خيرالله خيرالله المستقبل اللبنانية
كانت حركة “حماس” في غزة تحتفل بـ”انتصارها” على غزة، عندما انتهز الرئيس محمد مرسي فرصة تركيز العالم واهل المنطقة على الحرب الاخيرة التي شهدها القطاع. استغل مرسي الفرصة كي ينصّب نفسه رئيسا يمتلك صلاحيات مطلقة في مصر. قضى مرسي فجأة بالضربة القاضية على استقلال السلطة القضائية وحولها تابعا لرئاسة الجمهورية واغلق في الوقت ذاته كلّ الابواب امام أيّ مراقبة قانونية او محاسبة لما يقوم به. تبيّن أنّ لا همّ آخر لدى مرسي سوى مصر وكيفية اقامة نظام جديد فيها محوره حركة الاخوان المسلمين التي ينتمي اليها.
خرج الرئيس المصري الذي رعى الاتفاق الجديد بين “حماس” واسرائيل المنتصر الاوّل من حرب استمرّت ثمانية ايّام سقط فيها مئة واربعون قتيلا فلسطينييا ومئات الجرحى…من اجل عودة الوضع الى ما كان عليه قبل العملية الاولى التي استهدفت مركبة عسكرية اسرائيلية تلاها تبادل لاطلاق الصواريخ بين الجانبين.
الملفت أن مرسي انتصر في حرب دارت خارج مصر لم تكلّفه سوى اتخاذ موقف يتلخص بالطلب من “حماس” الاكتفاء بتلقي الضربات الاسرائيلية ثم الاعلان عن انتصارها المتمثل في أنها ستظل، الى اشعار آخر ممسكة بغزة…
باستثناء ذلك، أي الامساك بغزة وتكريسها كيانا مستقلا، ليس معروفا بعد ما الذي جنته “حماس” من تلك الحرب التي تورّطت فيها غصبا من عنها، لاسباب ايرانية وسورية الى حدّ كبير، ودفعت من خلالها ثمنا لفوضى السلاح التي رافقت سيطرتها على القطاع في منتصف العام 2007 وطوال المرحلة التي مهّدت لتلك السيطرة.
كلّ ما يمكن قوله الآن، انّ اي كلام عن انتصار لا معنى له باستثناء أن “حماس”، بتكريسها السيطرة على غزة واهل غزة، انما رسّخت القطيعة بينها وبين السلطة الوطنية الفلسطينية و”فتح”. هل يمكن اعتبار ذلك انتصارا بأيّ شكل؟ اذا كان يمكن تسمية ما اسفرت عنه الحرب الاخيرة في غزّة انتصارا، فما هو إذاً مفهوم “حماس” للهزيمة؟
كان ملفتا ذلك الغياب للسلطة الوطنية عن احداث غزة. جاء الغياب، بناء على طلب اسرائيلي اوّلا، في وقت كانت هناك حاجة الى رجال شجعان يقولون ما يجب قوله عن أنّ اسرائيل لم تعد في حاجة الى عملية برّية في غزة ما دامت “حماس” تعهّدت عبر مصر بوقف اطلاق الصواريخ في اتجاه الاراضي الاسرائيلية.
اكثر من ذلك، هناك حديث عن هدنة طويلة بين “حماس” واسرائيل ينصرف خلالها كلّ طرف من الطرفين الى الاهتمام بما يعنيه مباشرة. ستهتمّ “حماس” بغزة وستحاول مجددا قلب موازين القوى في الضفّة الغربية. في غضون ذلك، ستتابع اسرائيل بناء المستوطنات في الضفة الغربية وتطويق القدس!
ستكون”حماس” معنية اكثر من ايّ وقت بالامساك بغزة والبحث في مستقبل علاقتها مع مصر بعدما تبيّن لها أنّ ليس من السهل دفع القاهرة الى اتخاذ مواقف معيّنة. اظهر محمّد مرسي طوال ازمة غزّة أن مصلحة مصر والاخوان المسلمين فوق اي مصلحة اخرى وأن الاولوية لدى الاخوان تعزيز هيمنتهم على اكبر دولة عربية وليس الانسياق خلف شعارات تطلقها “حماس”، حتى لو كانت جزءا من حركة الاخوان المسلمين.
كان السائد في اوساط “حماس” والجهات الايرانية وغير الايرانية التي تدعمها انّ في الامكان جرّ مصر الى تصعيد، اقلّه في المجال السياسي، مع اسرائيل. لم يحدث شيء من هذا القبيل. ففي وقت كانت المعارك مشتعلة في غزّة، كانت مصر توقّع اتفاقا تحصل بموجبه على قرض من صندوق النقد الدولي. كذلك، كانت هناك اتصالات مباشرة مصرية- اسرائيلية واخرى مصرية- اميركية توّجت بزيارة لوزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون للقاهرة. بعد ذلك اتصل الرئيس باراك اوباما بالرئيس المصري ليشكره على الجهود التي بذلها من اجل وقف الحرب الدائرة بين اسرائيل و”حماس”. اضافة الى ذلك، لم يتردد كبار المسؤولين الاسرائيليين في توجيه المديح الى مرسي…
كلّ كلام عن الوحدة الفلسطينية في اعقاب حرب غزّة لا قيمة تذكر له. فأيّ مصالحة فلسطينية في حاجة الى مضمون سياسي كي يكون لها معنى من اي نوع كان. وفي غياب المضمون السياسي للمصالحة، وهو مضمون معروف جيدّا، بل اكثر من اللزوم، ستهتمّ “حماس” اكثر من أيّ وقت بتحويل غزة “امارة اسلامية” على الطريقة الطالبانية كما ستترتّب عليها مسؤولية التنسيق مع السلطات المصرية المعنية من اجل تنظيف سيناء من الارهاب والارهابيين. ستضطرّ الى ذلك عاجلا أم آجلا، في حال كانت تنوي المحافظة على علاقات وثيقة، او لنقل طبيعية، مع القاهرة.
هل ستتمكن “حماس” من مواجهة مرحلة ما بعد الانتصار “الضخم” الذي حققته، وهو انتصار وهمي اكثر من أيّ شيء آخر، أم ستستسلم لمصر واخوان مصر بعدما تبيّن أن ليس في استطاعتها أخذ مصر الى مواقف لا تريدها، او على الاصح ليس في استطاعتها دفع تكاليفها.
ستركّز مصر الاخوان في المرحلة المقبلة على كيفية اقامة نظام جديد يشبه الى حد كبير نظام العسكر الذي انهته “ثورة 25 يناير”. لن يكون لدى محمد مرسي وقت سوى لمصر. أما اسرائيل، وفي ظل الهدنة الطويلة مع “حماس”، فهي ستنصرف الى سياستها العدوانية المتمثلة في تكريس احتلالها لجزء من الضفة الغربية والقدس الشرقية والقضاء على خيار الدولتين على الارض التاريخية لفلسطين…
بعد حرب غزة بنسختها الجديدة، هناك خاسر كبير هو الشعب الفلسطيني وقضيته. تشبه تلك الخسارة تلك الهزيمة التي لحقت بلبنان واللبنانيين بعد حرب صيف 2006 التي رفع بعدها “حزب الله” شارة النصر من منطلق أن الانتصار على لبنان واللبنانيين هدفه الاوّل والاخير!