مقدمة بقلم اسرة التحرير: نعيد نشر مقالة الكاتب العراقي خالد القشطيني في” الشرق الاوسط” واللذي لا نشك بموهبته في الكتابة, ولكن نعرف ايضاً بانه يروج لثقافة خبيثة خاطئة وهي ثقافة الاكثرية ” ثقافة الامة السنية تطغي على الجميع” وهذا غير صحيح في الغرب اللذي تحكمه القوانين العادلة والتي تطبق على الجميع اقلية كانوا ام اكثرية وليس له علاقة بايمان ومعتقد القاضي! فلو تذمرت الاقلية واشتكت من اي شئ يخالف القانون تقوم به الاكثرية لحكم لهم بنفس الشئ وهنا تكمن عظمة الحضارة الغربية بالعدل اللذي نفتقده بالمجتمعات الاسلامية وثقافة “الامة تطغي على الجميع”!!؟
خالد القشطيني
تنص جميع الدساتير والأنظمة الديمقراطية على أن الأكثرية لها الحكم والأقليات لها حقوقها. بيد أن حقوق الطرفين وأمانيهما تتناقض أحيانا بحيث تؤدي إلى توتر وانفجار. وهو ما شهده ويشهده العراقيون مرارا.
استطاع الغربيون أن يحلوا هذه التناقضات عقلانيا وعلمانيا، ولكنها تنفجر أحيانا بشكل طريف في مواضع شتى. وكان من أطرفها ما سمعته قبل أشهر عن أجراس كنيسة لبلدة صغيرة غرب إنجلترا.
كثيرا ما استمتعت في أسفاري السياحية برنين نواقيس الكنائس وأذان المساجد عندما تحمله الرياح لآذاني من بلدة أو قرية نائية. فله أثره الذي سحر الكثير من الأدباء والموسيقيين. هكذا كتب همنغواي روايته الخالدة «لمن تدق الأجراس؟» وسبقه فيكتور هيغو برواية «أحدب نوتردام». ردد كثير من شعرائنا هذا الأثر فقالوا:
لما علمت بأن القوم قد رحلوا
وراهب الدير بالناقوس منشغل
وفي قصيدة أخرى، تغزل شاعر بامرأة مسيحية فقال:
رأيتها تضرب الناقوس قلت لها
من علم الخود ضربا بالنواقيس
وقد غنى ناظم الغزالي كلتا القصيدتين.
لرنين أجراس الكنائس أنغامه الموسيقية التي لا يحسن أداءها غير العارفين بها ويسمونهم في إنجلترا «دقاقي الأجراس» bell ringers. لكل كنيسة دقاقوها، ولكنهم في بريطانيا أخذوا بالانقراض نتيجة انحسار الدين. وبعد أن مات آخرهم وقع كاهن هذه الكنيسة في مشكلة. من يدق له الأجراس؟ فعل ما نفعله جميعا؛ نلتجئ للتكنولوجيا بتركيب أجهزة تقوم بدق الأجراس وتغنيه عن الإنسان. اقتضى الأمر تكاليف كبيرة، عمد إلى جمعها من رعيته المتعبدين ومن الحفلات الخيرية التي نظمها لجمع الفلوس. تم كل شيء ونصبت الأجهزة وعادت الكنيسة تنطق بأجراسها، تدعو المؤمنين للعبادة والأعراس للزواج والموتى لتشييعهم، ونحو ذلك.
بيد أن عددا من سكان البلدة تضايقوا من ذلك. فبعد فترة من سكوت الأجراس وجدوا أن سكوتها أطيب وأسلم لهم. فما من شيء يحلو للمواطن الإنجليزي أكثر من سكون عصر يوم الأحد. قدموا أخيرا دعوى للمحكمة لاستصدار أمر يأمر الكاهن بعدم استعمال الأجراس. قالوا إنها تزعجهم وتوقظهم من النوم وتكدر عليهم سكون يوم الأحد. دافع القس عن رسالة كنيسته وأجراسه التي كلفته مبلغا طائلا. فرد عليه المشتكون بأنهم والأكثرية الساحقة من سكان المنطقة لا يؤمنون برسالته هذه، وبالتالي لا يعبأون بهذه الأجراس ورنينها الذي يزعجهم. ولا يشكل المؤمنون المتعبدون في الكنيسة غير أقلية ضئيلة من مجموع السكان، وبالتالي لا يحق لهم إزعاج الأكثرية. قالوا صوت الأجراس والنواقيس من مكبرات الصوت المنصوبة على برج الكنيسة يلوث البيئة الصوتية للمنطقة.
وسواء أكان حضرة القاضي مؤمنا أو غير مؤمن فقد وجد نفسه مقيدا بالقوانين التي تضمن حقوق الأكثرية فأصدر قراره بمنع ذلك الكاهن المسكين من استعمال تكنولوجيته في دق أجراس الكنيسة فسكتت إلى يومنا هذا احتراما لرأي الأكثرية.
الشرق الاوسط
مواضيع ذات صلة: أحدب نوتردام – فيكتور هيغو ملخص رواية البؤساء- فيكتور هيجو