سليمان يوسف يوسف
الخميس 28 ايلول الماضي، انتخب مجلس الشعب السوري، بأغلبية مطلقة، ( حمودة يوسف الصباغ) رئيساً جديداً للمجلس، خلفاً للدكتورة (هدية عباس) التي أُقيلت من منصبها قبل أكثر من شهرين. الصباغ، ابن مدينة الحسكة، ينتمي للمكون السرياني(الاشوري) المسيحي، عضو قيادي في حزب (البعث العربي الاشتراكي) الحاكم، رشح عن كتلة الحزب، التي تضم نحو 160 نائباً من بين 250 نائب، عدد أعضاء مجلس الشعب. شتان بين البيئة (الدستورية، القانونية، السياسية،الحالة الوطنية) السورية، تلك التي وصول فيها (فارس الخوري) الى رئاسة الوزراء ومن ثم انتخابه رئيساً للبرلمان 1946 ووصول (سعيد إسحاق)عام 1951الى رئاسة البرلمان ومن ثم رئيساً للدولة السورية (لمدة 24 ساعة) وحيث نجح برلماني مسيحي في جعل (الاسلام) في الدستور دين الرئيس وليس (دين الدولة السورية) كما كانت تطالب غالبية النواب المسلمين، وبين (الحالة السورية ) الراهنة،التي وصل فيها(حمودة يوسف الصباغ)- حفيد سعيد اسحاق- الى رئاسة مجلس الشعب، بتوصية من رئيسٍ (بشار الأسد) ورث السلطة عن ابيه.
رغم انكشاف الحالة السورية، لجهة القيود المفروضة على الحريات السياسية والزام رؤساء السلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية) بالخضوع لإملاءات الدوائر الأمنية والقرارات السياسية المركزية للنظام، الكثير من المسيحيين السوريين وغير السوريين، يرى في صعود المسيحي(حمودة الصباغ) الى رئاسة (مجلس الشعب) خطوة مهمة، من شانها أن تعيد الاعتبار والمكانة الوطنية للمسيحيين (المكون السوري الاصيل)، وتتيح لهم ممارسة دورهم وتفعيل حضورهم في الحياة السياسية، بعد عقود طويلة من التهميش والاقصاء. وثمة من يرى في هذه الخطوة،تطميناً لـ (المجتمع المسيحي)، القلق على وجوده ومستقبله السياسي، من مفاعيل حرب داخلية مستمرة منذ أكثر من سنوات. المسيحيون المتفائلون، يربطون بين ترقية حمودة و استقبال بشار الأسد(27 أيلول الماضي) للبطريرك السرياني(افرام كريم ) والمشاركين في (مؤتمر الشباب السرياني) لعام 2017، الذي احتضنته البطريركية السريانية في معرة صيدنايا- دمشق. إذا ما افترضنا جدلاً، أن وصول السوري السرياني ( حمودة يوسف الصباغ) الى رئاسة مجلس الشعب، هي “رسالة إيجابية” من الرئيس بشار، الى السريان الآشوريين والمسيحيين السوريين عموماً، لكن هذه الرسالة، سرعان ما قُبلت برسالة (نقيضة – سلبية) حملها وزير الأوقاف، الدكتور (محمد عبد الستار السيد) للسيد حمودة، ذلك بإهدائه (القرآن الكريم) بمناسبة انتخابه رئيساً لمجلس الشعب. حرجاً ومجاملة،حمودة، قَبلَ (القرآن) المهدى اليه. ما قام به وزير الأوقاف، خارج عن التقاليد والاعراف (الرسمية والشعبية) السورية. الوزير، بما قام به، وجه “صفعة” قوية لـ”العلمانية” التي يدعيها بشار الأسد. الشارع المسيحي في سوريا لم يخف استياءه من ابتزاز السيد حمودة والموقف المحرج الذي وضع فيه. حتى أن العديد من النشطاء المسيحيين طالب بإقالة وزير الاوقاف. طبعاً، من غير المتوقع أن يستجيب بشار لمطالب المسيحيين المحتجين. العارف بطبيعة وخصوصية النظام السوري، القائم على “حكم الفرد”، يدرك جيداً بأن تعيين “مسيحيي” رئيساً لأعلى سلطة تشريعية، لا اهمية له على صعيد حقوق المواطنة للمسيحيين و الحقوق القومية والسياسية للآشوريين(سرياناً /كلدناً). ترقية نائب مسيحي لرئاسة مجلس الشعب، هي مجرد “خديعة سياسية”، تندرج في إطار اللعب بـ”الورقة المسيحية” في وجه الداخل والخارج. اراد (بشار الاسد) المزايدة على المعارضة السورية في قضية الحقوق السياسية للمسيحيين، من جهة أولى. وتجميل صورة “نظامه الفئوي” امام الراي العام المحلي والخارجي، من جهة ثانية. الحقوق، يفترض أن يكرسها ويحفظها دستور البلاد، لا أن تأتي على شكل هبة أو منة من شخص الرئيس. الدستور السوري لعام 2012،الذي وضع في العام الأول من عمر الأزمة الراهنة، لم يغير شيئاً من الوضع القانوني والحقوقي للآشوريين(سرياناً وكلدناً). بقي متجاهلاً لوجودهم القومي ولحقوقهم كمكون سوري اصيل. رغم حديث النظام عن دولة المواطنة والمساوة، أبقى على الصبغة الطائفية الاسلامية للدستور الجديد، بالإبقاء على “الشريعة الاسلامية” كمصدر اساسي للتشريع و “الاسلام” ديناً لرئيس الدولة، منتقصاً بذلك من حقوق المواطنة للمسيحيين ومقللاً من مكانتهم الوطنية.
باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com
المصدر ايلاف