Posted on June 23, 2012 by طلال عبدالله الخوري
تحطم الخوف الذي كان جاثما فوق صدورنا, ويعود الفضل في هذا طبعا الى الانفتاح العالمي ومؤازة شعوب العالم لبعضها البعض. فبعد التطور التكنولوجي وثورة الانترنت في التواصل بين شعوب العالم, وبعد محاكمة قتلة الشعوب في يوغوسلافيا, واصدار مذكرات توقيف بحق مجرمي السودان وليبيا وقتلة السياسيين اللبنانيين, بدأنا نشعر باننا لم نعد يتامى معزولين عن العالم حيث يستفرد بنا جلادونا ذوي العاهات النفسية السادية, وبدأنا نشعر ايضا بأنه أصبحت لدينا ثقة, بانه اذا تم الاعتداء علينا من قبل حكامنا, فهناك مجتمع دولي سيقف الى جانبنا, وهو قادر على ايقاف الطغيان وحتى الاقتصاص منه.
بعد ان تكلفت انظمتنا الاستبدادية ترليونات الدولارات من اجل بناء جدران العزلة حولنا, مدعمة و مدججة بكل انواع الاسلحة والتكنلوجيا المستوردة, لكي يتمكنوا من السيطرة علينا, اصبح الآن من الممكن ببضعة كامرات لا يساوي ثمنها بضعة دولارات, كسر العزلة المفروضة علينا استبداديا , وايصال صوتنا للملايين عبر الهواتف المتصلة بالاقمار الصناعية العابرة للحدود ولكل الجدران العازلة, وبالتالي وقوف كل شعوب العالم وحكوماتها الديمقراطية الى جانبنا والى جانب مطالبنا العادلة في الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان.
باختصار, فان المعادلة الجديدة أصبحت كالتالي: بضعة دولارات تتغلب على مليارات الدولارات من الانفاق على بناء جدران عزل الشعوب وعلى مدى عشرات السنين. فهل يفهم بشار حافظ الاسد وزملائه بالطغيان هذه المعادلة الجديدة؟؟ علم النفس يعطينا الجواب: كلا لم ولن يفهم المستبدون ولا حتى بعد ان يسقطوا ويرحلوا!! والاكثر من هذا, فقد انقلبت الآية الآن, واصبح المستبدون هم انفسهم الخائفون من شعوبهم ومن المجتمع الدولي لدرجة باننا لا نبالغ على الاطلاق اذا قلنا بان سراويلهم اصبحت مبللة وبأنهم مصابون بالارق ولا يغمض لهم جفن.
وهنا لايسعنا الا نرسل كل المودة والتقدير لشعوب العالم التي تقف مع ثورة شبابنا ونخص بالذكر سفيري كل من اميركا وفرنسا الفاضلين واللذين يقفان الى جانب حق شعبنا بالحرية والكرامة , ويساهمان بلا شك بارسال رسالة الى النظام الاستبدادي بانك لا تستطيع ان تقتل شعبك ونحن نراقبك.
وبالرغم من غبطتنا وتأييدنا للثورة والتغيير, وايماننا بنقائها ونجاحها واستمراريتها حتى النصر, فانه من الواجب علينا ان نشير الى مشكلة حيوية ومهمة وهي مشكلة هوية الثورات العربية بشكل عام والثورة السورية بشكل خاص, حيث تأتي اهمية تحديد هوية الثورة والتغيير القادم بسورية, من الاسباب التالية:
اولا: السبب الاول هو تعريف العالم من نحن؟ والى اين نحن ذاهبون, حيث ان تعريف العالم بهويتنا سيشجعهم على الاستثمار بتأييدنا والوقوف بقوة اكبر الى جانبنا, فآخر ما يريده الغرب هو ان يستثمر أموال دافعي الضرائب من مواطني بلده لكي يؤيدنا, وتكون نتيجة التغيير بالنهاية هي تغيير مستبد بمستبد اخر!! وهذا الشئ الذي لا يريده حتما لا الثوار و لا الشعب بكامله! او على سبيل المثال تغيير الفئة التي كانت ظالمة بالفئة التي كانت مظلومة لكي تقتل وتنتقم من الفئة التي كانت ظالمة !! نحن بامس الحاجة لتأييد المجتمع الدولي لثورتنا لكي نتجنب خسارة اي قطرة دم من شبابنا الغالي يمكن ان نوفرها بواسطة جهد بسيط وهو تحديد الهوية التي ستشجع العالم لكي يستثمر بثورتنا, وبالتالي تقصير مدة الثورة وتقليل عدد الضحايا حيث اننا بحاجة لكي يد عاملة من ابناء شعبنا لكي لنبني سورية .
ثانيا: تحديد الهوية مهم لنا كشعب سوري لكي نعرف ما هي الخطوات التالية! وهنا من المفيد ان نشير الى انه يجب علينا ان نتعلم من دروس الثورات التي سبقتنا لكي لا يحصل بثورتنا مثلما حصل بكل من ثورة مصر وتونس أو ليبيا او اليمن !! اهم ما يجب ان نحذر منه هنا, هو بدعة المرحلة الانتقالية او بدعة الاصلاح! كما سنرى في سياق هذه المقالة بانه لا نريد مرحلة انتقالية على الاطلاق ويجب ان نبدأ بالعمل على التغيير منذ اللحظة الاولى لسقوط النظام, ونحن بحاجة الى تآلف فريق عمل من المختصين بالاقتصاد التنافسي المفتوح وخبراء بالقانون, من الذين حصلوا على شهادات رفيعة من الغرب ولهم خبرة عملية في هذا المجال,وهكذا يبدأ التغيير منذ اللحظة الاولى.
لسوء الحظ فان المعارضة السورية المعارضة منذ اكثر من اربعين عاما, والمعارضة عمل سهل , وهي تقتصر على انتقاد اي عمل للسلطة مهما كان, وايجاد الخلل به وتعظيم مساوئه وتصغير محاسنه,اما العمل واتخاذ القرارت الصعبة والصائبة وقيادة البلد فهو امر مختلف, وهذا لم تضطلع به المعارضة السورية قط, وهذا سبب مطالبتنا بتجميع فريق من الخبراء السوريين الوطنيين من الذين يعملون بالغرب, أو حتى الاستعانة بخبراء غربيين عندما لا يتواجد الخبير الوطني السوري,اما لقيادة المرحلة أو كمستشارين للسياسيين الذين سيتم انتخابهم ديمقراطيا.
لسوء الحظ ايضا لا يوجد عند اي طرف من اطراف المعارضة اي برنامج سياسي متكامل لقيادة البلد, بسبب عدم معرفتهم أوعدم حصولهم على الدراسة الاكاديمية او العملية اللازمة بالاقتصاد السياسي وادارة الحكومات. اما بالنسبة الاخوان المسلمين فهم يلجأون كعادتهم الى الضبابية ولا تأخذ منهم لا حق ولا باطل, وهذه احدى وسائلهم باستخدام التقية والمعاريض.
ثالثا: تحديد الهوية يساعد شعبنا الخائف من أن يكون اتجاه التغيير الى الاسوء, ولهذا السبب نجد بان الكثيرين من الوطنيين السوريين لم ينضموا بعد للثورة بعد وعن خائفون من المطالبة بالتغيير. على سبيل المثال, هناك شريحة كبيرة من شعبنا السوري تخاف من وصول الاخوان المسلمون الى السلطة او من وصول السلفيون الى السلطة او تخاف من وصول الشيوعيون! لقد اصبح الاسلاميون فزاعة! واصبح مصطلح فزاعة الاسلاميين متداول عالميا. وأنا اجزم بانه لولا فزاعة الاسلاميين لكانت سورية قد تحررت منذ عشرات السنين من ظلم الاستبداد. اي اننا نجزم بأن سبب رزح شعبنا تحت نير الديكتاتورية لمدة تطول عن اربعين سنة هو بسبب الاخوان المسلمين! لذلك نحن ننصحهم بان يحلوا هذا الحزب ويتبرؤوا من تاريخه الاسود, وان يقوموا بتكوين حزبا جديدا مماثلا لحزب العدالة والتنمية التركي وبنفس البرنامج السياسي والاقتصادي لكي ينافسوا به بعد نجاح الثورة وقيام الانتخابات الديمقرطية الحرة.
يجب على الاخوان المسلمين السوريين القيام بهذه الخطوة المصيرية, اذا كان لديهم ذرة من الكرامة والشرف والوطنية, فهل هم قادرين على هذا؟؟ انا شخصيا احمل مسؤولية تأخير نجاح الثورة وكثرة الشهداء على عاتق الاخوان المسلمين!! طبعا , لايوجد قيمة للانسان بالنسبة للاخوان المسلمين!! المهم بالنسبة لهم هو ان يحكموا باسم الله وان يتبعهم الناس باسم الدين!!
لقد قرأنا معظم ما يكتبه المعارضون السوريون , ولكن للأسف لم نقرأ جملة مفيدة واحدة لهم! معظم كتاباتهم عبارة عن كتابات عاطفية عن الوطنية والحرية والعدالة والديمقراطية , وشتم النظام الحالي والتنديد بجرائمه وشتم الامبريالية والصهيونية والرأسمالية المتوحشة وعدم الاستعانة بالخارج وبنفس الوقت يطلبون مساعدة الخارج. ولكن لم يكلف اي واحد منهم نفسه العناء ليقول لنا عن الالية العملية لتحقيق هذه الوعود؟؟اي ان كتاباتهم لا تعد عن خطاب صوتي ليس له اي فائدة عملية , ويشبه خطابات رجال الدين الذين يغسلون ادمغة مريديهم بوعود عن حياة الرخاء بالعالم الثاني!
فيما تبقى من هذه المقالة سأحاول ان اضع الخطوط العريضة لهوية الثورة السورية وبالتالي سياسة سورية فيما بعد الثورة: ومن المفيد هنا ان ننوه للقارئ الكريم مراجعة مقالنا:” سورية بعد الثورة: رفع دخل الفرد الى 20 الف دولار”
لكي نرسم هوية لسياستنا السورية بعد الثورة , سنبدأ هذه العملية بطرح سؤال بديهي ومنطقي وهو: لماذا نريد تغيير النظام الحالي وما هي مشكلته؟؟
الجواب هو وبكل بساطة: لأنه يسرق عمل المواطنين السوريين عن طريق الاحتكار! ولا يوجد لدينا اي سبب اخر للتخلص من هذا النظام على الاطلاق. ونحن نجزم بانه اذا وافق الاسد على فتح الاقتصاد وتحريره من الاحتكار, فلامانع لدينا من ان يحكمنا الاسد حتى الى الآبد؟؟ لاننا نعرف بانه من دون الاحتكار على الاقتصاد, فليس لدى أي ديكتاتور اي مصلحة للبقاء بالسلطة ولو ليوم واحد وسيستقيل تلقائيا. اما مشكلة الاستبداد, وقتل الشعب وارهابه وتشجيع الفساد وعزل البلد من اجل تسهيل السيطرة على الشعب, ما هي الا الوسائل والآليات التي يستخدمها الديكتاتور من أجل احتكار اقتصاد البلد واستمرارية نظامه.
الآن, بما أنه عرفنا ما هي المشكلة, فمن السهل ايجاد الحل ورسم سياسة سورية لما بعد الثورة. لايجاد الحل, سأعرج قليلا لكي اعطي تعريف كاتب هذا المقال للعلمانية: العلمانية هي حصول المواطن على اجره العادل لقاء جهده بالعمل وضمان حرية المواطن بصرف اجره كما يريد …… نقطة على السطر انتهى.
واستطيع ان اثبت بان فصل الدين عن الدولة هي موجودة ضمنيا بهذا التعريف, وما هي الا حرية المواطن بالتصرف بطريقة انفاق امواله, ونستطيع أن نثبت بان أي نظام لايحصل به المواطن على اجره العادل ولا يملك حريته بطريقة صرفه لنقوده,هو نظام غير علماني وانما هو نظام ثيوقرطي حتى ولو كان شيوعيا ملحدا. فأي عقيدة فكرية تفرض على الشعب, ان كانت ذات مصدر سماوي الهي او ذات مصدر بشري, ويتم الصرف على هذه العقيدة من اموال المواطنين من دون اختيارهم هي عمليا ربط الدولة بهذه العقيدة وبالتالي مخالفة العمانية.
اقتصاد السوق التنافسي هو الاقتصاد الوحيد الذي يضمن للمواطن الاجر العادل لقاء العمل الذي يقوم به. اذا نحن نجزم بان الاقتصاد التنافسي ما هو الا مصطلح اخر للعلمانية. راجعوا مقالاتنا: الاقتصاد التنافسي المطلب للثورات العربية , ومقالنا: الاقتصاد التنافسي اهم حق للانسان, الى جانب مقالنا: سورية بعد الثورة, رفع دخل الفرد الى 20 الف دولار.
الآن وقد عرفنا الحل بانه هو النظام الاقتصادي التنافسي , بقي علينا ان نضمن للمواطن بان هناك تنافس شريف بالاقتصاد ولا يوجد احتكار. يتم ذلك عن طريق تبني دستور يضمن قوانين الاقتصاد التنافسي, وهذه المواد موجودة بكل دساتير الدول المتحضرة, ويمكن اعتمادها ببلدنا بمنتهى السهولة وخلال اقل من 24 ساعة بعد نجاح الثورة. اما الخطوة التالية فهي الحرص على استقلالية القضا, حيث بدون الاستقلالية للقضاء لا يوجد اي معنى لكل الدستور ولن يكون هناك اقتصاد تنافسي عادل.
اذا مشكلتنا مع الدين وربطه بالسياسة تنبع عمليا من صرف الديكتاتور على هذا الدين وعلى معابده ورجال دينه من اموالنا وبدون اختيارنا. وهذا بالتالي سرقة لاموالنا. طبعا, بالتالي سيحصل هذا الديكتاتور على رد الجميل من رجال الدين ومساعدتهم له في السيطرة على الشعب وسوقه كالقطيع. فعلى سبيل المثال لقد جعل النظام السوري من البوطي ممثل الله على الارض وكلمة الله على الارض, لكي يخضع الشعب السوري. والحل يكون باخضاع المنشآت والمؤسسات الدينية لقانون العرض والطلب والمنافسة الاقتصادية الحرة , وفيها يختار الناس بحرية السلعة الدينية التي يرغبون بها ويتبروعون لها من اموالهم لاختيارهم هذا, وهي نفس الطريقة التي يختار بها الناس المسرح او السيرك الذي يريدون مشاهدته ويدفعون نقودهم ثمنا لبطاقة الدخول. وكما يحصل للمسرح و السيرك في السوق التنافسي عندما لا يكون هناك عدد كافي من الناس الراغبين بسلعتهم الفنية يتم اشهار افلاس هذا المسرح واغلاقه وبيعه, كذلك الامر يحصل للمنشأت الدينية عندما لا يكون هناك كمية كافية من المؤمنين الراغبين بالتبرع لسد خدمات هذه المؤسسة الدينينة , حيث يتم اغلاقها وبيعها كعقار, وهذا ما حصل للكثير من الكنائس بالغرب. اذا الاقتصاد التنافسي هو مصطلح اخر لفصل الدين عن الدولة.
من هنا نرى بان مشكلة الهوية للثورات العربية مشكلة حساسة تسبب الغموض والحيرة للكثير من ابناء شعبنا والمجتمع الدولي. فتحديد هوية الثورة يساعد في تحقيق النصر السريع وبالتالي التقليل من عدد الشهداء الى الحد الادني, ويساعد الغرب في اتخاذ قراراته على الاستثمار بثورتنا وبالتالي تسريع تحقيق النصر والتخلص من الديكتارتورية والبدء السريع في بناء سورية, وكذلك يساعد ابناء شعبنا الخائفين من التغيير الى الاسوء, او اي الخائفين من اي سبب اخر لكي يتخذوا قرارهم بالالتحاق بالثورة وتسريع النصر.اما اذا لم تتحدد هوية الثورة فسيقتصر تأييد الغرب لثورتنا السورية بأن يفعل العرب ما بو سعه, ضمن الامكانيات التي يتيحها القانون الدولي وضمن الامكانيات التي تتيحها قوانين بلدانهم المحلية , وبحيث ان لا تضرر مصالحهم الاقتصادية .