السيد المسيح، سلم نفسه لجلاديه اليهود وهم يجرجروه سحلاً وجلداً في طريق الجلجلة وسط مدينة السلام “أورشليم القدس” لتنفيذ بحقه حكم الاعدام “صلباً “. بينما مسامير الجلادين تُدق بجسده، وهو مربوط على خشبة الصليب،خاطب المسيح ربه، قائلاً: “يا أبتي اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ” .المسيح سامح جلاديه وطلب المغفرة لهم، على أمل وإيمان بأن يكون “طريق الجلجلة” والموت على الصليب، سبيل خلاص لأتباعه المؤمنين برسالته، من بعده. لكن دماء المسيح ذهبت سدى، فقد بات “طريق الجلجلة” بكل عذاباته وآلامه، مصيراً محتوماً ، درب هلاك، لجميع اتباعه في المشرق . على خطى رسول السلام وإيماناً برسالته وحرصاً منهم على التسامح الديني و العيش المشترك بين أتباع مختلف الديانات ، العديد من بطاركة المشرق قبلوا (القرآن الكريم) ، رغم ظلم واضطهاد المسلمين للمسيحيين. وقد سبقهم بابا الفاتيكان(فرنسيس) في تقبيل القرآن، وغسل وتقبيل أقدام 11 مهاجرا بينهم مسلمين وهندوس، خلالقداس “خميس الاسرار” ،الذي يسبق عيد القيامة(الفصح). مبادرة “الأخوة”لرأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم ، أطلقها بوجه الهجمات الارهابية، التي قام بها اسلاميون متشددون في العديد من العواصم والمدن الأوربية. بيد أن هذه المبادرات، الغير مسبوقة من قبل رجال دين مسيحيين كبار، تجاه الاسلام والمسلمين، لم ولن تؤثر في الإسلاميين الظلاميين المتشددين والسلفيينالتكفيريين. الفئة الظلامية والضالة من المسلمين لن تقبل ببقاء المسيحيين في المجتمعات الاسلامية. المتشددون، أنذروا ، هددوا ، افتوا بضرورة تصفية وطرد جميع المسيحيين من ما يسمونه بـ “ديار المسلمين” . في حزيران الماضي بمدينة القامشلي السورية، استهدفوا (البطريرك افرام) راس الكنيسة السريانيةالارثوذكسية في سوريا والعالم ، عبر انتحاري فجر نفسه في الحرس الخاص بالبطريرك. بذات الطريقة الارهابية ، في 9 نيسان الماضي بمدينة الاسكندرية المصرية، استهدفوا (البابا تواضروس) راس الكنيسة القبطية الارثوذكسية في مصر والعالم، أثناء صلاة أحد الشعانين. مازالت قضية مطارنة حلب( يوحناابراهيم وبولس اليازجي) المختطفين منذ اربع سنوات ( 22 نيسان 2013)، تتصدرالمشهد الكئيب لمسيحي سوريا والمشرق. اربع سنوات ومصيرهما مازال مجهولاً. هذه الاعتداءات الممنهجة ، تندرج في اطار (حملات إخلاء وتطهير المنطقة من المسيحيين)، المستمرة منذ قرون طويل، وسط صمت، (عربي ، اسلامي ،دولي)مخز. الاعتداءات على مسيحيي ( العراق ، سوريا ، مصر ) هي الأسوأ والأكثر دموية منذ لـ”الهولوكوست المسيحي” إبان حكم دولة الخلافة العثمانية الاسلامية 1915 . تفاقم أعمال “العنف الديني” ضد مسيحيي دول مشرقية شهدت ما يسمى بـ” الربيع السياسي العربي”، يؤكد من جديد على أن قضية مسيحيي المشرق لم تعد قضية حقوق وحريات بل “وجود أو لا وجود”. أنها “قضية فوق سياسية” لا ترتبط بطبيعة الأنظمة السياسية وشكل الحكومات، بقدر ما هي ترتبط بطبيعة وقيم وثقافات وأخلاقيات وعقائد شعوب المنطقة.
أحلام وآمال وتطلعات مسيحيي المشرق (دول مدنية ديمقراطية، دولة مواطنة، دولة عدل ومساواة وقانون)، سقطت وتلاشت ،ربما الى الأبد، في أوحال ومستنقعات الحروب والنزعات الأهلية الطائفية والمذهبية والعرقية والقبلية، التي تعصف بمعظم دول المنطقة. مقولات “العيش المشترك .. الدين لله والوطن للجميع .. التسامح الديني” باتت من غير قيمة وبلا معنى، بل مثيرة للسخرية. حكومات المنطقة فشلت، أو بالأحرى تخلت عن وظيفتها ومسؤوليتها في توفير الحماية الوطنية المطلوبة لمواطنيها المسيحيين، تركتهم عرضة لهجمات الارهابيين . مدينة قرقوش العراقية، أكبر المدن المسيحية في العراق كانت موطنالأكثر من 50 الف آشوري مسيحي، اليوم لم يتبق فيها سوى بضع عائلات، عادوا اليها بعد تحريرها من قبضة تنظيم الدولة الاسلامية- داعش، الذي احتل معظم مدن وبلدات محافظة نينوى في تموز عام 2014، بتواطؤ مفضوح منقوات الحكومة المركزية في بغداد وقوات البشمركة الكردية التابعة للحكومة الفدرالية في اربيل. في مصر وهي تضم أكبر تجمع لمسيحيي المشرق( أكثر من عشرة مليون قبطي) باتت احلام وأماني القبطي المسيحي تقتصر على العيش في أمان، من دون خوف وقلق على حياته وهو في طريقه الى المنزل أو الى مكان عمله .
آشوريون(سريانا وكلدناً)، اقباط، ارمن ، شعوب اصيلة متجذرة في تاريخ وحضارة المشرق. أنهم “الخميرة الحضارية لمجتمعات المشرق”. لكن المسلمون فرطوا بهم وتخلوا عنهم. المسلمون لم يدركوا ولن يدركوا أهمية الوجود المسيحي وحاجة المسلمين لهذا الوجود، الا بعد فوات الأوان. إزاء استمرار الواقع المأساوي لمسيحيي المشرق، أصبح بقاءهم في المنطقة مستحيلاً، ما لم تقام لهم “محميات مسيحية” مستقلة ، ( كيانات ذات حكم ذاتي) ، أو بأية صيغة ممكنة ، ضمن الدول التي مازالت تحتضن تجمعات مسيحية مهمة، كمصر وسوريا ولبنان والعراق. من غير “محميات مسيحية” سيكون مصير مسيحيي المشرق كمصير يهود المشرق ، الانحسار والتلاشي والاندثار. ما كان للعبرانيين اليهود أن يحافظوا على وجودهم في مهد ديانتهم (فلسطين ) ما لم تقام لهم “محمية – دولة” خاصة بهم (اسرائيل ) .
باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات
المصدر ايلاف
حاشا ان تكون دماء المسيح الطاهرة قد ذهبت سدى بل هي قد استوفت كل مطاليب العدالة الإلهية وكل من يؤمن به لا يدان وكل من لا يُؤْمِن قد دين وحاشا ان يكون المسيح قد ساوم على الحق مثل فرسيي العصر وعن قريب سوف يأتي وسوف يحكم وستجثو كل ركبة له اما طوعا كانت او قسرا