أحمد شحادة جابر
منشق عن وزارة الخارجية السورية
تميز نظام الاسد الطائفي المزركش ببعض التماثيل من طوائف ومكونات المجتمع السوري خلال عقوده الأربعة داخلياً بسياسة النفس القصير تجاه الشعب ومطالبه بالتغيير حيث كان الحسم الأمني العنيف سيد الموقف عند أي محاولة من قبل المعارضة لفرض أي تغيير في الواقع الذي أسس له حافظ اسد بدقة الأمر الذي قطع أي أمل في التغيير وجعل مجرد ذكره من المحرمات.
فيما اتسمت سياسة النظام خارجياً بالنفس الطويل وتلطى خلف شعار المقاومة والممانعة لإسرائيل التي مثلت بوصلته الرئيسية خلال لعبه في الميادين المحلية والإقليمية والدولية حيث أخفى من خلال هذا الشعار سياسة التنازل التي اتبعها في علاقاته مع الشرق والغرب وإن كانت بدرجات تبعاً للقضايا المطروحة في أي عملية تفاوض، حيث كانت تجري لها بروبغاندا تمجد رئيس النظام ودفاعه عن الحقوق الوطنية والقومية، و برزت تنازلات النظام واضحة وجلية في القضايا التي كان من شأنها المس بالمنظومة الحاكمة رغم محاولاته المفضوحة لإخفاءها كما حدث عقب التهديد التركي باجتياح سوريا مما اضطر رأس النظام آنذاك حافظ اسد إلى إيفاد رئيس جهاز الأمن السياسي اللواء عدنان بدر حسن إلى تركيا لنزع فتيل الحرب التركية على سوريا بأسرع وقت ومهما كلف ذلك من تنازلات وبالفعل تم التنازل في عدة قضايا فاجأت الجانب التركي كان على رأسها تسليم عبدالله أوجلان، وأيضاً الرضوخ للتهديدات الأمريكية وفتح المنشآت العسكرية في كل سوريا أمام مفتشي الأمم المتحدة دون قيود أو شروط وبزمن قياسي فاجأ الجميع.
ويعتبر الوقت من أهم العوامل التي يأخذها النظام باعتباره في عملية التفاوض، فإذا لامست القضية المطروحة أو أدت بشكل ما إلى المس بالمنظومة الحاكمة فإن الوقت مهم جداً ويجب استثمار كل ثانية في عملية التفاوض للانتهاء وبأسرع وقت ممكن من هذه القضية ولو تطلب الأمر التنازل في قضايا تعتبر في صلب الأمن القومي للبلد المهم أن يبقى النظام محافظاً على وجوده واستمراره فيما تعمل بروبغاندا النظام وشقيقاتها الموالية له عربياً وإقليمياً على ترقيع تلك التنازلات بشكل مفضوح وتحويلها إلى انتصارات كبيرة وعظيمة تصور رئيس النظام خلالها كبطل قومي، أما إذا كانت القضية لا تؤثر على كيان النظام واستمراره فإن الوقت غير مهم ويُغرق الطرف الآخر بتفاصيل التفاصيل وقضايا لا قيمة لها على هامش الموضوع ومطالبات بأخذ الوقت للتشاور والدراسة والبحث يرافق ذلك بروبغاندا عن بطولات المفاوضين خلال تنفيذهم لتوجيهات رئيس النظام في الدفاع عن القضية المطروحة التي يعتمد النظام في تحجيمها وتضخيمها على نوع المفاوضين وسرية القضية أو علانيتها كما في حصل في مراحل عدة من الثورة السورية حين قزّم النظام ثورة شعبية عظيمة لم يشهد التاريخ الحديث بمثلها إلى مجرد أزمة داخلية ومؤامرة خارجية وفوض وزير الخارجية بترؤس الوفد المفاوض إلى جنيف معللاً ذلك بأن القضية من اختصاص وزارة الخارجية لأن المشكلة مع أطراف خارجية معتدية على سوريا.
أما نوع المفاوضين فيتحدد بنوع القضية المطروحة حيث ينقسم مفاوضو النظام ومبعوثيه إلى قسمين حسب تركيبة النظام الطائفية المغلفة بالتعددية الشكلية :
ــ قسم موالي للنظام اعتقاداً ( أي من طائفة النظام ) ودائماً يكون هذا النوع مختص بالقضايا الأمنية و العسكرية كالتسليح وغيرها من القضايا التي تمس الدولة الأمنية والإقصادية للمنظومة الحاكمة والتي أنشأت على غرار دولة الحرس الثوري الايراني وإن بشكل غير رسمي وغير معلن وتخضع مفاوضات وعلاقات هذا النوع من المفاوضين للسرية المطلقة ويكون التواصل مع رئيس النظام مباشر.
ــ وقسم موالي للنظام خوفاً أو طمعاً بمكسب سلطوي أو مادي وغالباً ما يكون هذا النوع من المفاوضين من غير طائفة النظام لإبراز التعددية في مفاصل الحكم وعملية اتخاذ القرار ولكن دائماً يكون مساعدي هذا النوع من المفاوضين من طائفة النظام ويختص بجميع القضايا والمجالات شرط عدم الاقتراب من حدود التماس المرتبطة بمصالح المنظومة الحاكمة.
كما يولي النظام الطرف الآخر أهمية كبيرة في عملية التفاوض وبناء العلاقات مستنداً في انتقاء مفاوضيه ومبعوثيه على علاقات شخصية كما هو الحال بين وليد المعلم وسيرغي لافروف، أو انتماءات قومية كما في حالة العماد حسن تركماني الذي كلف بملف العلاقات مع تركيا، أو صلات مذهبية وطائفية حيث أن جميع سفراء النظام في ايران كانوا من نفس طائفة النظام، كما يمكن أن يعتمد النظام في عملية التفاوض وإرسال المبعوثين على شخصيات من خارج الدائرة أو الوزارة المعنية إذا انطبقت عليها المواصفات المطلوبة مما ذكر أعلاه.
أما السفارات السورية فقد تم تحييدها وألغي دورها في أي عمليات تفاوض أو تطوير للعلاقات بين سوريا والدول الأخرى أو رعاية لمصالح السوريين في بلاد الاغتراب وتحولت إلى فنادق استجمام في أحسن حالاتها يكافئ النظام مسؤوليه وأعوانه المقربين في إدارتها عند نهاية خدمتهم وتتضمن تلك الفنادق مراكز أمنية كبيرة وقوية فيها أقسام صغيرة لاستلام التقارير وإرسالها عن نشاط السوريين في بلاد الاغتراب وتم تدعيم السفارات بملحقيات أمنية يمثل موظفوها المنتمين إلى طائفة النظام نسبة 99% لوأد أي عمل من شأنه المس بوجود النظام واستمراره.
ويبقى الخط الساخن بين الوفد المفاوض أو المبعوث و رئيس النظام من خلال مكتب اتصال يعمل 24 ساعة يستقبل الأسئلة ويرسل الأجوبة من خلال برقيات مشفرة لاتخاذ المواقف والقرارات النهائية في القضايا المطروحة الفصل الأخير في عمليات التفاوض التي تقوم بها وفود النظام ضمن خطوط حمراء دموية لا يمكن لأحد أياً كانت مرتبته ودرجة مسؤوليته من تجاوزها مهما كانت الظروف والأسباب، حيث يخضع كل حرف يُطرح خلال عملية التفاوض لرأي رأس النظام وأخذ الموافقة عليه حتى لو كان يلبي مصالح النظام ورغباته.
Ahmad.shehada.jaber@gmail.com
منقول عن ايلاف