لوحظ أن حملة إيران وحلفائها على «التكفيريين» بعد حملة «عاصفة الحزم» على اليمن تصاعدت إلى درجة غير مسبوقة، خصوصا من قبل حزب الله في لبنان، وازدادت حدتها بعد زيارة علي أكبر ولايتي مدير مركز الأبحاث الاستراتيجية في مجلس تشخيص النظام للبنان وسوريا، والذي قال إن إيران تقف إلى جانب البلدين لأن «البلدان الثلاثة يجمعها قدر مشترك».
اليمن وما قد يليه هو السبب، لأن تنظيم داعش لا يمثل قضية سياسية حساسة بالنسبة إلى إيران، وليس للحكومتين في إيران وسوريا من دافع قوي للقضاء على «داعش»، لأن تصرفات «داعش» الوحشية تظهر النظامين الإيراني والسوري، وحزب الله معهما، تقدميين بالمقارنة. ثم إن إيران تريد محاربة «داعش» لكن لا تريد القضاء عليه بالكامل.
وكانت «الشرق الأوسط» نشرت يوم السبت الماضي خبرًا، قد يغير مسار اللعبة، عن سحب روسيا لعدد كبير من خبرائها وعائلاتهم من سوريا، ويعني هذا أنها بدأت تحسب حسابات مستقبلية، ومن هنا جاء قول وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، يوم الأحد الماضي، وطلبه من موسكو التخلي عن الرئيس السوري بشار الأسد.
كأن صورة المستقبل بدأت تتضح، لهذا فإن السؤال الأول الذي يطرح: من هو الطرف الذي قد ينتصر في هذه الحرب المدمرة؟ هناك «محور المقاومة»، وقد نشأ مقابله «التحالف العربي»، وبالتالي من لديه القوة للصمود أكثر من الثاني، مع العلم بأن «محور المقاومة» يتضمن حتى الآن روسيا، لكن «جبهة التحالف» لا تتضمن الولايات المتحدة الأميركية، ومع هذا فإن هذه المعادلة لن تغير النهاية، لأنه كما ظهر الآن فإن الروس لا يمكن الاعتماد عليهم حتى النهاية، فقبل حرب 1973 سحبوا كل خبرائهم من مصر قبل ليلة من بدء الحرب، وكان ذلك إشارة إلى أن الوضع جدي، والآن فإن روسيا لا تريد أن تتحمل مسؤولية ما قد يحدث في سوريا. هذا يعني أنه من غير المهم أن الولايات المتحدة لا تقف إلى جانب «التحالف العربي»، رغم كل الادعاءات، لأن الروس أيضا لا يقفون إلى جانب «محور المقاومة»، ثم إن هؤلاء يبيعون السلاح وأولئك أيضًا.
ما دام هذا العامل لا يغير في ميزان القوى، فهل هناك شيء آخر؟ لدى التحالف مبالغ طائلة، ويمكنه التحمل لفترة زمنية طويلة، وما دام «محور المقاومة» لا يصل إلى مصادر ثروات التحالف، تبقى للأخير ورقة رابحة على إيران التي لا تملك الأموال المتدفقة للاستمرار في المواجهات، حتى إذا تم التوصل إلى اتفاق حول برنامجها النووي فإنها قد تتسلم مبلغ 50 مليار دولار من عائدات نفطها المجمدة والتي تقدر بما بين 100 و150 مليار دولار.
وكان المندوب الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا قال إن إيران توفر سنويًا لسوريا مبلغ 35 مليار دولار، في حين أن دعمها لحزب الله سنويًا يتراوح ما بين 200 و500 مليون دولار، حسب التقارير.
إذا وصلنا إلى القوة البشرية فإن لإيران اليد العليا، لكن التعب أصاب هذه القوات التي تقاتل على جبهات عدة، والمثل الأبرز إصرار حزب الله على دخول الجيش اللبناني في معركة القلمون السورية على أساس «تحرير الأرض اللبنانية من التكفيريين». أيضا من جهة التحالف فإنه قادر ماديًا على الاستعانة بقوات من الدول الأخرى خصوصًا من مصر.
مشكلة إيران أنها ارتكبت الخطأ الذي ارتكبه نابليون: خطوط إمدادات طويلة للتمويل والتسليح والدعم، ممتدة من اليمن إلى سوريا ولبنان. ثم إن كل الساحات تحولت إلى حقول ألغام، إذ لا يوجد دعم مطلق لها في أي دولة من الدول التي تقاتل على جبهاتها، لذلك نرى قواتها متعبة في معارك جانبية كبيرة وكثيرة.
من دون تخمين قطعي للمستقبل فإن الاحتمال الأكبر أن يسود معسكر التحالف على معسكر «محور المقاومة». لكن كيف سيكون الحال في الشرق الأوسط بعد ذلك؟ يحلل خبير استراتيجي غربي الأوضاع بالقول: «قد ترغب دول الخليج العربي باليمن كدولة موحدة، لكن ماذا ستكسب من مستنقع مناطق الحوثيين؟ الأفضل أن تكتفي بـ70 في المائة معها بدل أن تصر على 100 في المائة وتخسر كل شيء. أما في سوريا فإن النظام السوري صار راضيًا بأن يحكم على جزء من سوريا، حيث يكثر الحديث عن دولة علوية، فيما الأكراد سينضمون إلى إخوتهم، وما تبقى سيكون للسنّة».
يضيف: «صار واضحًا أن العراق تقسّم». وكان علي شمخاني، مسؤول الأمن القومي الإيراني، قال يوم الأحد الماضي لـ«برس تي في»: «هناك ثلاثة خطوط حمراء إيرانية في العراق: تهديد بغداد، المقامات الشيعية المقدسة، واقتراب التكفيريين من الحدود الإيرانية». وهذا يؤكد عدم وجود دافع إيراني قوي للقضاء على «داعش».
ليس واضحًا الوضع الذي سيكون عليه لبنان. يقول محدثي: «إذ رغم البروباغندا الإعلامية عن انتصارات محور المقاومة فعلى المدى المتوسط الهزيمة واقعة، وقد بدأت أصوات شيعية تندد بفقدان أبنائها على جبهة القلمون. قد يختار حزب الله لاحقًا أن يكون دوره فقط لمواجهة إسرائيل، لكن حتى هذا الدور سيكون محدودًا لأن لبنان لم يعد يحتمل دمارًا وتدميرًا. ومع الوقت قد تتأثر إيران بسبب تحركات الأقليات لديها، إنما يخطئ عرب الأهواز إذا تحركوا الآن، لأن النظام سيقهرهم بكل قوته. أما مصير المفاوضات النووية فقد أصبح مفهومًا أن الأميركيين غير مستعدين لتقديم تنازلات أكثر، وكذلك الإيرانيون».
يقول محدثي: «كل ما ذكرته كان تحليلاً حذرًا جدًا عن المستقبل، لكن تحدث دائما أشياء لم تكن قد خطرت على بالنا، فتغير كل شيء». ما الذي قد يغير فجأة كل شيء؟ يجيب: «رحيل المرشد الأعلى علي خامنئي، تليه مباشرة ثورة حقيقية في إيران، وغياب السيد حسن نصر الله الشخصية الكاريزماتية جدا عن الساحة، أو نجاح الولايات المتحدة في القضاء بغارة واحدة على قادة «داعش» أو «القاعدة». استبعد محدثي ثورة الشيعة العرب في العراق، ثم إنه لا ينتظر من أوروبا شيئًا دراماتيكيًا، لكن إذا جاء الجمهوريون إلى البيت الأبيض «في المستقبل البعيد»، وأعادوا التدخل الأميركي في المنطقة، فإذا لم تكن الأوضاع قد تغيرت، عندها حتمًا ستتغير.
يقول: «من الأمور التي قد تفاجئنا ولم نكن نفكر بها حتى الآن، ما أشارت إليه صحيفة (الغارديان) يوم الاثنين الماضي، بأن الولايات المتحدة تجري مباحثات مع الحوثيين في عُمان. إذا كان هذا صحيحًا فإنه عامل جديد من عوامل تغيير اللعبة، بمعنى أن روسيا تغادر فتحل محلها أميركا، وكل ذلك من أجل إيران».
وكان علي أكبر ولايتي «أكد» أنه من المستحيل عودة عبد ربه منصور هادي إلى السلطة في اليمن. الاندفاع الإيراني لافت، لأن مثل هذا التصريح يمكن قبوله من عبد الملك الحوثي، لكن ما دخل إيران في اليمن؟ يعود محدثي إلى التذكير بحرب 1973: «طرد الرئيس المصري أنور السادات الخبراء الروس من مصر. وقعت الحرب، فوجدها الأميركيون فرصة للدخول إلى مصر، وكان السادات مستعدًا لذلك». يضيف: «كانت إسرائيل تحاصر الجيش الثالث فأجبرتها أميركا على رفع الحصار عنه. استعمل هنري كيسنجر هذا كبطاقة لكسب السادات فكان باب أميركا إلى مصر. الإدارة الأميركية مستعدة لاتخاذ خطوات غير متوقعة وقد تقدم على إنقاذ الحوثيين من أجل إيران، لذلك على دول الخليج التنبه. إنقاذ الجيش الثالث كان مفتاح أميركا لمصر، وإنقاذ الحوثيين قد يكون – أكرر قد يكون – مفتاح أميركا لإيران. ولن تتوقف الأمور عند اليمن، بل ستغطي العراق وسوريا».
وكانت صحيفة «كيهان» كتبت أول من أمس الثلاثاء تحت عنوان «الرياض على مرمى نيران صنعاء»: «من المتوقع أن يطلق الحوثيون صواريخ (زلزال) و(شهاب 3) على الرياض. وفي اليوم نفسه غرد الحشد الشعبي في العراق على موقعه عن وصول راجمة زلزال إلى مشارف الأنبار، وهي تطلق 250 صاروخا في الدقيقة. في هذا تعتمد إيران استراتيجية مزدوجة: التخويف من ناحية، ومن ناحية أخرى التلاعب بالأميركيين ودفعهم إلى المحادثات مع الحوثيين».
في ظل هذه الأجواء السوداء والقاتلة، تبقى هناك مساحة للطرائف. أطرف ما حدث هذا الأسبوع، رغم كل البراكين التي تنفجر في الشرق الأوسط، قول رئيس مجلس الشعب السوري جهاد اللحام يوم الاثنين الماضي في مؤتمر صحافي في طهران مع نظيره علي لاريجاني: «إن العلاقات بين سوريا وإيران كانت وستبقى عامل استقرار في المنطقة».
ربما لاحظ اللحام الاستقرار في طهران، فنسي من أين أتى!
نقلا عن الشرق الاوسط
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلامية
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :