مصير بشار في الحقبة الإيرانية

muf17عبد الناصر العايد
الحياة:النسخة: الورقية – دولي الإثنين، ١ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٤ (٠٠:٠ – بتوقيت غرينتش)
جعل حافظ الأسد من سورية بلداً على صورته، كئيبة وانطوائية وسرية وقاتلة، وحاول وريثه أن يجعلها على صورته هو الآخر، لكن هوسه وتذاكيه وعدوانيته الصبـيانية، لم يكن من السهل إسباغها على سورية بسرعة، وحين تفجرت الثورة السورية، هرع الصبي إلى البيت واحتمى بصورة أبيه مجدداً. لكن يبدو أن آل الأسد لم يكفهم أنهم شوهوا البلد على مدى عقود لتطابق صورتهم، بل يصرون على جرها معهم إلى مصيرهم المحتوم، وهو الزوال.
كانت المعادلة واضحة منذ انطلاقة الثورة، فقد تواجه النداء السوري «يالله ارحل يا بشار» مع شعار زبانيته «الأسد أو نحرق البلد»، فالنظام الذي كان يفتقد أي نوع من أنواع الشرعية سواء الدستورية أو السياسية أو الأخلاقية، لم يكن أمام أوليغارشيته الأمنية والسياسية سوى قشة واحدة تنقذهم من الغرق، هي «الرئيس المنتخب»، ولقنوا هذا العنوان لقواعدهم الشعبية، مع أدلة تخبرهم بأن زوال هذا الغطاء يعني فناءهم، خاصة لناحية تضخيم البعد الطائفي للثورة، الأمر الذي دفع تلك القواعد سريعة الامتثال لترداد عبارة «فدا صرماية الرئيس» في جنازات قتلى الحرب على بقية السوريين، كأنها تعويذة يدفع بها خطر أفظع وأعظم.
لقد التقطت إيران خوف آل الاسد منذ اللحظة الأولى، ولم تطمئنهم كلياً، بل اقترحت العمل في الخطوط الخلفية لمؤازرة النظام، وتوغلت في عمق اللحم الحي للطائفة العلوية، في جبهات القتال وفي المجتمع الذي شرعت لهم أبوابه على أوسع نطاق، وتوسط النشاط الإيراني بين الرئيس وطائفته وفصلهما بالتدريج، ليسحب في النهاية البساط من تحت قدمي بشار الأسد، كحامٍ للطائفة العلوية، ولتفرض نفسها مع «حزب الله» بوصفهما الحاميين للعلويين ولآل الاسد معاً، ولتبدأ بتكسير أجنحة وأذرع تلك العائلة، وتحجيمها لمصلحة الطائفة كما تزعم، مع الإبقاء على شخص بشار كواجهة هشة وهزيلة، ويمكن الاستغناء عنها بسهولة. وحادثة عزل حافظ مخلوف، المسؤول الامني عن دمشق، وابن خال الرئيس، بأمر من إيران، ورحيله من دون ضجيج إلى روسيا، لن تكون الحادثة الاولى في هذا السياق، كما أن إباحة دمشق لاحتفالات عاشوراء على طريقة الملالي، لن تكون المظهر الأخير لهيمنة إيران على ما يقع أسفل قصر «الرئيس»، المعزول في قمة قاسيون.
ومع أن روسيا تشارك إيران نغمة الرئيس الذي انتخبه السوريون، وتكررها مثلها بلا ملل، إلا أن النظامين يخوضان خفية صراعاً عليه، ليس لكسب وده، وانما لبيعه في الوقت المناسب، ولهذا السبب تولت قوة خاصة إيرانية، مسألة تأمين بشار، وحمايته من روسيا قبل أي جهة أخرى.
لا دولة تستثمر في «شخص» يمكن أن تزهق روحه لأوهى الأسباب، أياً يكن هذا الشخص، ولا يمكن أن يتصور المرء أن تنفق إيران ما يزيد على عشرة مليارات دولار على مشروع النفوذ في سورية، وتجعله مرتبطاً ببشار الأسد فقط، كما أنها لن تكون من الغباء بحيث تصنع زعيماً جديداً يعود في لحظة ما لمناكفتها أو منازعتها مستقوياً بالطائفة أو بالعرب، بل أنها ستصنع على الأغلب أتباعاً من حجم نصر الله والحوثي والمالكي وعلى شاكلتهم، أي زعامات دينية مليشياوية متوسطة الحجم، ومعتمدة عليها كلياً، وتستطيع أن تستخدمهم في مهمات تكتيكية، وتناور بهم تغييراً وتقديماً وتأخيراً كلما دعت الحاجة.
أما بشار الأسد، المليء بأوهام الزعامة، الموروثة عن عهد أبيه، فإنه سيموت عاجلاً أم آجلاً، وإيران لن تنتظر تلك اللحظة لتبيعه، فما من أحد سيرغب بشراء جثة، بل ستبيعه حياً، وتخرجه ليس من المشهد وحسب، بل من وجدان وخيال العلويين، باعتباره رمزاً لقوتهم واستقلالهم، وربما انتمائهم للتاريخ السوري، وتفسح الطريق للرعيل الأول من أتباع الولي الفقيه وخدم مشروعه الامبراطوري، والذين سيتوجب عليهم التعامل مع حقبة الأسدين باعتبارها جاهلية ما، يجب ان تمحى من ذاكرة الجماعة.
* كاتب سوري

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.