تعقيبا على مقالة الزميلة سهى الجندي “” حول قتل الشرف “” ..
جل إحترامي للهدف النبيل من المقالة .. ولكن الموضوعية خاصة في هذه الفترة الحالكة السواد التي تمر بها مجتمعاتنا العربية تحتم علينا الصدق في تحليل أسباب جريمة قتل الشرف .. ومن هنا إسمحي لي ان أتوقف عند النقطة التالية من مقالتلك ..
“”ثالثا: إنك (للقاتل ) خالفت القانون والشريعة إذ لا يحق لك أن تقتل نفسا لأنك ليس السلطة التي تحاكم وتحكم وتنفذ الحكم. “”
السؤال الحتمي هنا وبدلا من الإستسلام للمعالجة السطحية .. هل حقا خالف الجاني الشريعة في جريمته ؟ هل هناك نصوص أو مصادر فقهية تتحمل مسؤولية فعلته هذه ؟؟ ومن هي السلطة التي عليها أن تحاكم وتحكم و’تنفذ الحكم ؟ وما هي المبررات التي تجعل القانون والمجتمع يتعاطفون معه و’يبرؤه القانون ويحتفل به المجتمع ؟؟؟
لنبتدأ من قتل الزانية والتي يستند فيها المشرع إلى القصتين التاليتين من كتب التراث ..
“” الأولى تدّعي أن سعد بن معاذ جاء إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) يسأله عن حادثة يصف فيها فعل الزنى المباشر.. وقال له (سعد) ..’ والله لو حدث ذلك لأقتلنه’ وحين استعجب الحضور من قوله أجاب النبي ‘أتعجبون من غيرة سعد والله إني أغيّر من سعد والله أغير منا جميعا’ .
القصة الأخرى التي عززت الأخذ بالقصة الأولى كمبرر لتخفيف العقوبة تقول، انه جاء إلى الخليفه عمر بن الخطاب رجل وهو يأكل .. فجلس معه وسيفه يقطر دما، وإذا بمجموعة من الناس يتبعون هذا الرجل.. وقالوا يا أمير المؤمنين.. هذا رجل قتل رجلا آخر فسأله عمر ما الذي حدث؟ فقال ضربت فخذي زوجتي فإن كان بينهما رجل فقد قتلته.. وأجابه عمر إن عادوا فعد ..
بمعنى أن عمر بن الخطاب وبناء على القصه السابقه عن النبي (سلام الله عليه) لم ’يجرّمه بل أكّد على حقه في القتل حين قال “إن عادو فعد “.
من خلال القصتين السابقتين نجد بأن عملية القتل ’مبرره ومعفوّ عنها . وتستند إلى القصة الموثقة أيضا في كتب التراث حين جاءت إمرأة إلى النبي تحمل طفلآ رضيعا وأقرت له بأنها زنت .. وتفاديا لمعاقبتها أمرها النبي أن تعود بعد الوضع . وعادت تحمل رضيعها. ومرة أخرى وتفاديا لتوقيع العقوبة التي كانت معروفة عند اليهود, أخبرها أن تعود بعد إنهاء الرضاعة . وعادت تحمله في عامه الثاني و’تقر بالزنا .. وهنا لم يجد النبي مفرا من إيقاع العقوبة وأقام عليها حد الرجم بعد أن أعطى طفلها لمن تعهد بتربيته !!!..
الحق ’يقال بأن الرجم لم ’يذكر في القرآن الكريم وليس هناك من آية تدل عليه . ولكن هناك وفي كتب التراث من يؤكد بأن عمر إبن الخطاب اكد وجود هذه الآية , وبأن إصراره على وجودها إستنادا للواقعة السابقة حيث قال بأن النبي رجم ورجمنا معه .. ولكن ومن كتب التراث أيضا قول عائشة المثبت في صحيح البخاري ومسلم ومراجع أخرى فإن المعزة أكلتها بينما هم مشغولون بوفاة النبي .. “”
لنتفق اولآ بأن المقصد الإلهي الأول هو حفظ النفس البشرية وهو ما يتوافق مع الآية الكريمة “” من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها . غضب الله علية ولعنه وأعد له عذابا عظيم “”.
كلنا يعلم بأن قتل الشرف قتل ’متعمد ويتعارض كليا مع الآية الكريمة.. ولكننا لا نستطيع إنكار أن حد الزنا مذكور في القرآن الكريم و’مؤكد بالجلد ؟؟؟ كما جاء في سورة النور “” الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ولا تاخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين “”. بضوابط أن الحاكم هو السلطة الوحيدة المخوّلة بإصدار الحكم , إن ثبتت التهمه بالرؤية الفعلية لفعل الجماع باإجماع من أربعة شهود . أو إعتراف من الطرفين. فإن لم تعترف المرأة سقطت عنها العقوبة. وتوجب عليها أحكام اللعان بمعنى “أن تشهد أربع شهادات بالله بأن المدعي عليها (الذي ربما يكون الزوج وللتخلص منها ) كاذب .. و’مثبت أيضا أن إقامة الحد بعد ثبات التهمه ومحاكمة علنية يجب ان تكون بيد الحاكم وحده ثم تنفيذ العقوبة التي ستشهدها طائفة من المؤمنين . ’ترى كم من أب أو رجل من الأقارب المعطون مثل هذه الرخصة يريد مثل هذه المحاكمة العلنية وبمشاهدة مثل هذا الجمع ؟؟؟؟؟
الدين حاول حماية الطرفين بتصعيب الأمر وربما إستحالته. ولكن إجماع فقهاء الدين الأربعة (الحنبلي – الشافعي – الحنفي – المالكي ) على تعريف الضرورات الخمسة التي يجب الدفاع عنها حماية للإسلام ولتجذير الثقافة الإسلامية الصحيحة.. حماية مقاصد الشريعة وهي “”حفظ الدين – حفظ النفس – حفظ العقل – حفظ المال وحفظ العرض””..
وإستنادا إلى الأحاديث في كتاب البخاري والتي كثيرا ما تتعارض مع القرآن الكريم.. وتتنافى مع العدل والرحمة كل هذا مهّد لبيئة حاضنة ’تبرر دونية المرأة في ذات الوقت التي ’تحمل جسدها وزر نقاء المجتمع الإسلامي إستنادا لتفسيرات الفقهاء وإجماعهم في حفظ العرض ؟؟
تفسيرهم للحق في الآيتين الكريمتين . “”من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا “” و “” ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق “” بأن الحق في حفظ الإسلام نقيا طاهرا يعطيه حق القتل لحفظ العرض ؟؟؟؟ وإباحة القصاص ووجوبه حيث أن القتل كان لحق ؟؟؟؟
تبرير جريمة قتل الشرف حفاظا للعرض وودرءا لتكبير الفضيحة وعلانيتها ولتجنب محاكمة علنية يقوم بها ولي الأمر طبقا لكلمة الحق في الآيتين إستنادا إلى آرائهم وتأويلاتهم البشرية . تفسيرهم لمقاصد الشريعة لحفظ العرض هو الذي مّهد لتبرير قتل الشرف لتحجيم الفضيحة بدلا من المحاكمة العلنية . وأضافوا مرة أخرى وبإجماع ’بعدا جديدا لتحليل الجريمة فرديا ومجتمعيا من خلال ضرورة الحفاظ على نقاء النسب في المجتمع الإسلامي للحفاظ على طهارته .. هذه الطهارة التي ربطوها بجسد الأنثى حين أكدوا على أن من أهم خصائص الأمة الإسلامية الحرص على سلامة الإنتساب وطهارة العرض ؟؟؟؟
غير مدركين بأنهم وبهذا قتلوا نفسا بريئة وقضوا على أي فرصة للحياة الكريمة لأي طفل أو طفلة قد يكون ثمرة هذه العلاقة .. حملوه وزر عدم نقاء نسبه إضافة لحرمانه من الأم والأب .. وتواطئت الحكومات في كلا الجريمتين بحيث ساهمت في تجذير الخلل في العقلية الشرقية. وفي تجذير ثقافة خوف المرأة من القتل الذي يلازمها طيلة حياتها.
الأولى بعدم تجريمها التام للجاني .. فحسب تقرير الجزيرة عام 2003 “”فإن البرلمان الأردني رفض تغيير العقوبة المخففه للجاني تحت مقولة انها ’تخالف التقاليد الدينية الإسلامية “”. والثانية بحرمان الطفل من الحياة الكريمة وقبوله مجتمعيا حين حرصت على إبقاء ثغرة في سجله المدني يتبين من خلالها بأن لا نسب له وفاقد الأهلية ولا ’يمكنه الحصول على وظيفة حكومية خاصة وفي الخدمة العسكرية والقضاء لأنه فاقد الأهلية ولا نسب له ؟؟؟ .
نعم أحد أهم العوائق في تغيير ثقافة قتل الأنثى تكمن
أولآ : في غياب إرادة الدولة لتحقيق العدل .. ونظرة الجميع إلى الشرف وتحديده في جسد المرأة .
ثانيا : سكوت الإعلام الرسمي عن فضح الجريمة والدخول في الأسباب الحقيقية لها . ’مكتفين بالقول انها جريمة تحدث في كل العالم .
الحكومات العربية كلها بدون إستثناء متواطئة مع الجاني لأنها حكومات ذكور أصحاب الولاية على المرأة وعلى المجتمع . ذكور من مصلحتهم الإبقاء على قوانين تعطيهم السلطة في البيت لأنهم محرومون منها خارجه ! ..
سيدتي من أكبر الإشكاليات التي تواجهها المجتمعات العربية وفي ظل ثورة الإتصالات . بأن هناك مشاكل كبيرة في صلب التراث الديني ..وأن هناك الكثير من هذا التراث الذي يحتاج إلى مواجهة وبدون تجميل من خلال المراجعه والنقد .. ولكن تفسيرات الفقهاء الأربعة وبالأخص حين إجماعهم, أكبر عائق في طريق خلق أرضية جديده لتغيير ثقافة كراهية الأنثى والقبول المجتمعي للجريمة ..
أن أحد أسباب التخبط الديني في المجتمعات العربية تكمن في الموروث الديني في كتب التراث وتفسيرات الفقهاء والأحاديث المغلوطة في كتابي مسلم والبخاري. والطريق الوحيد لتجديد الخطاب الديني والثقافي تبدأ من ثورة تشريعية في القوانين تستند إلى الحقوق العالمية للإنسان وللمرأة والعمل على ثقافة تحترم المرأة وحقوقها وإنسانيتها. الإصلاح يتطلب منع تدريس فقه المرأة وجميع كتب الفقة الأخرى وإلغاء تدريس التربية الدينينة من المدارس. وعدم الإكتفاء بمقولة ان الإسلام كرّم المرأة وأن جريمة الشرف موجودة في كل المجتمعات الأخرى. الفرق أن هناك حريات قد تزيد عن الحد احيانا ولكنها حريات فردية ولا تؤثر على المجتمع. ونظام قضائي مستقل قد يكون ليس كاملآ ولكنه يعتمد على العدل والمساواة .. ولا تدّعي بأنها مجتمعات فضيلة ..
المصدر ايلاف