فزع كريم من نومه, على صوت ابن جاره “شنكل” المطريجي, وهو يصفر ويصيح على طيوره التي طارت في السماء, مع أن الوقت مازال السابعة صباحا, حيث يعتقد شنكل أن الطيور تفهم زعيقه وتأتمر بأمره, وشنكل يعتقد انه كلما زعق بقوة على طيوره, تصبح مطيعة له أكثر, وألا انهال عليها بالحجارة, حيث تتهاوى حجارته على بيوت الجيران, ف”المطيرجي” شنكل منزعج من عدم استجابة الطيور لزعيقه, يفكر كريم في ترك الدار والانتقال الى بيت بعيد عن شنكل, فلا قانون يحمي المواطنين من الإزعاج, ولا تنفع شكوى كريم لأبي شنكل, مما سد أبواب الراحة, الا بالانتقال لبيت بعيد.
مربي الطيور “المطيرجية” ظاهرة غير صحية, تلازم المناطق الشعبية خصوصا, وتتسبب بالأذى للجيران, من خلال الصفير والحجارة والقفز فوق أسطح الجيران, سعيا وراء طير قد هبط هنا أو هناك, والمجتمع يتأذى من هذه الظاهرة, بسبب السلوكيات بعض مربي الطيور, التي تتجاوز على حق الناس , حاولنا أن نتعرف عن الأسباب التي تدفع مربي الطيور لفعل كل هذا , ثم نتعرف على رأي المواطن.
●لماذا أنت “مطيرجي”؟
حاولنا أن نتعرف على هذا العالم عن قرب, فتكلمنا مع بعض المطيرجية لفهم دوافعهم, كي يحملوا هذا اللقب المثير للجدل:
أول كلامنا كان مع المطيرجي خليل زاجل ( هكذا يلقب في عالم المطيرجية ) فقال: أنا ابلغ 26 سنة, وعاطل عن العمل, ولم أكمل تعليمي, بسبب كرهي للدراسة, وقضية عمري كله في برج الطيور, أرعى الطيور واشتري الجديد, واجلب الصمون والخبر واطحنه وامزجه بالماء, واطعم طيوري ثم أطلقها في الجو, وابدأ منذ الصباح حتى غروب الشمس, فهي عالمي الأهم, لا اعرف شيء أخر, وكل ( أصدقائي مطيرجية), فيكون كل كلامنا حول عالم الطيور, أحس أننا بعيدون عن الناس وواقع الحياة, وأحس أن البعض يحتقرنا فقط لأننا مطيرجية, لكن لا يمكن أن أغير قدري بان أعيش مطيرجي!
التقينا بمطيرجي أخر وهو بسام كركر ( هكذا يلقب نفسه ), وقابلناه وهو حامل عصا مربوط بها شبكة, فقلنا له نريدك أن تحدثنا عن الطيور, وهل الجيران راضون عنك؟ فقال: الطيور أخذت كل وقتي أحب أن أربيها, وهي أخذت مني كل وقتي, البعض يدمن على الخمر, والبعض الأخر يدمن شرب الحبوب المخدرة, لكن أنا مدمن طيور, فلا استطيع أن أعيش يوم واحد بعيد عن طيوري, وأنا الآن بالثلاثين من العمر, وأحس أنني مكروه من قبل الجيران, بسبب ما أحدثه من إزعاج للجيران, والكثير من بيوت جيراني له زجاج شباك مكسور من حجارتي التي ارميها هنا وهناك, كي أسيطر على حركة الطيور, وامنع أن يصطاد احد أحدى طيوري.
وأخر لقاء مع المطيرجية كان مع هاني النار : يسموني النار لأني سريع الغضب, وهذا اللقب لازمني منذ الابتدائية, قبل أيام بنيت برج جديد لطيوري, وقد كلفني كثيرا لكن مجرد الجلوس أمامه والنظر لحركة الطيور, وهي تأكل وتنام يشعرني بسعادة ما بعدها سعادة, صحيح أن الكثير من الناس يكرهوني بسبب صفيري وقفزي على أسطح الناس, لكن لا استطيع التخلي عن هوايتي أبدا, واعلم أن اغلب مصاريفي تذهب على الطيور, لكنها كل حياتي, لحظة طيران الطيور في الجو وأنا أتابعها, وهي تحلق ثم ترجع الى برجي, يمثل لي مشهد السعادة القصوى, نعم حصلت معي مشاجرات كثيرة مع المطيرجية آخرين, بسبب الطيور وتجد عناوين تلك المشاجرات على جسدي بسبب ضربات السكاكين, لكن هذا حال حياة كل مطيرجي.
● رأي المجتمع بالمطيرجية
قررت أن اعرف رأي الناس بالمطيرجية, هل يشعرون بالرضا بوجود هؤلاء “المطيرجية ” مربي الطيور, أم يشعرون بالتعاسة لان جارهم مطيرجي ؟
توجهت بالسؤال الى المواطن أبو خالد الخفاجي ( من أهالي مدينة الصدر) فقال: لقد سبب المطيرجية الم وإزعاج دائم, فزجاج نوافذنا تكسر, والحجارة نجد منها العشرات على السطح يوميا ! بالإضافة للزعيق وتبادل الشتائم فوق السطوح والكلام البذيئة! ولا يستحون ابدأ فلا مكان للقيم الأخلاقية في قواميس حياتهم! ولا توجد جهة تعاقب من يسبب الأذى لجاره ! لذا صدقني أنا أتمنى بيع بيتي اليوم قبل الغد, بسبب هؤلاء المطيرجية, مع أن أقاربي وأصدقائي هنا, لكن الإزعاج المستمر من قبل هؤلاء الجهلة هو الدافع الأهم لبيع البيت.
التقيت بالحاج شلال أبو حسن ( من سكنة حي الكفاءات) فقال: هؤلاء المطيرجية سبب محنتي لقد حولوا نومي الى جحيم, فاليوم جمعة والناس ترتاح من تعب الأسبوع, لكن هذا “المطيرجي” ابن جاري, منذ السادسة والنصف صباحا بدا عمله بصفير مزعج وصراخ كالمعتوه والضرب بعنف على الصفيحة ( التنكة ) أفزعني من نومي, ولا خلاص من هذا الهم, فلا يسمعون الكلام ولا يؤنبهم ضمير ولا كبير لهم نشتكي عنده,والمجالس البلدية لا تفعل شيء لنا, ولولا مخافة الله لسجلت شكوى في مركز الشرطة , لكن كان أبيهم جاري وكان إنسان طيب رحمه الله, كل الحلول لم تنجح مع هذا المجنون بالطيور , فقط بقي أمامي الرحيل وترك الحي.
● حجارة “مطيرجي” تسببت بوفاة طفل
أما الحاجة أم نوري فقالت: انه جرح السنين يا بني, لقد كان لي حفيد اسمه يونس, وكنا جميعا نحبه فأبيه متوفي, وكان برعايتنا أنا وجده وأعمامه, وفي احد الأيام كنا جالسين في حديقة البيت, وهو يلعب ويركض خلف دجاجة عندنا, لحظتها سقط حجر على رأسه وكان حجرا كبير, وجاء من السماء فقد قذفه مطيرجي ما, ومات يونس بلحظتها تراكض أولادي لمعرفة الجاني لكن لم نجده, وحصلت شجارات مع اقرب المطيرجية لبيتنا, والكثير من الهموم تراكمت بعد الحادث, لكننا فقدنا يونس طفلنا المحبوب, ولليوم كلما تذكرته ابكي فأحزاننا سببها المطيرجية, وأنا اعتب على الحكومة التي لا تقوم بشيء لنصرة الناس, من هؤلاء “المطيرجية”, الذين وجودهم مزعج ومؤذي, لكن فقط أقول لله المشتكى.
●ختام الرحلة
ظاهرة تربية الطيور من المظاهر السلبية, خصوصا في الأحياء الشعبية, وذلك من خلال التجاوزات المستمرة على حقوق الآخرين, فمربي الطيور “المطيرجي” شخص لا يهتم الا بتحقيق هوايته, والاندماج مع عالم الطيور, حتى لو قفز على أسطح بيوت الجيران, أو صاح وصفر مسببا إزعاج الجيران, أو رمي الحجارة حتى لو تسببت بأذى الجيران, فالمهم عنده أن تستجيب له الطيور, وهذا يدلل على نوعية تفكير سطحيه لأغلب مربي الطيور, فلو كان إنسان واعي لما فعل كل هذه الأشياء, لذا أجد الحل لهذه الظاهرة يكمن في النقاط التالية :
أولا: تفعيل قانون العقوبات الذي يحاسب “المطيرجية” لكي نحمي حقوق الناس, عبر محاسبة المزعجين, فالصفير والصراخ والطرق على الصفيح ورمي الحجارة, كلها تجاوزات من دون ردع, فلو كانت عقوبات كالحبس مع غرامات مالية لامكن أصلاح الخلل .
ثانيا : على المجالس البلدية أن تترك الكسل, وان تقوم المجالس البلدية بدور حقيقي في الأحياء السكنية, مثل توفير بيانات عن “المطيرجية”, وإدخالهم كورسات تثقيف ليغادروا حالة اللاوعي .
ثالثا: على الناس أن تقاطع مربي الطيور ذو السلوكيات المنحرفة, فيكون اتفاق بين الأهالي كي يحس بخطيئته ويعود للصواب, وهذا يحتاج لثقافة التكاتف والتضامن بين أبناء المجتمع والذي نفتقده اليوم .
رابعا : الدور المفقود لمنظمات المجتمع المدني, فنحتاج منها أن تنتشل هؤلاء وتحتضنهم, وتضع برامج لتطويرهم فهم يسبحون ببحر الجهل والضياع.