية السورية القديمة) واللغة السومرية. وهكذا تم العثور على أول قاموس مزدوج اللغة في التاريخ.
وسرعان ما أطلق بعض العلماء اللغويين اسم “اللغة الايبلائية” على مفردات ونصوص إيبلا تمامًا كما فعلوا مع لغة أوغاريت حين اطلقوا عليها اسم اللغة الأوغاريتية وكأن كل مدينة في بلاد الشام كانت تتحدث وتكتب بلغة خاصة بها. ولم يفعلوا، في سوريا والعراق، كما فعلوا مع اللغة المصرية القديمة حين سموها بكل تفرعاتها اللغة المصرية، بل عمدوا الى تسميات محلية جغرافية ضيقة تخص المنطقة التي حدث فيها الاكتشاف فصارت اللغة السورية القديمة تحمل العديد من التسميات التي لا تدل سوى على اسم أسرة عهد ملكي معين أو اسم المدينة التي تم فيها الاكتشاف، وهكذا بدلاً من (اللغة السورية) صار لدينا ما لا يحصى من التسميات للغة هي واحدة في الأصل، مثل سومرية نسبة إلى سكان العراق القدماء، واكادية نسبة إلى أسرة سرجون الاكادي مؤسس الامبروطورية السورية الأولى في التاريخ، ثم اسم البابلية نسبة إلى اسم بابل، وثم الآشورية نسبة إلى الامبروطورية السورية في العهد الآشوري، ثم الكنعانية نسبة إلى اسم السوريين القدماء في بلاد الشام، ثم الفينيقية لإعادة تسمية الكنعانية حسب التسمية اليونانية، ثم الآرامية نسبة إلى عهد الممالك الآرامية السورية، ثم السريانية لإعادة تسمية الآرامية. ثم انتبهوا إلى وجود لغة سورية هي الأقدم واسمها الامورية نسبة الى اسم السوريين القدماء الذين ينحدر منهم الملك سرجون والملك حمورابي الذي اسمه الصحيح يأتي في صيغة (امور- ابي) أي المنحدر من الأصول الامورية السورية. ومن سوء الحظ لم يتم العثور حتى اليوم على نماذج من اللغة السورية الامورية وإنما فقط على أسماء أعلام وأشخاص تعطي فكرة عن تلك اللغة التي لاشك أن لغة المخاطبة اليومية في كل أرجاء العراق وبلاد الشام احتفظت بأكثر مفرداتها.
إننا نستطيع التكلم عن لهجات منوعة صوتيًا للغة واحدة فنقول لهجة دمشق ولهجة بيروت ولهجة فلسطين ولهجة بغداد على سبيل المثال، ولكننا لا نستطيع تسمية تلك اللهجات لغات طالما أنها متحدرة من أصل لغوي واحد. ومما يزيد الأمر تعقيدًا أن الناس في بلادنا يعتبرون أن أجدادنا القدماء كانوا يتحدثون اللغة العربية البدوية الفصحى وأن الاستعمار الأوروبي هو الذي ابتكر اللهجات المحلية العامية للتفرقة بيننا بينما نحن نعرف أن تجار العربية كانوا يأتون للشام للتجارة (ومنهم النبي محمد) وأنهم كانوا يتكلمون مع السوريين بالسورية وليس بالعربية لان السوريين ما كانوا يتكلمون لغة قبائل العرب المختلفة من قبيلة إلى أخرى وصعبة على الفهم، ويكفي قراءة القصائد الملفقة المسماة بالمعلقات ليكتشف المرء أنه وحتى اليوم لا يفهم من مفرداتها سوى بضع كلمات، وبعد الشرح الذي لا يعتمد على علم لغوي وإنما على تلفيق مرتب كما فعل الأصمعي الذي أخذ اللغة عن بدو الصحراء وكأنهم علماء لغة وهم لم يكونوا يجيدون لا القراءة ولا الكتابة. وإنه وكما تذكر المراجع الإسلامية وعندما ظهر الإسلام في مكة كان هناك بضعة أشخاص فقط يقرأون ويكتبون ومنهم من كتب الوحي للنبي محمد الذي ودائمًا حسب الروايات الإسلامية كان لا يكتب ولا يقرأ العربية، ناهيك عما تبقى من لغات. وهنا نتساءل ومن باب الفضول بأية لغة كان النبي يخاطب مارية القبطية -المصرية بنت شمعون ولم تكن هي تعرف العربية ولم يكن هو يعرف المصرية؟ وكيف تم إطلاق اسم (الأمي) على النبي بمعنى الذي لا يجيد القراءة ولا الكتابة أو الجاهل، وكلمة أمي كلمة سومرية شهيرة تدل على الإنسان العليم العارف ورئيس الكتبة والأديب الذي يكتب ويقرأ؟ ولماذا كان الأمويون يحملون اسم /اميا/ أي العارف؟ وكيف تم، وفي الوقت نفسه، اطلاق لقب الأمين على النبي – والأمين كلمة سومرية تدل بدورها على العالم رأس الحكمة والمعرفة وتجمع على أمناء الذين كانوا أصحاب المعرفة والكتابة وكانوا يشكلون شبه جمعية سرية ويدونون أفكارهم بلغة ملغزة لا يفهمها الجميع؟ لذلك ليس من الغرابة أن اللغة المصرية القديمة كانت تسمي الله (آمون) أي الخفي الذي لا ُيرى أو المحجوب، قبل أن يتحول الاسم إلى (آتون) أي نور السماوات والأرض بالمصرية. وكانت كلمة أمين السومرية تجمع على “أمناء” وتؤنث في صيغة “آمنة” أو “أمينة” وهو اسم أم النبي محمد. ثم بأية لغة يا ترى خاطب الناسك السوري الشهير “بحيرا”، واسمه يعني بدوره المتبحر في المعرفة، النبي محمد على أبواب الشام ورأى عليه خاتم النبوة؟ والامثلة كثيرة إنما قصدنا ذكر بعض ما قل ودل.
ألواح لغوية من إيبلا
***
نماذج من مفردات اللغة السورية كما هي في نصوص إيبلا تبين كيف أخذت العربية أكثر المفردات السورية وأطلقت عليها اسم العربية الفصحى بينما هي، وفي الواقع، اللغة السورية التي أطلق عليها بعد دخول الإسلام بلاد الشام اسم العربية تكريمًا للقرآن.
بو-كا-رو: يعني أول الاولاد أو الولد البكر والبنت البكر
قادرو-دو: أي البطل القوي القادر صاحب القدرة.
تد-بي-رو: بمعنى التدبير والمدبر وتدل أيضًا على الحقل الذي يتدبر الفلاح أمره بالحراثة ويبدل تربته.
تيا-موتم: ويعني اليم أو البحر والمياه، ومنها اسم
مار-يم: يعني المياه العظمى.
ا-ك-لو: يعني الأكل وفعل أكل-يأكل.
حيو/م: وتعني الحياة والحي القيوم ورب الأحياء والحكمة وتدل الكلمة – في صيغة /يم/ أيضًا على الماء الذي هو أصل الحياة.
كبكب: ويعني الكوكب أو النجمة، وهو لقب عشتار ربة مملكة إيبلا.
ملك/و: تعني الملك/الحاكم.
بعل: السيد الذي في العلى/السماء، وقد تحول إلى اسم علي.
بعلت: مؤنث بعل السيدة التي في الأعالي/السماء، وقد تحول إلى اسم عالية أو علية.
عل: يعني “تعالى” أي الله.
حدد: أي الصانع/الحداد الذي يغير ويصنع الأشكال بعد أن يصهر المعادن/الخالق الواحد الأحد/الله. والله جبل الماء بالتراب في القصة الدينية وصنع الإنسان ونفخ فيه من روحه فصار كائنًا حيًا. والله (عل) أقدم اسم سوري الأصل لله انتقل إلى كل لهجات ولغات المنطقة. ومن الغريب أن نقول إن العرب لم يكونوا يعرفوا الله قبل الإسلام، إذ إن والد النبي يدعى عبدالله.
حبلو: الحبل –الشريط، وتأتي بمعنى المرأة الحامل أيضًا.
اخت-وم: يعني الأخت.
اخو: يعني الأخ.
هلكو: ذهب، مضى، وتأتي بمعنى هلك أي مات ولم يعد يرجع.
بيت-وم: بمعنى بيت أو منزل أو دار.
طب: بمعنى طيب وفيه خير ونافع، ومن هذه الكلمة جاءت كلمة “طوبى” يعني مبارك، والتي كان المسيح يستعملها كثيرًا في كلامه. وجاء اسم شجرة طوبى يعني شجرة الخير في الجنة، وجاء اسم طبيب لأنه يعالج المريض ويشفيه ويصنع ما هو طيب وخير.
خا-سي-يو: بمعنى الحكيم-العارف-المتأمل، وهي نفسها في مفردات أوغاريت، ولعل كلمة قسيس “راهب، كاهن” جاءت منها. وخاسيسو: تعني أيضًا فعل “فهم / يفهم” وربما تحولت مع الزمن إلى كلمة صحيح/ حسيس وحساس.
مخو: تعني المخ.
نفشو: تعني نفخ / تنفس / أي النفس – الروح – الأنفاس. ومنها كلمة /نفوشتم/ أي الحياة.
رام: تعنى أحب وعشق وكما نقول: هي مرامي، يعني أحبها وأريدها. أو لي مرام فيه: يعني لدي رغبة به، يعني أحبه.
شعرت: الشعر – شعر الرأس.
سيما: بمعنى سمع –يسمع، وتأتي أيضًا بمعنى اسم في صيغة /اشم/ ويشمع-ال: يعني الله سمع واستجاب. وصار الاسم فيما بعد اسماعيل.
ام: كما هي تدل على الأم الوالدة.
غلم: يعني غلام، ولد صغير.
غلمت: بنت -مؤنث غلام. وهي تأتي في مفردات أوغاريت بمعنى البنت البكر أو العذراء.
مسكنو: مكان للسكن-بيت.
رحم: بمعنى الرحمن – الرحمة.
اصبعوم: الأصابع.
كرش: البطن – الكرش.
عين: بمعنى العين التي تبصر وبمعنى عين الماء.
سمن: الشحم والسمن.
كينر: كنارة آلة موسيقية.
انتو: بمعنى أنت للمؤنث.
دكر: بمعنى الذكر/الشاب.
ريش: بمعنى رأس/ أو ملك أو سيد أو رأس القوم.
أما اسم مملكة إيبلا فليس كما توهم بعض الجهلاء فعربوه – وكما يفعلون دائمًا باسم “عبلة” – وقالوا ان معنى الاسم هو الصخرة البيضاء، ولكن معنى الاسم حسب تحليلي الشخصي هو (المدينة المقدسة) لان جذر “اب” تعني الأب و”ل” أو “عل” تعني الله فيكون المعنى (المدينة السماوية) أو (حاضرة الله). ومن الصدف أن هذا الاسم أطلق فيما بعد وفي العهد المسيحي على اورشليم – القدس فصارت اورشليم المقدسة أو السماوية كما أن المفكر اللاهوتي الكبير اوغسطين، السوري-الكنعاني الذي ولد في الجزائر ودرس في قرطاجة وتأثر بأفكار النبي السوري “ماني البابلي” ودرس على أفكار وفلسفة الفيلسوف السوري الشهير “بورفيروس” قد وضع كتابًا ضخمًا أطلق عليه اسم حاضرة الله او مدينة الله، والكتاب مترجم إلى أكثر لغات العالم.
كأن الذاكرة البشرية لا تموت ووهي الوارثة الوحيدة للماضي الذي لا يموت. وكما قال الشاعر الفرنسي الكبير جان كوكتو، في واحدة من قصائده، هذه العبارة الخطيرة: “الشاعر يتذكر المستقبل”
Le poète se souvient de l’avenir.
ما اعتدنا على تسميته اللغة العربية الفصحى هو في الحقيقة اللغة السورية.
عن صفحة الكاتب على الفيسبوك