مشروع إلغاء تركيا من المعادلة

rashedالذي يظن أن الهبة الحكومية العراقية، الأولى من نوعها منذ إسقاط نظام صدام حسين، كلها ضد وجود القوات التركية على التراب العراقي فهو مخطئ. كل القوة التركية مائة وخمسون عسكريا فقط، يوجدون في محيط مدينة الموصل التي يحتلها تنظيم داعش منذ عام ونصف. وكذلك التهديدات الروسية المتصاعدة للأتراك ضد قواتهم على الحدود مع شمال سوريا، رغم أنها تعتبر منطقة تتزاحم فيها جيوش وميليشيات من أنحاء العالم.
التأزيم المتصاعد، من قبل المثلث الإيراني العراقي الروسي ضد تركيا، تتضح معالمه كمشروع لتحجيم تركيا، وإلغاء دورها الإقليمي، وبالتالي تحرير المشروع الإيراني من أي مواجهات في المنطقة، لتصبح طهران صاحبة القرار في العراق وسوريا. وهذا يتم في ظل التراجع الأميركي المتكرر خلال سنوات الأزمة الخمس، والذي لم يفعل شيئا باستثناء بيانات التضامن الكلامية.
السرية التركية الموجودة خارج مدينة الموصل جاءت بدعوة من محافظ الموصل سابقا من أجل تدريب أبناء المدينة المتطوعين للدفاع عن مدينتهم، بعد أن هربت قوات الحكومة العراقية، وتوغل الإرهابيون في أرياف تلك المحافظة. وقد تركت الموصل فريسة لـ«داعش» ولم يقرر الحشد الشعبي تحريرها، لأن جله من ميليشيات طائفية شيعية تم تكوينه من قبل إيران كبديل للجيش العراقي، وتتولى تدريبه وتجهيزه وتوجيهه.
والحقيقة لا تلام إيران وروسيا على تقدمهما الواضح في مشروع إبعاد وتقزيم تركيا إقليميا، لأننا في مواجهة إقليمية كبرى، ولأن الحكومة في أنقرة نفسها لم تفعل شيئا مهما للدفاع عن مصالحها خلال السنوات المضطربة. وهي ما لم تع الخطر، وإن كانت، بكل تأكيد، تراه بأم عينيها، حيث تتم محاصرتها تدريجيا من قبل هاتين الدولتين، فإن معالم المنطقة تتغير ضدها، وستكون تركيا الهدف التالي، لأنه لا يمكن لإيران وروسيا الاطمئنان لقدرتهما على الهيمنة وإدارة العراق وسوريا دون شغل تركيا داخليا.
سياسة تركيا تائهة في قضايا لا قيمة لها في ميزان الصراع الإقليمي. أشغلت نفسها بخلافات هامشية وإعلامية مثل معركتها مع مصر، أو دعم قوى معارضة مثل «الإخوان المسلمين»، ولا تعني شيئا مهما للأمن القومي التركي. قيمة الإخوان صفر في معادلة المنطقة، وخطر مصر على تركيا أيضا صفر، ولا يوجد ما يبرر إصرار أنقرة على الاستمرار فيه!
مشروع إيران في الهيمنة على المنطقة أصبحت معالمه واضحة. فقد قررت تحييد الولايات المتحدة والناتو من خلال منحهم مطلبهم الرئيسي، التخلي عن مشروعها النووي لأغراض عسكرية. وبالفعل نجحت في ذلك. ثم شرعت في الهيمنة على العراق، ورغم إسقاط رجلها الأول نوري المالكي، فإنها أطبقت على القوى السياسية، واليوم تملك القرار هناك في ظل عجز رئيس الوزراء حيدر العبادي. وفي نفس الوقت شكلت أول قوة عسكرية من ميليشيات إيرانية وعراقية ولبنانية وأفغانية يصل عدد أفرادها إلى مائة ألف في سوريا. وزادت من نفوذها بتفعيل حلفها مع روسيا التي أرسلت إلى هناك قوة عسكرية جوية وبحرية تفوق ما أرسله الاتحاد السوفياتي إلى المنطقة إبان الحرب الباردة.
ولأن تركيا هي القوة الإقليمية الموازية لإيران فإنها أصبحت مستهدفة، بشل يدها في سوريا، وإلغاء وجودها في العراق. ولا يمكن تحميل الأتراك وحدهم مسؤولية مواجهة الحلف الروسي الإيراني المندفع في الشرق العربي، لكنهم هم الرقم الأهم. ودون أن تعيد تركيا قراءة خريطة الصراع وإعادة التموضع فإنها ستجد نفسها في مأزق أكبر غدًا. تركيا أكثر من يحتاج إلى إحياء محور إقليمي يواجه الاكتساح الإيراني، ولا يمكنها فعل ذلك وهي تضع من أولوياتها قضية مثل «الإخوان»، الذين أمضوا ثلاثين سنة حلفاء أصليين لنظام إيران، الذي سبق أن جرب وفشل في دعمهم للوصول لحكم القاهرة في زمني الرئيسين السابقين أنور السادات وحسني مبارك.

* نقلاً عن “الشرق الأوسط”

About عبد الرحمن الراشد

كاتب وصحفي سعودي في جريدة الشرق الاوسط
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.