انا من الذين يصدقون كل ما قاله الجيش الحر عن معلولا وبراءته من الاعتداء على اي شخص من سكانها واي موقع ديني فيها . وقد سبق لي أن شرحت في اكثر من مناسبة حقائق ما حدث فيها ، واكدت أن جيش وطيران السلطة هو الذي قصف مواقعها الدينية والأثرية ودمرها. لكن هذا لا يعفيني من قول بعض الملاحظات حول الإطار السياسي ، الداخلي والدولي ، الذي وقعت فيه احداثها .
من المعروف ان الاسد كان يختنق بجريمة الكيماوي التي اراد بها قلب موازين القوى الداخلية لصالحه ، لكنها أدت إلى عكس ما اراده وأثارت عليه العالم ، بمن في ذلك بعض حكام طهران : شركاؤه في الحرب ضد سوريا ، وكذبة موسكو ، الذين يدافعون عنه ويديرون سياساته الخارجية وعلاقاته الدولية، بعد ان صار لافروف وزير خارجيته الحقيقي، وبوتين عرابه الرئاسي وحامي مافياته خارجيا وداخليا .
في مأزق النظام ، الذي اضمر علامات على موته وادى إلى ردود افعال وحشود عسكرية لا قبل له بها ، كان من الضروري ان يفتعل حدثا خطيرا يعيد الصدقية لأكاذيب نشرها ، مارست تاثيرا جديا على الرأي العام العالمي ، وجعلته يقاوم ضربه ويرفض عملا عسكريا ضده، لو وقع لكانت فيه نهاية الاسد وعصاباته. والآن : اي موقع في سوريا يمكن ان يستثير المشاعر اكثر من معلولا : البلدة المعروفة في العالم ، التي تضم مواقع تذكر بطور المسيحية الاول وتحتل مكانا مميزا فيها ؟.
مهد النظام لضربته في معلولا بمعركة مفتعلة تماما خاضها ضد بلدات وقرى محيطة بها ، اهمها قرية «جبعدين «المسلمة ، التي يتحدث اهلها الأرامية الى اليوم، كاهالي معلولا، و»عين التينة» ، الواقعة على بعد كيلومترات قليلة الى الجنوب من معلولا : حاضرة الاديرة المحفورة في الصخر ،والكنائس المقامة تحت كتل جبلية ضخمة تخفيها عن الأنظار، والمتداخلة مع بيوت سكن تتراصف بعضها فوق بعض ،وتتشابك مذكرة بحكايات جعلت منها مكانا مقدسا اجتذب الرسامين والفنانين وكتاب القصص ومحبي الغرائب ، والسياح من كل فج ولون . لقد كان من الواضح ان النظام يضمر السوء للبلدة ، وانه عازم على توريطها في قتال خطط له كي يفضي إلى تدميرها ، عله يمحو بمعونته ما تركه استخدام الكيماوي ضد الغوطتين من ردات فعل دولية دحضت كذبة روج لها في الغرب – بنصيحة روسية – جعلت منه نظاما علمانيا يقاتله اصوليون قدموا من خارج سوريا ، يحاربهم دفاعا عن شرعيته المنتهكة والشعب الذي يرفضهم . كان يراد لضربة لمعلولا ان تنسي العالم جريمة الاسد، وتعيد الصدقية الى ما يقوله حول دوره « الإنساني والحضاري « الذي يقاوم جرائمهم . كانت معركة معلولا فخا نصبه النظام ، لذلك من المصلحة الابتعاد عنه ، خاصة وانه كان من الجلي ان الاسد سيدمرها بمجرد دخول الجيش الحر اليها، وعبأ لهذه الغاية آلته الإعلامية الدولية وعملاءه في الوسط الكنسي المسيحي ، ليمسح من وعي وذاكرة العالم نتائج الكيماوي وصور ضحاياه.
في الحروب ، لا يحررالمرء كل موقع يوجد العدو فيه، خاصة أن كان نائيا وغير ذي اهمية كما اكد الجيش الحر في بيان اصدره لشرح ملابسات معلولا. ومن غير اللازم ، في منطق الحروب ، خوض أية معركة مهما كانت رابحة، إذا كانت نتائجها السلبية اكبر من نتائجها الايجابية ، أو كانت تسمح للعدو بالإفلات من مازق معنوي أو مادي، او تلحق الضرر بقضية وطنية أو نضالية. بهذه المعايير ، لم يكن من الضروري دخول معلولا ، فالبلدة ليست مهمة عسكريا ، والانتصار العسكري فيها محدود الأهمية ، وسيستغل لانزال هزيمة اعلامية دولية بالثورة ، وسيثير مخاوف ووساوس داخل سوريا محرجة للجيش الحر والمعارضة ، وسيمكن النظام ومعظم الاعلام الغربي والروسي من تشويه حقائق الصراع وتزوير معطيات الواقع السوري ، واخيرا ، سيسهم في محو جريمة الكيماوي ونتائجها من سياسات الدول وذاكرة العالم ، التي سيتم حشوها باكاذيب حول « جريمة» لا وجود لها سيقال إن الجيش الحر ارتكبها في معلولا.
كانت معلولا نصرا عابرا لم يبدل شيئا من الواقع العسكري ، لكنها تسببت في نكسة اعلامية مؤذية للثورة . فهل نعي اخيرا فداحة الضرر الذي يمكن ان يترتب على الافتقار إلى اسس ناظمة للعمل الوطني تضبطه وتلزم فصائله بالتشاور قبل اي عمل قد يمس ثوابت ومصالح مجتمعنا وشعبنا؟. وهل ندرك من الكيماوي فصاعدا ان معركتنا بلغت طورا شديد الحساسية لن ننجح فيه ما لم ننجح بتفادي السقوط في أي فخ ينصبه النظام لنا ، سواء في معلولا أم في غيرها من مواقع بلادنا المحملة برمزيات دينية ووطنية ؟.
يمثل قرار الجيش الحر بتحييد البلدة ردا متأخرا على غلطة تحتاج نتائجها إلى تصحيح، يرجو سوريون كثيرون ان لا ترتكب في الايام والاسابيع المقبلة ، الحافلة بشتى المخاطر ، اية اخطاء فادحة مثلها !.
منقول عن الشرق الاوسط