بقلم: طلال عبدالله الخوري
يروج الكثير من الكتاب السوريين والعرب ومنهم الكثير من المسيحيين لخرافة غير منطقية ولا أساس لها من الصحة, تفيد بأن المسيحيين السوريين يعيشون بوضع مريح ومستقر مقارنة بنظرائهم من المسيحيين في كل من الدول المجاورة في كل من العراق وفلسطين ومصر, حيث تعرض المسيحيون هناك لجرائم ارهابية مباشرة من قبل المتطرفين الاسلاميين. هؤلاء الكتاب وقعوا في هذه المغالطة دون ان يتعنوا مشقة البحث أو حتى مشقة التفكير المنطقي, ليتبينوا بأن ما يروجون له يعاكس الواقع والوثائق والتاريخ, ولا يرق الى كونه اكثر من خرافة. نذكر من هؤلاء الكتاب, والذين نحترمهم وهم اساتذتنا, الكاتب القبطي مجدي خليل, والكاتب الاردني شاكر النابلسي, والكاتب السوري غسان المفلح واخرهم الكاتب سعيد لحدو في مقاله المنشور بالحوار المتمدن بتاريخ السابع من تموز.
تاريخيا, فأن جميع مواطني سوريا هم مواطنون اصلاء لهم تاريخ عريق يمتد الى آلاف السنين, ويتكون مواطني سورية من العناصر السريانية ومنهم يأتي اسم سورية كبلاد للسريان والعناصر العربية والتي تعود اصولهم الى مسيحيي ممالك الغساسنة والمناذرة المتحضرة, والاكراد والذين هم ايضا مواطنون اصلاء.
في هذه المقالة سنحاول تفنيد خرافة وضع المسيحيين السوريين المستقر من خلال المحاور التالية:
اولا: ان الاسلام وقرآنه وشريعته وتاريخه وفقهه وفتاويه وكل كتب تراثه هي ذاتها في كل الدول العربية , والاكثر من هذا فأن طريقة دخول الاسلام الى هذه البلدان واسلمة معظم ابنائها وبقاء اقلية منهم على دين اجدادهم بشرط دفع الجزية عن يد صاغرة, هي ايضا متماثلة, لدرجة ان هذا التاريخ يبدو وكأنه لم يكتب منفصلا وانما نسخ بواسطة ورقة كربون لجميع الدول العربية! وبالأضافة الى ذلك, فأن ما يتم تدريسه عن الاسلام في المدارس والمساجد والجامعات هو نفسه في كل البلاد العربية, ومعظم الائمة تخرجوا من ذات الجامع الازهر, وحزب الاخوان المسلمون, والسلفيون, والجهاديون هم نفسهم واهدافهم هي ذاتها في كل البلاد العربية…. فما الذي يجعل المسلم السوري او المسيحي السوري مختلفون عن نظرائهم في البلدان العربية؟؟ وما الذي يجعل مثل هؤلاء الكتاب يظنون بأن مسيحيي سوريا يتمتعون بالاستقرار اكثر من نظرائهم في بلدان الجوار؟؟
من المعروف بان الاولية للحكام العرب هي استقرار انظمتهم, واختلاف معاملتهم للمسيحيين بدولهم, تأتي باختلافهم بكيفية استخدام الورقة الطائفية المسيحية ومدى فائدتها لاستقرار واستمرار أنظمتهم, وللاسف لايعامل الحكام العرب المسيحيين كمواطنين ولكن يعاملوهم كورقة للمساومة والتفاوض يحتفظون بها لوقت الحاجة اوعندما تستدعي الضرورة. فاذا كان من مصلحة هذه الانظمة ان تلعب بالورقة الطائفية لسبب او لاخر فهي لن تتوانى عن هذا. على سبيل المثال يمكن ان تلعب هذه الانظمة بالورقة الطائفية, اذا ارادت ان ترسل رسالة للغرب بان المعارضة هي الخيار الاسوء وان التعامل مع انظمتهم هي افضل الخيارات وبذلك يستجدون الدعم لانظمتهم . مثال اخر على استخدام الورقة الطائفية , هو ان ترسل رسالة للشعب بان الخيارات الموجودة من المعارضة هي سيئة جدا فتذكرهم بمساوئ الاسلاميين ومساوئ حكمهم وذلك باثارة فتنة طائفية ما.
ثانيا: ان وقوع سورية كأقرب دولة الى مركزية الدولة الاسلامية بالعهد الراشدي, ومن ثم لتصبح مركز الدولة الاسلامية بالعهد الاموي, ثم لتعود الدولة الاقرب للمركز بالعهد العباسي والعثماني , كان من الطبيعي ان تتعرض سورية للتشديد اكثر من البلاد العربية الاكثر بعدا من المركز, وبالتالي التأكيد على تطبيق الاحكام الاسلامية على شعبها المسيحي بمنتهى التشدد وهذا هو ببساطة المنطق الجغرافي لضبط الحكم والسيطرة على الحكم والبلاد. فعلى سبيل المثال نرى بأن هناك جالية سورية مسيحية هاجرت من حلب الى السودان ابان الحكم العثماني لانهم لم يتحملوا الاضطهاد المفروض عليهم آنذاك!
يذكر المؤرخ الروسي قسطنطين بازيلي بكتابه “تاريخ سورية وفلسطين ابان الحكم العثماني” , وهوشاهد العيان لهذا التاريخ حيث كان يعمل قنصلا للقيصرية الروسية بكل من سورية وفلسطين, بان الغوغاء من المسلمين كانوا يهجمون على المسيحيين السوريين ويقتلون منهم انتقاما, ضعف العدد الذي كان يفقده الجيش العثماني بمعاركه الخاسرة على حدوده الشمالية المتاخمة للقيصرية الروسية المسيحية, والاكثر من هذا كان الحجاج العثمانييون الذين يعبورون سوريا الى مكة المكرمة للحج, ينكلون بمسيحيي سوريا ويقتلون بهم انتقاما لقتلاهم مع الجيش القيصري, ويضيف بأن هؤلاء الغوغاء اخذوا قرارا بابادة المسيحيين السوريين عن بكرة ابيهم ذبحا, بعد ان ضعفت سلطة الدولة العثمانية وزادت خسائرها في حروبها مع الدول المسيحية الاوروبية, ولم ينقذ المسيحيين السوريين من الابادة, الا معجزة حصلت آنذاك, حيث بعد ضعف الامبراطورية العثمانية قام الطموح ابراهيم باشا ابن على باشا والي مصر باحتلال سورية وطبق في سورية سياسة التسامح الديني التي كانت متبعة كسياسة بمصر تحت حكم والده العظيم والذي اوصل مصر الى مصاف ارقى الدول آنذاك.
من هنا نرى بأن هدوء مسيحيي سوريا وخنوعهم هو نتيجة للخوف الزائد الذي عاشوه على مدى آلاف السنين مما آدى الى اذلالهم وقبولهم بالامر الواقع, وبالتالي ادى الى معاناة معظمهم من مرض نفسي مزمن هو عقدة استكهولم, لدرجة بان المسيحي السوري والذي يعيش بشمال اميركا أو اوروبا ويحمل جنسية دولها, يظل يدافع عن الاسلام ويمتدح الاسلام وحتى يكيل المديح لاي سلطة مهما كانت استبدادية بسبب ان هذا المستبد مسلم.
ثالثا: الوضع المستقر ليس دائما وضع ايجابي , فعلا سبيل المثال الوضع كان مستقرا بكل الدول الاستبدادية, ولكن هذا الاستقرار كانت نتيجة للبطش والقبضة الحديدية, وبسبب اللجم التعسفي لكل شئ يمكن ان يهز من استقرار الحكم. فعلى سبيل المثال كان العراق مستقرا مثل وضع سورية تحت حكم صدام حسين, ولكن ماذا حدث عندما ازيحت القبضة الحديدية؟؟ طافت على السطح كل المشاكل المدفونة او المطمورة بطبقة خفيفة من الغطاء, وحصل ارهاب ضد مسيحيي العراق !! فما المانع من ان يتكرر ما حدث بمصر والعراق بسورية؟؟ الجواب لاشئ!! وكل املنا بان شعوبنا قد تغيرت وتطورت وبدأت تفهم الاختلاف والتنوع, وبأن الدين مكانه داخل المسجد, ويجب ان يحجر عليه هناك كما فعل الغربيون, وهذا ما نطمح اليه ونأمله من الثورة السورية المباركة والتي ينشد شبابها: لا اخوان ولا سلفية , نحن طلاب الحرية.
ومن الادلة على ان استقرار المسيحيين السوريين هو استقرار سلبي وليس ايجابي, هو احجام الكثير من الاسر المسيحية عن استخدام الاسماء التي تدل على ان حامل هذا الاسم مسيحي مثل الاسماء المسيحية العربية والارامية والتي هي اسماء سورية اصيلة يتسمى بها السوريون منذ آلاف السنين قبل انشاء الاسلام مثل اسم جرجس, مخائيل, بطرس, حنا,..الخ ويحاولون استخدام الاسماء المشتركة بين المسيحيين والمسلمين مثل: سعيد, ماجد, فراس, نادر ….الخ
من هنا نرى بأن وضع المسيحيين السوريين هو ليس بأي حال من الاحوال افضل من نظرائهم بدول الجوار, لا بل نحن نجزم بأن وضع مسيحيي سوريا هو الاسوء من بين كل دول الجوار فعلى الاقل فأن مسيحيي دول الجوار قد وصلوا الى مرحلة متقدمة من المطالبة بحقوقهم, بينما يفضل مسيحيو سوريا الصمت لانهم تربوا على الخوف حتى من اظهار المعاناة التي واجهوها ويواجهونها على مدار آلاف السنين, حتى اصبح الخنوع للاضطهاد جزء من شخصيتهم وحياتهم, والاكثر من هذا فغالبيتهم العظمى تعاني من مرض نفسي معروف هو عقدة استكهولم او كما تسميها العزيزة وفاء سلطان (بعقدة كيس الحاجة), واعراض هذه العقدة تظهر محبة المرضى لجالدي ظهورهم والدفاع عنهم.
نحن كمسيحيين سوريين نؤمن بأن الثورات التكنولوجية التي جعلت من العالم قرية كونية يتفاعل فيها الناس بعضهم مع بعض, وانتشار مفاهيم الحرية وحقوق الانسان, والتي اثرت بشكل مباشر على الشعوب العربية ومنها الشعب السوري كفيلة بتغيير شعبنا الى الافضل وبتبني الفصل بين الدين والدولة,لذلك نحن نؤمن بأن الامل لمسيحي سوريا بالتغيير هو سيكون عن طريق الثورة السورية العظيمة والتي تجري الآن على ارض الوطن , لذلك المسيحيون السوريون هم اكثر الداعمين للثورة السورية والتغيير بسورية.