نسمع عن مساعٍ للمصالحة بين جماعة الإخوان المسلمين والحكومة المصرية عبر أطراف مختلفة، وفي السياق نفسه محاولات للمصالحة بين تركيا ومصر. تشوش عليها تصريحات بعض قادة حركة حماس في غزة، إيجابية غير مسبوقة تثني على القيادة المصرية من قبل المتشدد محمود الزهار والمعتدل أسامة حمدان، وسبب التشويش أن فيها احتمالين متناقضين تمامًا. فحماس إخوانية من جهة وحليف دائم لإيران من جهة أخرى. في السابق، كان الأمر مقبولاً في تأييد الأتراك والإيرانيين معًا، لكن اليوم لا يمكن الجمع بينهما، إما مع تركيا أو مع إيران لأن البلدين في حالة حرب. فالميليشيات الإيرانية تقاتل اليوم المعارضة السورية الموالية لتركيا، والقتال اليوم مستعر على حدود تركيا.
القاهرة اختارت، منذ وقت حكم محمد مرسي، عدم تبني طرف في الحرب السورية، واستمر الموقف المصري نفسه أيضًا منذ الثورة الثانية، والذي دفع تصلب حكومة عبد الفتاح السيسي غضبها من التدخل التركي في شؤونها بتأييدها المعارضة الإخوانية. وفي الوقت نفسه ابتعدت الحكومة المصرية عن إيران، على اعتبار أن من صلب استراتيجية القاهرة تاريخيًا، ومنذ أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، أن تلعب دور الموازن المنافس ضد طهران. عبد الناصر وقف ضد سعي الشاه بالهيمنة على الخليج في الستينات، والسادات عادى نظام الخميني واستقبل الشاه المخلوع. وتبنى الإيرانيون، في المقابل، تمجيد قاتل السادات وأطلقوا اسمه على أحد شوارعهم الرئيسية. وتبنى الرئيس المعزول حسني مبارك نفس سياسة ناصر والسادات. الوحيد الذي فتح نافذة لنظام طهران هو الرئيس المعزول الثاني محمد مرسي، حيث كسر الجليد بزيارته العاصمة الإيرانية، واستضاف الرئيس حينها أحمدي نجاد، في أول زيارة لرئيس إيراني للقاهرة.
ورغم كثرة الإشاعات، أستبعد أن تتصالح القاهرة مع طهران خاصة في هذه الظروف الخطيرة، حيث يشن النظام الإيراني أوسع حرب توسعية منذ قيام الثورة قبل نحو أربعين عامًا.
ستكون معجزة في أي الحالتين، لو تصالحت القيادة المصرية مع خصمها الوحيد، الإخوان. فهل توقف الجماعة عن نشاطها ضد الحكومة المصرية سيعني فتح مطار القاهرة أبوابه للتائبين الراغبين في العودة؟ ومعجزة لو تقاربت القاهرة مع طهران، لكن لن تحدث المعجزتان في آن، طبعًا هذا لا يشمل تحسين العلاقات البروتوكولية لأنها لا تعني كثيرًا.
لو وقعت المصالحة مع «الإخوان» وفق شروط القاهرة، تكون قد أُطفِئت واحدة من الحرائق والتوترات الإقليمية. فـ«الإخوان» واجهة لمعسكر إقليمي حاربوا نيابة عنه على عدة جبهات، وسيؤدي التصالح معهم حتمًا إلى مصالحة تركية مصرية. وسيعزز إنهاء التوتر بين البلدين الإقليميين الكبيرين، مصر وتركيا، حظوظ الجانب العربي في الصراع في سوريا، والمواجهة ضد إيران، وسيخفف الضغوط على الحكومة العراقية بعد أن أصبحت يتيمة، بخروج الأميركيين، ولوحدها اليوم تقاوم محاولات الهيمنة الداخلية والخارجية.
أما المعجزة الثانية، أي نهاية الخلاف المصري الإيراني، كما تحاول حماس الإيحاء بذلك، فإنه سيحقق للحكومة المصرية مكسبًا واحدًا؛ إضعاف الجبهة التركية، وبالتالي تهميش الإخوان. في المقابل تفقد مصر جبهتها الاستراتيجية مع الخليج. فرغم اختلاف دول مجلس التعاون الخليجية حول الشأن المصري وغيره، فإنها متفقة على رفض أي انحياز لإيران، وهذا سبب مهم جدًا وراء موقفها في سوريا. لكن التحول المصري نحو إيران، بعيد حتى عن التخيل، رغم شطط بعض المعلقين المصريين الذين يتحدثون عن الحاجة للتقارب مع إيران. حكومة السيسي اختطت لنفسها منذ اليوم استراتيجية البناء الداخلي، وركزت على شرعية التنمية، وحل المشكلات المتراكمة التي تواجهها البلاد وحاجات مواطنيها، وابتعدت عن الخوض في الخلافات الخارجية.
غدًا، للموضوع صلة، مقالي عن نهاية مشروع «الإخوان».
*نقلاً عن “الشرق الأوسط”