وفي زاوية أخرى نقاشات, ومحاورات حادة وجادة بين مجموعات وأفراد حول الدين الحق, كان ثمة مسلمين, ومسيحيين, والبعض ملحدين وأصحاب تيارات فلسفية ودينية مختلفة, وكل منهم يلقي بمزايا دينه ومعتقده وفلسفته، ويحاول مناظرة وإقناع الآخر بحقيقة ما يعتقد وبضلال ما يعتقده الآخر, ومن حين لآخر تُرْفَع كتبٌ، وتتلى صلوات وترانيم غير واضحة من بعيد, البعض منها بلغات غير مفهومة..
ومجموعة من الأدباء هناك يلقون أشعارهم ومعارفهم الأدبية ويتحاورون بفخر. كان سام يلاحظ ذلك الغرور وتلك النشوة التي تختبئ وراء عيونهم المتراقصة إلى الأعلى والى الأسفل وأنوفهم المرفوعة بغرور من يحمل الحقيقة المطلقة, وأياديهم المحلقة والمتحركة بأساليب استعراضية ومسرحية وكأن هناك خيوطاً تحركها من الأعلى..
كان سام يراقب كل ذلك, متسائلاً في نفسه “لماذا كل هذا الضجيج والصراع والتنافس؟! لماذا كل هذه الفوضى والمآسي والحروب؟!, وكل هذه السياسات المختلفة والمتعادية؟! لماذا كل هذه الأديان والأيدولوجيات التي تتزعم امتلاكها الحقيقة المقدسة لذاتها والمدنسة لغيرها؟! لماذا هذا الصراع المقدس والدموي واللفظي فيما بينها؟! لماذا كل هذه الثقافات المتنوعة؟.. هنا في هذا الركن يبدو أن صوت ضجيج وصراخ واحتجاج وغرور وبؤس الإنسان قد أجتمع, ليشكو.. ليصرخ.. ليبكي.. ليتباهى.., كم يبدو العالم كئيباً وفوضوياً ودرامياً ومأساوياً, كم يبدو غير حقيقي حد التفاهة, حد الابتذال واللاحكمة”.
وللحظات, فكر سام في نفسه بنبرة ساخرة: هأنا ذا أيضاً أتحدثُ مثلهم وأستعرضُ قضيتي ضد الحياة وضدهم! فقط ينقصني أن آتي بكرسي واقف عليه بينهم وأصرخ بكل ذلك واندمج معهم ومع هذه الحياة الزائفة, وأصبح ممثلاً ومدعياً فيها مثلهم.. لن أندمج حتى تتحلل الحياة وينتهي المشهد. سأحاول أن أبقى بعيداً ومتجرداً, ولكن كيف؟, هل التجرد ممكن؟, هل أنا فعلاً أختلف عنهم؟!.. لا بد أن يكون هناك طريقة للخروج من كل هذا, واعتزال كل هذا التماهي الفوضوي”.
_____________
“من رواية الواحد “