محبة عراقية لليهود والمسيحيين

christianmaouseliraqueعدنان حسين

يستكثر بعض الطائفين في موقع التواصل الاجتماعي” فيسبوك” من العراقيين على طائفين آخرين من مواطنيهم، أن يتذكروا بالخير يهود بلادهم وأن يعيدوا إليهم الفضل في ما هم متفضلون به في غير ما حقل ومجال.

الحملة المثارة ضد الكتابات المنصفة في حق اليهود، لا تعكس فقط الجهل بدور اليهود الحضاري في بلاد الرافدين على مدى التاريخ، وصولاً إلى عهد الدولة الحديثة التي بدأت أركانها بالتخلخل والانهيار منذ الشروع بحملات التهجير القسري لليهود قبل ستين سنة.. إنها تعكس أيضاً سوءاً في الأخلاق وعلّة في التفكير، بالضبط كما يحصل هذه الأيام في الحملة المناهضة للاحتفال مع المسيحيين بعيدهم الكبير، عيد الميلاد.

اليهود كانوا هنا، في هذه البلاد، مئات من السنين قبل ميلاد المسيح، والمسيحيون كانوا هنا مئات من السنين قبل ظهور الإسلام ووصوله إلى العراق. بكلمة أخرى إنهم، ولسنا وحدنا، أهل البلاد وسكانها الأصلاء.

أكثر من هذا أن الكثير من المجد التليد المتحقق في بابل وفي بغداد (العباسية) ثم في العراق الملكي (1921 – 1958) كان من صنع أيدي اليهود والمسيحيين وعقولهم.

الاتجاه الذي تبديه أعداد متزايدة من العراقيين، وبخاصة المثقفين والشباب، نحو إنصاف اليهود والتضامن مع المسيحيين، يجسّد وعياً متنامياً بالتاريخ، وهذا حاصل بفضل الحريات التي تمتّع بها العراقيون منذ 2003 ( بالطبع هذا لا يُردّ فضله إلى أحزاب الإسلام السياسي الشمولية الحاكمة، إنما إلى المحتل الأميركي الذي فرض أن يكفل الدستور الدائم حرية التفكير والتعبير التي تواجه الآن مساعي محمومة من أحزاب الإسلام السياسي لتقييدها وتضييق الخناق عليها).

إلى جانب الوعي بالتاريخ، ينبغي النظر إلى هذه الاندفاعة القوية لإنصاف اليهود والتضامن مع المسيحيين، بوصفها تصويتاً من جانب العراقيين لصالح التمسك بالطبيعة المتأصلة لمجتمعهم متعدد القوميات والأديان والمذاهب والأجناس وألوان البشرة. العراقيون بهذا يقولون للطبقة الحاكمة أنهم يناهضون كل هذه الأفكار والممارسات التي تهدف إلى إثارة الضغائن حيال الآخرين، قومياً ودينياً ومذهبياً، وجعل العراق بلداً لقومية واحدة أو لدين واحد أو لمذهب واحد.. العراقيون بهذا يقولون أنهم يريدون الإبقاء على ما كان عليه أسلافهم من العيش مع بعضهم بسلام ووئام، عرباً وكرداً وتركماناً وأرمن.. مسلمين ومسيحيين ويهوداً وصابئة مندائية وإيزيدية .. شيعة وسنة وكاثوليكاً وآرثوذوكساً وبروستانتاً.

نعم هذه هي رسالة العراقيين الطائفين في مواقع التواصل الاجتماعي وسواهم، الذاكرين بالخير والعرفان مواطنيهم المهجّرين قسراً قبل ستين سنة، اليهود.. وهذه هي رسالة العراقيين المقبلين بحماسة متصاعدة عاماً بعد آخر على الاحتفال بعيد ميلاد المسيح، مع مواطنيهم المسيحيين الذين جاء الدور عليهم هذه المرة ليكونوا ضحايا حملة تهجير سافرة، تقف وراءها جهات أكثرها على علاقة وطيدة بقوى السلطة المتنفّذة، من أحزاب الإسلام السياسي وميليشيات الإسلام السياسي.

*نقلا عن صحيفة “المدى” العراقية.

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.