علي حماده
لم يعد سرا ان العواصم الكبرى المعنية بالأزمة السورية، ولا سيما الاجنبية بدأت تتشاور في ما بينها بشأن مصير الرئيس السوري بشار الاسد. وليس سرا ان موسكو المعنية الأولى بدعم النظام على الصعيد الدولي ما عادت ترفض البحث في الخيارات الاخيرة للرئيس السوري، بمعنى انها تتشاور ولا نقول تتفاوض بخلفية ان النظام سيسقط او يمكن ان يسقط في مدى منظور.
قبل سنة من الآن كان احد كبار الديبلوماسيين الاميركيين يتحدث الى مجموعة من السياسيين اللبنانيين في احدى العواصم الاوروبية عن التجاذب بين واشنطن وموسكو حول سوريا، فقال: “ان موسكو تتحدث معنا على قاعدة ان النظام لن يسقط ويمكنه ان يحقق فوزا عسكريا حتى لو لم يقترن ذلك بنتائج سياسية تعيد سوريا الى ما قبل ١٥ آذار ٢٠١١. ومن هنا فإن كل ما يطرح على الطاولة بشأن بشار والنظام يجيب عنه الروس بحزمات من الاقتراحات التي لا حصر لها، وجلها غير قابل للتحقيق، ولا سيما التسوية مع بشار”. اضاف: “ان ما يطلبه الروس اليوم سيتقلص بعد ستة اشهر الى النصف، وبعد عام الى الربع الى ان يقتصر الموضوع في ما بعد الى التفاوض على ادارة مرحلة ما بعد النظام وبشار”.
قبل شهر قال وزير فرنسي سابق تابع من كثب الملف السوري خلال عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي لأصدقاء له :”لقد اوقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه في فخ وعلق فيه، وهو الآن غير قادر على الخروج منه في مرحلة يتضح فيها ان بشار الاسد سيسقط لا محالة”. وفي تعليق لاحق له قال أحد الصحافيين المرموقين الذين سمعوا هذا الكلام: “ان روسيا في شكل او آخر، تعيد انتاج مرحلة افغانستان في سوريا. فهي تشهد على انهيار النظام وعلى تدمير متواصل لأسلحتها الثقيلة على أيدي الثوار السوريين. ولعل الاختبار الأصعب يتمثل بفقدان سلاح الطيران السوري الروسي الصنع (٨٠٠ طائرة، ٤٠٠ منها عاملة فعليا) لاكثر من ثلث طائراته المروحية والمقاتلة حتى الآن، ولا ننسى تدمير عشرات الدبابات الثقيلة والمدرعات على اختلافها في كل انحاء سوريا”.
بالعودة الى مصير بشار الاسد، فإن التشاور حول تسويات سياسية انتهى، وصار البحث الجدي في مرحلة ما بعد النظام. ولعل بدء معركة دمشق نفسها هو احدى الادوات التفاوضية على موائد الكبار. فموسكو (وليس ايران الخاسر الاكبر من سقوط النظام ) تزيد من تدخلها الاستخباري والاستشاري الى جانب النظام لمنعه من السقوط قبل عقد صفقة مع الاميركيين والاوروبيين حول المرحلة المقبلة.
لقد اصبح مصير بشار مطروحا على موائد الكبار. وتلويحه باستخدام السلاح الكيميائي لن يغير في شيء، بل سيغرقه اكثر وربما يسرّع النهاية. وحتى الان كل ما ينقل عن بشار انه يرفض رفضا قاطعا الخروج من سوريا الى منفى، ويرفض الاستسلام على رغم ان كل التقارير الاستخبارية المنقولة عمن قابلوه أخيراً، تصوره رجلا ضائعا، وقد فقد كل أمل في الانتصار، وانه صار عارفا بمزاج محيطه اليائس. وبخلاف الايرانيين (حتى الان) صار الكل يتحدث عن بشار بصيغة الماضي. فكيف ستكون النهاية؟
نقلا عن صحيفة “النهار” اللبنانية.