اكرم هواس
بينما تقوم قوات الامريكية و الدول المتحالفة معها بإجراء مناورات كبيرة و على مدى 12 يوما في مياه الخليج تتصاعد حدة المواجهة الإعلامية و الحرب النفسية بين اسرائيل و ايران حتى الى حد التهديد الإيراني بالقيام بضربة استباقية اذا تيقنت من هجوم إسرائيلي محتوم٠٠٠٠ في هذا الوقت سيجتمع احمدي نجاد مع الرئيس مرسي في نيويورك٠٠٠ السؤال هو٠٠٠ هل لدى الدكتور مرسي ما يقوله للدكتور احمدي نجاد٠٠٠؟؟ هل يمكن ان تلتقي الثورة الإيرانية و الثورة المصرية في شيء…؟ بل هل يمكن ان يكون لدول الربيع العربي اي دور ان تلعبه في صراع قد يهدد الشرق الاوسط و ربما يؤدي الى حرب عالمية كما توقع القادة العسكريون الايرانيون٠٠٠؟؟؟
فلنبدأ اولا بالعلاقة بين ثورتين تفصل بينهما ثلاثة عقود و نقصد الثورة المصرية التي ما زالت لم تكمل فصولها و الثورة الإيرانية المشبعة بالتجارب المرة منها و الحلوة و التي تتدفق بفعلها المستدام و رد فعل الاخرين عليها فجعلت تعطيها دفق الحياة و تدر على فورانها الكثير من الوقود و كأنها دون ان تدري تطيل عمرها و تمدها بأسباب التواصل التاريخي رغم ان الكثير من ردود الفعل هذه انما تبغي إخمادها ٠٠٠٠ او على الاقل٠٠٠ هكذا تقول الأسطورة الإعلامية و الخطاب السياسي و كثرة قرارات المقاطعة و الحصار الاقتصادي و مثلها جعجعة السلاح التي التهديدات الاسرائيلية الدائبة لتزيدها شعلة متقدة في اذهان السياسيين و المهتمين في العام كله…
في مصر٠٠٠ هناك ثورة شابة لم يقو عودها٠٠٠ و لم تواجه تهديدات خارجية و ان كان التدخل شيئا لا يمكن رده في عالم منفتح تمتد فيه اذرع القوى الكبرى و الصغرى في كل مكان٠٠٠ الثورة المصرية ما تزال تواجه الكثير من تحديات الداخل٠٠٠ اختلاف الآراء و الصراع على السلطة٠٠٠ و اهم من كل ذلك المصاعب البنوية و منها شدة الفقر و ضعف الامكانات٠٠٠ من التطور الهائل في مستوى الحاجات و التراجع الهائل في مستوى التنمية٠٠٠ من كثرة المتعلمين و قلة الانتاج٠٠٠ من وفرة الخبرات و تدني مستوى التعليم الذين يزيد من ملايين الاميين٠٠٠القائمة تطول و تطول٠٠٠ فكيف الخروج٠٠٠ ربما سيتسائل الرئيس مرسي٠٠٠
لا ادري ان كان احمدي نجاد سيؤدلج جوابه لان الثوريين عادة يفعلون ذلك٠٠٠ لكن ايران مرت بالكثير من هذه المصاعب و غيرها مما هو اشد وطئة٠٠٠ ايران الثورة مرت بثمانية سنوات من الحرب مع العراق جاءت في خضم الايام الاولى من عمرها ٠٠٠ البلد كان منقسما و البنية الاقتصادية متوقفة عن العمل و الجيش مشتت ليس وجود على الارض… سنوات الحرب الثمانية أدت الى تدمير مئات المدن في مناطق غرب ايران المحاذية للحدود العراقية و تشريد ملايين من الناس الى المناطق الداخلية٠٠٠ ولكن٠٠٠ لم يتوقف الامر هنا٠٠٠ في هذا الوقت تدفق أيضاً ما يقرب من خمسة ملايين من اللاجئين الافغان و ما يقرب من ثلاثة ملايين من اللاجئين العراقيين٠٠٠ و بدلا من تقديم المساعدة الخارجية فقد زاد الحصار الغربي٠٠٠
و هكذا كان على الثوريين إيرانيين ان يوفروا لقمة العيش و المأوى لما يقرب من عشرين مليونا من الأفواه الجائعة بالاضافة الى خمسين مليونا آخرين تأثرت حياتهم بشكل اقل من الشعب الإيراني الكبير… كان على الإيرانيين ان يصنعوا كل شيء بانفسهم٠٠٠ السلاح لمواجهة العمليات الحربية٠٠٠ تطوير أساليب الزراعة لإنتاج ما يكفي الناس من المواد الغذائية٠٠٠ تطوير التعليم لمواجهة التحديات التي تفرضها مواجهة ما اصطلح على تسميته ( الاستكبار العالمي ) و الذي يعني الاستعمار العسكري و الاقتصادي و الثقافي للدول الكبرى و الذي ساوى فيها الإيرانيون بين الولايات المتحدة و حلفائها الغربيون و اسرائيل و أيضاً الاتحاد السوفيتي و حلفائه٠٠٠
لم يكن للإيرانيين أصدقاء سوى الذات و لم ينتظروا عونا من احد سوى الله٠٠٠ او هكذا كانت تقول شعاراتهم٠٠٠ بناء على هذا الاساس٠٠٠ فقد استنبط الإيرانيون ما سموه (جهاد البناء)… ذلك المفهوم الذي شرع لاعظم حركة تنموية في تاريخ ايران شارك فيها الشباب المتطوع من جميع الاختصاصات و شارك فيها اهل البازار باموالهم٠٠٠ واحدة من اهم الملاحظات بهذا الشأن هي ان كل هذه البنية العظيمة تم تنظيمها و إدارتها بعيدا عن بيروقراطية الدولة التي كان الثوريون ما زالوا يشكون في ولائها للنظام القديم و المصالح الاجنبية المرتبطة بها٠٠٠
كل هذا الصرح العظيم من شحذ الذات بدأ في ايام الحرب و الدفق الثوري قبل ان يتحول الى برنامج الدولة في عهد رفسنجاني فيما بعد اي اثر انتهاء الحرب عام 1988 و التي شهدت التحول من الثورية التقليدية الى الثورية البناءة٠٠٠ او كما اطلق عليه بعض الباحثين الانتقال من الثورة الدولة٠٠٠ و لكن الثورة بقيت و استمرت و ان بأساليب مختلفة٠٠٠
و لكن قبل ان يستمر أحمدي نجاد في عرضه … يمكن ان يذكره الرئيس مرسي بان مصر أيضاً خاضت حروبا طويلة و استطاعت ان تحقق نموا و تطورا رغم الحصار و التدخل الخارجي في الخمسينات و الستينات من القرن الماضي٠٠٠ حتى جاء السلام مع اسرائيل ليحول مصر الى دولة تستجدي و مجتمع يتفكك٠٠٠ نعم الحرب دمار للاوطان و للقيم الاخلاقية و السلام بناء للانسان و الحجر… و لكنها من سخرية القدر… ذلك ان السلام قد استحدث الية لتدمير الذات في مصر بدلا من بنائها٠٠٠ و هنا واحدة من اهم نقاط الافتراق بين التجربتين المصرية و الايرانية٠٠٠ ففي فترة ما بعد الحرب اصبحت ايران واحدة من اهم الدول النامية و حققت إنجازات في كل المجالات الحيوية٠٠٠ و فوق كل هذا حافظت أيضاً على دفعها الثوري و اصبحت لها اذرع عديدة و فعالة خارج حدودها٠٠٠٠ اما مصر بعد الحرب فانها قد اصبحت دولة فقيرة في اغلب المجالات الحيوية و اصبح الجميع يتدخلون في شؤونها و فقدت عمقها الافريقي و اصبح دورها العربي مناطا بشرعنة السياسة الامريكية ٠٠٠٠ و من ثم حدثت الثورة و عادت جميع الأسئلة لتطرح من جديد و لتزداد التحديات٠٠٠
و لعل أحد اهم هذه التحديات هو مواجهة حرب جديدة٠٠٠ ستكون ايران احد اطرافها٠٠٠ اما مصر فلا احد يعرف اين ستقف٠٠٠ فهل لدى الرئيس مرسي شيئا يخبره لاحمدي نجاد٠٠٠؟؟؟
في مقالة تالية سنناقش الدور المحتمل للثورات العربية في اية حرب قد تنشب في الشرق الاوسط …..