عبد الله بن بجاد العتيبي
ي حوارٍ بالغ الأهمية، تحدث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال زيارته التاريخية للولايات المتحدة الأميركية مع مجلة «التايم» وصف أتباع السرورية بـ«الأكثر تطرفاً في الشرق الأوسط» قائلاً: «إنهم أعلى درجةً من جماعة الإخوان المسلمين،» وأكد أن «السروريين مجرمون بموجب قوانيننا، وستتم محاكمتهم متى توفرت الأدلة الكافية ضدهم». جاء هذا الحوار ضمن سلسلة حواراتٍ إعلامية أعطاها الأمير لعدد من وسائل الإعلام الأميركية، وتحدث فيها بصراحةٍ وشفافيةٍ متناهيةٍ، وتحديداً فيما يتعلق بالجماعات المتطرفة ومحاربة التطرف، وحديثه عن السرورية وخطرها الكبيرة يأتي ضمن هذا السياق بالغ الأهمية. السرورية تيارٌ واسع ضمن ما كان يعرف بالصحوة الإسلامية، وهو يشكل أهم تجربةٍ في الجمع بين السلفية و«الإخوانية»، وهو ينسب لمحمد سرور زين العابدين الإخواني السوري المنشق عن «الإخوان»، وقد شاركه في ذلك، ثلاثة أشخاصٍ، محمد قطب وعبد المنعم العزي المعروف باسم محمد أحمد الراشد وعبد الرحمن عبد الخالق، ففشلوا ونجح.
سبق لكاتب هذه السطور تناول هذا التيار الخطير من خلال دراسة بحثية تم نشرها في العدد الأول لكتاب المسبار الشهري، يناير 2007 وفي العديد من المقالات، كما تناول هذا التنظيم باحثون آخرون من قبل ومن بعد، ولن أعيد ما كتب آنذاك، ولكننا سنستحضر بعض ما يخص هذه الجماعة في عجالة.
أولاً: على طريقة رموز الإسلام السياسي في الكذب والمراوغة فقد كتب محمد سرور في مجلة السنة عدد27 عام 1993 مقالةً تحت عنوان«السرورية»ذكر فيها انتماءه المبكر لجماعة «الإخوان» في سوريا لمدة عشر سنواتٍ، وتبرأ فيها من تسمية السرورية ورفضها، وجاء في المقالة قوله: «والعجيب في هذا الأمر أن بعض رفاق دربي القدامى -من الجماعة الأولى-هم الذين اخترعوا هذه التسمية، ثم نقلها عنهم أعداء لدودون لهم»، وأضاف نافياً وجود جماعةٍ: «لا أعرف أن هناك جماعة اسمها (السرورية) ولم أكن في يوم من الأيام مسؤولاً عن جماعةٍ». ولكن سرور بعد سنواتٍ طوالٍ عاد وكذب نفسه، ففي حواره مع «الإخواني» المعروف عزام التميمي في برنامج مراجعات الذي أذيع على قناة الحوار، في الحلقة الثالثة، التي تم بثها في 24 مارس 2008 عاد وأقرّ بوجود جماعة وتيار، فقال: «هذا التيار كانت بداية نشأته في السعودية، والمنتسبون إليه ليسوا من جنسية واحدة». وأضاف أن هذا التيار «حقيقة» وأنه «هو تنظيم وهو تيار».
«السرورية» أحد منتجات «الإخوان»، ولكنها أكثر تطرفاً في خطابها وممارساتها، وقد استفادت كثيراً من ظروف ما بعد 1979 فانتشرت وبلغ تأثيرها حداً غير مسبوقٍ وبخاصة في السعودية، وقد تحدث سعد الفقيه في حوارٍ آخر مع عزام التميمي عن أن نشأتها كانت من شخصياتٍ سعوديةٍ، وليست من محمد سرور، والفقيه يفسر الأحداث دائماً بحسب ما يعتقده حين التصريح، وليس كما حدثت في الواقع.
ظلّت العلاقات بين السرورية و”الإخوان” بالسعودية في تذبذبٍ بين العمل المشترك وبين التنافس الحزبي، يجتمعون مثلاً في “البيانات الجماعية” لتمرير مواقف سياسيةٍ معارضةٍ ويختلفون في “المكتسبات الحزبية”، كما جرى في الانتخابات البلدية عام 2005 وبحكم التشابه الكبير بينهما حدثت بينهما صراعاتٌ في العملية التربوية والعمل الخيري كما في الوسائل الإعلامية لكلٍ منهما وفي الاستحواذ على المساجد وحلقات تحفيظ القرآن وغيرها السرورية و”الإخوان” جماعتان متطرفتان تكفيريتان خطرتان، تتماهيان مع جماعات التكفير والإرهاب كـ«القاعدة» و«داعش» وتيارات السلفية الجهادية في الغاية والهدف، ولكنهما تختلفان معها في «التوقيت». أخيراً، فالموقف الجديد الذي تقوده السعودية والإمارات منذ سنواتٍ ضد هذه الجماعات المتطرفة تطوّر كثيراً باتجاه تصنيفها إرهابية وملاحقتها قانونياً ومحاصرة الدول الداعمة لها، والمستقبل يشي بما هو أشد.
*نقلاً عن صحيفة “الاتحاد”