الشرق الاوسط
اقترح الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط إقامة مخيمات لإيواء النازحين السوريين إلى لبنان، الذين فاق عددهم الرسمي نصف مليون. منذ أن طرح هذا الموضوع قبل أشهر وأنا أسأل نفسي: هل يعقل؟ مخيمات أخرى لشعب عربي آخر؟ من يستطيع أن يطيق هذا المشهد؟ ولكن كيف يمكن لدولة معتلة مثل لبنان، أن تعتني بنصف مليون بشري تراهم قادمين كل يوم حاملين على رؤوسهم المتعبة الوجه، أقل ما يملكه إنسان من متاع الأرض؟
ليس أي حل علمي ولا عملي. لكنني ضد أن نرى أولئك القادمين من بيوت ومنازل ومدن وقرى، في الخيام. هذه مسألة لا تليق بالسوريين، ولا تليق بنا، ولا تليق خصوصا بالنظام الذي لا يزال يقصف شعبه ويشرده في متاهات الأرض، وهو يخطب في السيادة والكرامة.
أفهم قلق لبنان الأمني والاقتصادي، أي قلق ذوي المسؤولية والأخلاق والرؤية غير المصابة بالعمى، لكننا لا نستطيع أن نتحمل فكرة رؤية السوريين في الخيام بدعوة مفتوحة من حكومتهم.
ذات مرة اُستضفت في برنامج على التلفزيون السوري، ولاحظت أن الحلقة تكررت إذاعتها نحو 5 مرات. واتصلت بصاحب البرنامج علي جمالو أسأله ما السبب؟ فقال: «هيدي آلو من فوق، لأنك قلت: الكرامة أهم من الأرض».
البعض يتوقف عند عدد القتلى في سوريا أو المصابين أو السجناء. أنا أقول في نفسي كيف يستطيع نظام الحكم السوري أن يذهب إلى النوم بعد مشاهدة الأطفال والنساء في مخيمات الأردن؟ قد يبدو ذلك مبالغا، أو كلاما رمزيا، عندما أقول إنني لم أعد أشاهد أخبار سوريا. لكنها لا مبالغة ولا رمز. يستحق السوريون أفضل من كل هذا من نظام يحكم منذ نصف قرن.
ماذا قدم النظام للسوريين في الوطن حتى يدفعهم اليوم إلى الذل في الغربة؟ كيف يكون شعور أركانه عندما يسمعون أماً نازحة تقول في لبنان: «وعدونا بالطعام ولم نتلقَ أي طعام». تعجب من فظاظة التعابير المجترة وغلظتها: حل سياسي لا عسكري!
حل إنساني يا بشر. حل يرد السوريين إلى بيوتهم ويرد عنهم الجوع والعراء والبرد والقيظ واليأس. الباقي كلام أجوف متعجرف استعلائي قاهر. ماذا بقي للسياسة، وماذا بقي للعسكرة؟ من ينتصر يربح الركام ويعلق على صدره أوسمة الموت والجدران المدمرة والبيوت التي رمدت لكي تولد خياما في بلدان أخرى.