عدنان حسين
المسؤولون في دولتنا يتصرّفون في الغالب كما لو أنّهم آلهة، على الناس الركوع والسجود لهم بوصفهم رعايا وأتباعاً وخدماً. وهذا ما يسري حتى على أعضاء مجلس النواب الاتحادي والمجالس المحلية، مع أنّ هؤلاء منتخبون من أولئك (الناس)!
الوظيفة العامة عند المسؤولين في دولتنا تشريف وليس تكليفاً بمهمة لقاء أجر معلوم يوجب أداء الوظيفة على خير ما يرام. يومياً هناك الكثير من الأمثلة، إليكم واحداً منها خارجاً من “التنور” للتوّ.
جاء في الأخبار أنّ إحدى الأعضاء في مجلس النواب من محافظة ذي قار، قضاء الشطرة، تسبّبت في اعتقال 4 عناصر أمنيين في القضاء، بعدما تقدّمت بشكوى ضدّهم. السيدة النائبة أرادت أن تخرق النظام بالسير بسيارتها على الطريق فمنعها العناصر الأمنيون تنفيذاً للأوامر الصادرة إليهم.
السيدة النائبة (عن التيار الصدري) التي تمتلئ مثل غيرها من مسؤولي الدولة بالشعور أنها من مرتبة الآلهة، استشاطت غضباً،لأنّ أفراداً من رعيّتها وأتباعها وخدمها قد خرجوا عن طوعها تنفيذاً للقانون، فرفعت الشكوى التي استقبلها القضاء بشديد الترحيب، فالقضاء هو الآخر يتعيّن أن يكون في خدمة “الآلهة”.
العناصر الأمنيون لم يرتكبوا جناية أو جنحة ولم ينتهكوا القانون. العكس هو الصحيح، فهم كانوا مكلّفين بواجب حراسة طريق يمرّ بها الزائرون المتوجهون إلى كربلاء، ومن واجبهم منع مرور السيارات عليها.
الأخبار جاء فيها أيضاً أنّ زعامة التيار الصدري في النجف أمرت فوراً النائبة بالتنازل عن الشكوى صباح أمس الأحد. هذه المعلومة لا تغيّر في الأمر شيئاً، فالأمر لا يقتصر على هذه النائبة.. كلّ زميلاتها وزملائها تقريباً يتصرّفون هكذا حالهم حال الوزراء والمدراء والمستشارين.. إلى آخر القائمة الطويلة للمسؤولين “الآلهة” في دولتنا الذين عددهم بعدد النمل.
في بلاد أخرى، متحضّرة لا يتحكّم بها وبناسها الإسلام السياسي، يأتينا من مسؤولة حكوميّة “كافرة” أنموذج للتصرف مناقض.
السيدة آنا ميا أرسليو تعمل محافظاً لشؤون العمل والاندماج في مدينة كوبنهاكن، عاصمة الدنمارك. تقدّمت أخيراً باستقالتها من منصبها الحكومي هذا ومن منصبها في حزب “راديكال فنسترا”، الذي كانت مسؤولته في منطقة العاصمة والمرشحة الرئيسة في قائمته في الانتخابات المحلية التي ستجري في 21 الشهر المقبل.
استقالة السياسية الدنماركية جاءت بعد نشر إحدى الصحف معلومات أفادت بأنها استخدمت صالة مبنى مجلس المدينة لحفل استقبال زواجها، وقد دفعت أجور الصالة البالغة 65 ألف كرونة، ولم تخالف القانون والتعليمات، فقد حصلت على موافقة مدير إدارة مجلس المدينة، وكان هدفها من اختيار هذه الصالة بالذات، كما قالت، أن تمنح ضيوفها فرصة التعرّف على مكان عملها الذي تحبّه كثيراً وأمضت فيه ثماني سنوات. أين المشكلة إذن؟ المشكلة، كما قالت الصحيفة، أنّ هذه المسؤولة وجّهت عدداً كبيراً من الأسئلة إلى موظفي المبنى تتعلق بحفلها الخاص، ما عدّوه سوء استخدام لموقعها الوظيفي. لهذا قرّرت الاستقالة لِتُجنِّب حزبها تبعات الموضوع في الانتخابات القادمة!
هل من حاجة للتعليق بشأن تصرّف نائبتنا “المؤمنة” مقارنةً بتصرّف المسؤولة الدنماركيّة، “الكافرة” من وجهة نظر الإسلام السياسي؟
*نقلاً عن “المدى”